آخر تحديث :الخميس-28 نوفمبر 2024-12:24ص

قضايا


الوقف البيئي الإسلامي ودوره في تحقيق التنمية المستدامة

الوقف البيئي الإسلامي ودوره في تحقيق التنمية المستدامة

الأحد - 16 يونيو 2024 - 12:23 ص بتوقيت عدن

- جرهم ــ رواء


الوقف من مفاخر الحضارة الإسلامية، ويعدُّ من أهم معالم التفوق الحضاري للأمة الإسلامية، وقد اتسع كثيرًا فيما مضى حتى شمل مجالات كثيرة وقطاعات شتى، وما زالت كثير من آثاره حاضرةً حتى يومنا هذا، ويقع على عاتقنا اليوم إحياؤه ونشره وبيان مزاياه، حتى يعاود الانتشار وتنعم به البشرية من جديد.

مدخل:
يُعدُّ الوقف من أهم المؤسسات الاجتماعية التي تحقق التنمية في المجتمع، وتُسهم بشكل فعال في مختلف مناحي الحياة، وقد عرف المجتمع الإسلامي أنواعًا من الأوقاف، وهذا المقال مخصَّصٌ للحديث عن أحد أنواعها وهو الوقف البيئي.

المقصود بالوقف:
الوقف في اللغة هو: الحبس والمنع، والجمع أوقاف. ومعنى تحبيسه: ألا يُورث ولا يباع ولا يوهب، ولكن يترك أصله، ويجعل ثمره في سبيل الله عز وجل([1]).

وعرّفه ابن حجر الهيتمي رحمه الله بأنه: “حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه لقطع التصرُّف في رقبته على مصرف مباح”([2]).

وقسّم الفقهاءُ الوقفَ إلى قسمين:

الأول: الوقف الأهلي أو الذُّرّي الذي يختص بالأهل والذرية.
الثاني: الوقف الخيري الذي يعمُّ نفعه على المجتمع بأكمله.
ومن المفاهيم المستحدثة ذات الأصل في الشريعة الإسلامية ما يعرف بـ “الوقف البيئي”، وهو صورةٌ من صور الوقف الخيري، ويعني “وقف وتسبيل مورد من موارد البيئة أو ما يعمل على خدمة البيئة وحماية مواردها”.

وهذا الوقف له علاقةٌ بمسؤولية الإنسان تجاه البيئة، حيث أَمَرهُ الله بعمارة الأرض وإصلاحها، قال تعالى: ﴿‌هُوَ ‌أَنْشَأَكُمْ ‌مِنَ ‌الْأَرْضِ ‌وَاسْتَعْمَرَكُمْ ‌فِيهَا﴾ [هود: 61]، ونهاه عن إتلاف مواردها أو إفسادها، فقال تعالى: ﴿‌وَلَا ‌تُفْسِدُوا ‌فِي ‌الْأَرْضِ ‌بَعْدَ ‌إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56]، ومسؤولية الإنسان في الشريعة الإسلامية ليست مسؤولية تجاه الأجيال المستقبلية فحسب –كما تؤصِّل لذلك المفاهيم الوضعية المعاصرة– لكنها كذلك مسؤوليةٌ يحاسَب عليها أمام الله عز وجل، قال تعالى: ﴿‌ثُمَّ ‌جَعَلْنَاكُمْ ‌خَلَائِفَ ‌فِي ‌الْأَرْضِ ‌مِنْ ‌بَعْدِهِمْ ‌لِنَنْظُرَ ‌كَيْفَ ‌تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: 14].



الوقف البيئي له علاقةٌ بمسؤولية الإنسان تجاه البيئة، حيث أَمَرهُ الله بعمارة الأرض وإصلاحها، ونهاه عن إتلاف مواردها أو إفسادها، ومسؤولية الإنسان في الشريعة الإسلامية ليست مسؤولية تجاه الأجيال المستقبلية فحسب، لكنها كذلك مسؤوليةٌ يحاسَب عليها أمام الله عز وجل



الأوقاف والتنمية المستدامة:
التنمية المستدامة -كما عَرّفها برنامج الأمم المتحدة للبيئة- هي: “التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة في تلبية حاجاتهم”([3])، وهي تحتوي على مفهومين أساسيين:

الأول: مفهوم الاحتياجات الخاصة والأساسية للفقراء التي ينبغي أن تعطى لها الأولوية.
الثاني: فكرة القيود التي تفرض على قدرة البيئة للاستجابة لحاجات الحاضر والمستقبل.
ويستخدم أحيانًا مصطلح “ارتفاق البيئة” مصطلحًا بديلاً للاستدامة، وهو يعني الانتفاع بالبيئة من جهة والحفاظ عليها من جهة أخرى؛ وبذلك فإنه يجمع في مادّته معنى النّفع واللّطف، وهو ما تكفله الاستدامة لكي تفي بمتاع الجيل الحاضر دون الخلل باحتياجات الأجيال القادمة.

