آخر تحديث :السبت-08 مارس 2025-08:39ص

إن الدين عند الله الإسلام

الأربعاء - 04 ديسمبر 2024 - الساعة 04:23 م

د.محمد شبيبة وزير الأوقاف والإرشاد
بقلم: د.محمد شبيبة وزير الأوقاف والإرشاد
- ارشيف الكاتب



د. محمد بن عيضة شبيبة (وزير الأوقاف والإرشاد)
"إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ (١٩)". سورة آل عمران.
لقد بيّن المولى -سبحانه وتعالى- بشكلٍ قاطع أن الدين الذي ارتضاه لخلقه وأرسل به رسله، ولا يَقْبَل غيره هو الإسلام، وهو الانقياد لله وحده بالطاعة والاستسلام له بالعبودية، واتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى خُتموا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يقبل الله مِن أحد بعد بعثته دينًا سوى الإسلام الذي أُرسل به. وما وقع الخلاف بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فتفرقوا شيعًا وأحزابًا إلا من بعد ما قامت الحجة عليهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ بغيًا وحسدًا طلبًا للدنيا. ومن يجحد آيات الله المنزلة وآياته الدالة على ربوبيته وألوهيته، فإن الله سريع الحساب، وسيجزيهم بما كانوا يعملون.

- منهج وأسلوب حياة

ثم عقّب الحق -جل وعلا- في الآية التي تليها مباشرة للتأكيد على أن القبول بالإسلام واتباعه منهجًا وأسلوب حياة ليس أمرًا قابلًا للمساومة أو الخلط أو الوصول بشأنه إلى حلول وسط؛ بل هو الدين الحق المستقل بذاته والرسالة الخالدة، فإن جادلك -أيها الرسول- أهل الكتاب في التوحيد بعد أن أقمت الحجة عليهم فقل لهم: إنني أخلصت لله وحده فلا أشرك به أحدًا، وكذلك من اتبعني من المؤمنين، أخلصوا لله وانقادوا له. وقل لهم ولمشركي العرب وغيرهم: إن أسلمتم فأنتم على الطريق المستقيم والهدى والحق، وإن توليتم فحسابكم على الله، وليس عليَّ إلا البلاغ، وقد أبلغتكم وأقمت عليكم الحجة. والله بصير بالعباد، لا يخفى عليه من أمرهم شيء، يقول سبحانه وتعالى: "فَإِنۡ حَآجُّوكَ فَقُلۡ أَسۡلَمۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡأُمِّيِّـۧنَ ءَأَسۡلَمۡتُمۡۚ فَإِنۡ أَسۡلَمُواْ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡكَ ٱلۡبَلَٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ (٢٠). سورة آل عمران.
يا لعظمة الإسلام، ويا لنعم الدين الحنيف!! لا يقبل الإلحاق والضم، ولا تصحّ فيه محاولات التنازل عن شيء منه لمراضاة أمم الكفر، أو الوصول معها إلى ديانات تجميعية ملفقة تحت أي ذرائع أو أي مسمىً كان.
- دعوات مشبوهة
ولقد برزت في الآونة الأخيرة دعوات مشبوهة تدعو إلى مثل هذه المساومات، وهذه التنازلات التي حذرنا القرآن منها، وهي مشاريع لا تتفق مع نقاء الإسلام وجوهر العبودية والتسليم المطلق للخالق الواحد، من بينها ما بات يُعرف ب "الديانة الإبراهيمية"، إنها تقليعة جديدة في بحر الأهواء والانحرافات عن النهج القويم والإسلام الحنيف: "قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ (١٦١)". سورة الأنعام.
وإذا كان يزعم أصحاب هذا المشروع "الإبراهيمي" أن الهدف منه صهر الديانات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية في دين واحد يركز على المشتركات، ويقلل النزاعات، فإن هذه الغاية لا يمكن تحقيقها عبر عملية خلط من هذا النوع بل من خلال القواعد التي أرساها الإسلام بوضوح في علاقة الأمة المسلمة مع باقي الأمم، وتتجسد بجلاء في غاية الإنسانية والرقي والإنصاف في قول الله سبحانه وتعالى: "لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ (٨)". سورة الممتحنة.

- ختاما