ومن الخصائص التي يتميز بها الوقف: البقاء والاستمرارية، فقد تقدم أن الوقف يقوم على بقاء العين، ولا يعني هذا أنه لا يفنى أبدًا، لكنه يبقى لأمدٍ بعيدٍ قضاه الله تعالى، ولا يزول بمجرد استغلاله، وينبثق عن هذه الخاصية أمران:

الأول: استمرارية الانتفاع بالوقف في أوجه الخير والبر طيلة أزمنة عديدة.
الثاني: استمرارية الأجر والثواب.
كما أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له)([4]). فجعلت الشريعة الإسلامية جريان الأجر للميت متعلقًا بمنفعة الأجيال القادمة، والصدقة الجارية هي كل صدقة يجري نفعُها ويدوم أجرها، والجريان هنا بمعنى الاستدامة، فالوقف يدوم نفعه إلى الأجيال القادمة.

وتمثل الأوقاف إحدى مؤسسات وصيغ المجتمع المدني التي ترفد مفهوم التنمية المستدامة، حيث تتضمن بناء الثروة الإنتاجية من خلال عملية استثمار، كما تنظر بعين الاعتبار للأجيال القادمة، وتقوم على التضحية بفرص استهلاكية آنية مقابل زيادة الثروة الإنتاجية، وتستند بقوة إلى الخلفية الدينية (فكرة الصدقة الجارية) بما لذلك من آثار مادية ومعنوية.

والمتأمِّل لواقع الوقف في المجتمع الإسلامي عبر عصوره الطويلة يجد تجسيدًا واضحًا لما كان عليه الوقف من عُمقٍ واتِّساع، فقد تعدَّدت وتنوَّعت أموال الوقف، فشملت الأراضي الزراعية والعقارات على مختلف صورها من دور وحوانيت وأسواق ومصانع ومعامل وكتب ومكتبات، كما نجد الموقوف عليهم قد تنوعوا بين فئات وأفراد ومرافق ومؤسسات علمية وصحية وثقافية واقتصادية([5]).

ولكي يتسنّى لأي مجتمع أن ينعم بنوعية حياةٍ مستدامة لابدَّ من تكوين بنيةٍ اقتصاديةٍ ومالية تضمن الاستقرار والأمن البيئي؛ من هنا يأتي دور الوقف البيئي مصدرًا مستلهمًا من التراث والحضارة الإسلامية، في إسهامٍ مؤسسيٍّ ماليٍّ وقانونيٍّ لتمويل ورفد العمل البيئي.



من خصائص الوقف: البقاء والاستمرارية، فالوقف يقوم على بقاء العين، ولا يعني هذا أنه لا يفنى أبدًا، لكنه يبقى لأمدٍ بعيدٍ قضاه الله تعالى، ولا يزول بمجرد استغلاله، وهذا يعني استمرارية الانتفاع بالوقف في أوجه الخير والبر طيلة أزمنة عديدة، واستمرارية الأجر والثواب



أصناف الوقف البيئي:
يمكن تقسيم الوقف البيئي في التراث الإسلامي إلى نوعين: الأول: وقف الأعيان البيئية، والثاني: وقف التمويل البيئي، فالأول يعني وقف المورد البيئي في ذاته، والنوع الثاني يعني تخصيص عوائد مؤسسات أو صناديق وقفية لمصارف تهدف إلى رعاية البيئة وصون وتنمية مواردها.

النوع الأول: وقف الموارد البيئية:
يقصد بوقف المورد حبس العين للاستفادة منها بشكل مباشر في جميع أوجه الخير، ومن الأمثلة على ذلك:

1- الوقف المائي:
كان للوقف دور كبير في توفير الأمن المائي للمسلمين منذ بداية نشأة الدولة الإسلامية في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومثال ذلك “بئر رومة”، فقد روي أن عين رومة كانت لرجلٍ من بني غفار، وكان يبيع منها القِربة بمُد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تبيعُها بعينٍ في الجنة؟)، فقال: يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرُها، فلمّا بلغ ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه اشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أتجعل لي فيها ما جعلتَ له؟ قال: (نعم)، قال: قد جعلتُها للمسلمين([6]). وفي رواية أخرى أنَّ رومة كانت رَكيّة (بئرًا) ليهودي يبيع المسلمين ماءَها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها عثمان للغني والفقير وابن السبيل.

2- وقف المراعي (الحمى):
يعد نظام “الحمى” من أقدم النُّظُم التي اتبعها العرب والمسلمون لصيانة الموارد وحمايتها من التعدي عليها، وثمة محميات أوقفها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخيل الجهاد وإبل الصدقة في سبيل الله، ومن ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: (أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حمى النَّقيعَ لخيل المسلمين)([7]).

3- وقف المزارع والبساتين:
لعل أول وقف خيري عُرف في الإسلام هو وقف سبع بساتين بالمدينة، كانت لرجل اسمه مخيريق، وقد روى ابن سعد في الطبقات الكبرى عن عبدالله بن كعب بن مالك، قال: “قال مخيريق يوم أُحد: إنْ أُصبتُ فأموالي لمحمد صلى الله عليه وسلم، يضعها حيث أراه الله. وهي عامة صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم”([8]).

وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: “أصاب عمر بن الخطاب أرضًا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأمره، فقال يا رسول الله، إني أصبت مالاً بخيبر لم أصب مالاً قط هو أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟، فقال: (إن شئتَ حبستَ أصلها وتصدقت بها)، قال: فعمل بها عمر، على أن لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث، تصدق بها للفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف”([9]).

ومن الأمثلة المعاصرة على ذلك: ما توفره مشاريع وقف الديانة التركي من مياه الشرب النظيفة لأعداد كبيرة من الفقراء في العديد من البلدان الأفريقية وبعض الدول الآسيوية منذ خمسين عامًا، من خلال حفر آبار المياه بدعم المتبرعين في العديد من أقطار العالم الإسلامي، وقد امتدت خدماته لتشمل نحو 7 ملايين شخص في 39 دولة، عبر 1115 بئرًا وسبيل ماء، ضمن مشروع “قطرة حياة وبئر ماء”([10]).

ومن الأمثلة كذلك: أوقاف الشيخ محمد بن عبدالعزيز الراجحي الزراعية في السعودية، حيث تُعدُّ مزارع الراجحي الوقفية من أكبر المزارع على مستوى العالم، إذ تحوي ما يقارب ربع مليون نخلة في منطقتي الخَرْج والقصيم، ويتميز نخيل الأوقاف بالأصناف المرغوبة في السوق ذات الجدوى الاقتصادية، وأصبح هذا المشروع في الوقت الراهن أحد أهم روافد الأمن الغذائي في السعودية، كما يعد من أهم المشاريع الزراعية الاستراتيجية في زراعة التمور على مستوى العالم([11]).



دعا الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة مؤخرًا إلى الوقف البيئي ضمن إطار منهجي معاصر. حيث يوضح هذا المفهوم كيفية استثمار الأموال الوقفية في مشاريع تنموية تخدم البيئة وتراعي الاستدامة الشاملة، وتوجد أمثلة عديدة على هذا النوع من الوقف في التراث الإسلامي


النوع الثاني: وقف التمويل البيئي:

بزغ هذا النوع خلال العقد الأخير بصور متعددة في الدول الغربية، أبرزها “صناديق الوقف البيئي”. ولأهمية ذلك فقد دعا الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة مؤخرًا إلى مأسسة الوقف البيئي ضمن إطار منهجي معاصر. وقد عرض الاتحاد مقترحه حول الوقف للتنمية المستدامة، حيث يوضح هذا المفهوم كيفية استثمار الأموال الوقفية في مشاريع تنموية تخدم البيئة وتراعي الاستدامة الشاملة، وهناك بعض الدول أصدرت صكوكًا خاصة بالوقف البيئي ليسهم كل مواطن في حماية مستقبل أبنائه. وتوجد أمثلة عديدة على هذا النوع من الوقف في التراث الإسلامي، حيث مُولت عبر مؤسسات الوقف العديد خدمات رعاية البيئة، ومن أمثلة ذلك:

أوقاف الرعاية الصحية:
كان لنظام الوقف الإسلامي أثرٌ كبيرٌ في دعم خدمات الرعاية الصحية عبر تخصيص الأوقاف للإنفاق من ريعها على المستشفيات، ومن ذلك وقف “القطيفة” التي أوقفها السلطان نور الدين زنكي للإنفاق على البيمارستان الذي بناه في دمشق والذي لعب دورًا في تحقيق الرعاية الصحية للسكان على اختلاف نحلهم([12]).

أوقاف رعاية الحيوانات:
استُغل ريع منشآت الوقف في تطبيب الحيوانات المريضة، وكان هناك أوقافٌ للخيول المُسنة والعاجزة، كوقف “أرض المرج الأخضر” بدمشق([13]). وخُصصت في العديد من العهود الإسلامية أوقافٌ لخدمة الحيوانات والرفق بها، فخُصص في الشام وقفٌ لإطعام وسقي القطط الضالة سميت بـ “مدرسة القطاط”، وهي في القيمرية، وكان أحد أحياء التجار في دمشق؛ ووقفٌ للكلاب الشاردة يؤويها ويداويها، سمي بـ “محكمة الكلاب”، وهو في حي العمارة([14]).

وكان في حوز مدينة فاس بالمغرب بلاد موقوفة على شراء الحبوب برسم الطيور، حتى تلتقطها كل يوم من المرتفع المعروف بـ “كدية البراطيل” عند باب الحمراء داخل باب الفتوح، وأيضًا خارج باب الجيسة([15]).

وعثر على وثيقة حُرِّرت في العام (1327 هـ) أملاها العلامة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري رحمه الله لوقف في بلدة حوطة سدير (شمال مدينة الرياض) يصرف من ريعها وسبيلها على حَمَام الحرم المكي.



في ظل المتغيرات الدولية وتفاقم المشكلات البيئية ينبغي أن تبرز مبادرات لأوقاف بيئية معاصرة، كمصدر مستلهم من التراث والحضارة الإسلامية لدعم خدمات من شأنها الحفاظ على البيئة وإثراء مواردها للوفاء باحتياجات الأجيال القادمة



أوقاف الإيواء:
تزايدت الحاجة عالميًا خلال العقود الأخيرة إلى ما اصطلح على تسميته بـ “المأوى الوقفي”، وبخاصة مع زيادة أعداد النازحين واللاجئين بسبب الحروب والكوارث البيئية التي زادت وتيرتها بحدة خلال السنوات الأخيرة نتيجة التغيرات المناخية. وتاريخيًا انتشرت في بلاد الشام مؤسسات جمعت في وظيفتها بين أمور دينية وعلمية واجتماعية وهي: الخوانق والرّبط والزّوايا، ومن الخدمات التي تكفّل الوقف بتوفيرها: عنايته بأفراد آثروا الخلوة والانقطاع للتعبد، وطلب العلم، وآخرين حرمهم الفقر والعجز عن مجاراة غيرهم في العيش عن طريق تخصيص دور لإيوائهم وإقامتهم وتوفير أسباب الراحة والعيش لساكنيها([16]). ومع تطور الوقت تحولت بعض الأربطة إلى ملاجئ مستدامة لأصحاب العاهات وكبار السن والعميان والمطلقات.

ومن التطبيقات العملية المعاصرة لأوقاف التمويل البيئي: وقف كليات طبية معاصرة تنطبق عليها المعايير العالمية، كما هو الحال في كلية الطب بجامعة الفيصل وكذلك كليات سليمان الراجحي الطبية في المملكة العربية السعودية؛ مما يسهم في حل مشكلات التعليم الصحي وتقليل النفقات التي تنفقها الدولة على المنح الصحية. كما اتجه العالم لتطوير أنظمة الرعاية الصحية وجعلها أكثر كفاءة بتوفير الرعاية الصحية الأولية للسكان من خلال مؤسسات وقفية يخصص ريعها للإنفاق على توفير الغذاء ومصادر المياه النظيفة وأنظمة الصرف الصحي، وكذلك الوقاية من الأمراض المعدية وخدمات الإعلام والرعاية الصحية([17]).

ومن التطبيقات المعاصرة أيضًا: مشروع الصكوك الوقفية لتمويل المشروعات الصديقة للبيئة في ماليزيا، حيث تعتبر الصكوك الخضراء أداة تمويلية جديدة استحدثت للاستثمار في المشاريع الصديقة للبيئة سعيًا لتحقيق التنمية المستدامة، مثل مشاريع الطاقة المتجددة، كبناء محطات توليد الطاقة الشمسية ومحطات الغاز الحيوي ومشاريع طاقة الرياح، ومشاريع النقل التي تقلل من الانبعاثات، والبنية التحتية المتجددة، والإدارة المستدامة للنفايات، والتكيف مع تغير المناخ، والمدن الجديدة وغيرها من المشاريع التي تحتاجها الدول اليوم في ظل تنامي مشاكل الطاقة وزيادة تكاليفها، والأضرار البيئية التي يسببها الوقود الأحفوري. وقد أسهمت الصكوك الوقفية في تعزيز التنمية بصورة مباشرة وغير مباشرة في ماليزيا، كأداة لتنشيط القطاع الخيري، وللحد من ظاهرة البطالة، ولرعاية الفقراء بتوفير مأوى وتعليم وبيئة صحية ملائمة؛ بما أسهم في تحسين مستويات التنمية البشرية([18]).

آثار الوقف البيئي:
في ظل المتغيرات الدولية وتفاقم المشكلات البيئية ينبغي أن تبرز مبادرات لأوقاف بيئية معاصرة، كمصدر مستلهم من التراث والحضارة الإسلامية لدعم خدمات من شأنها الحفاظ على البيئة وإثراء مواردها للوفاء باحتياجات الأجيال القادمة.

وظهرت خلال السنوات الأخيرة مبادرات تحت مسمى “الوقف الأخضر” تقوم على استعمال أصول الأوقاف من أجل الحفاظ على البيئة وخدمة المجتمع المحلي وتحقيق الاستدامة. ويشمل هذا الاستثمار المستدام على سبيل المثال لا الحصر: تشغيل مدرسة أو مسجد أو حفر بئر باستخدام الطاقة الشمسية، أو زراعة حديقة حول المسجد، وكذلك دعم الزراعات العضوية، واستزراع الغابات والصناعات النظيفة البديلة، وتدوير النفايات، وتحلية المياه الصالحة للشرب. كذلك دعم المؤسسات الإعلامية لتسهم عبر برامج هادفة في زيادة الوعي البيئي للمجتمع وإعلاء القيم الإيمانية والأخلاقية في عملية التنمية.

ويفسح هذا الوقف المجال للمشاركة المجتمعية في مشروعاته، مما يساعد على نشر الوعي حول المسائل البيئية وتعزيز الشعور بالمسؤولية بين أفراد المجتمع. ويمكن لهذا الوقف أن يسهم إيجابيًا في جهود التصدي لتغير المناخ، في ظل مواجهة العالم لتحديات بيئية مثل إزالة الغابات وتلوث الهواء وندرة المياه.



أصبح من الضروري إنشاء مؤسسة تعنى بالوقف البيئي، تعمل وفق الشريعة الإسلامية يعود إليها استثمار حصيلة الأموال الوقفية للإنفاق على كل ما من شأنه حماية البيئة، ويستلزم ذلك عقد مؤتمر للفقهاء لحسم الخلافات الفقهية حول القضايا المتعلقة بفقه الوقف، وضرورة تخصيص صندوق لبرنامج وقفي مخصص لحماية البيئة ورعايتها



الخاتمة:
في ضوء ما سبق فإن إعادة دور الوقف وتفعيله لرعاية البيئة في الوقت الحاضر يحتاج إلى مزيد من تضافر الجهود على كافة الأصعدة، وتوجيه المبادرات نحو الحاجات البيئية الأكثر إلحاحًا في الواقع، من خلال دفع الواقفين إلى مزيد من التفاعل في تسهيل المنافع المختلفة التي تعود على المجتمع بالفائدة، وبما يتوافق مع مقاصد الشريعة ومصالحها الكلية.

كما أصبح ضروريًا إنشاء مؤسسة تعنى بالوقف البيئي، تعمل وفق الشريعة الإسلامية يعود إليها استثمار حصيلة الأموال الوقفية للإنفاق على كل ما من شأنه حماية البيئة؛ بما يخفف من المسؤوليات الواقعة على كاهل الحكومات، ويستلزم ذلك عقد مؤتمر للفقهاء لحسم الخلافات الفقهية حول القضايا المتعلقة بفقه الوقف، وضرورة تخصيص صندوق لبرنامج وقفي مخصص لحماية البيئة ورعايتها.



د. صبحي رمضان فرج سعد
أستاذ جغرافية البيئة – كلية الآداب – جامعة المنوفية بمصر.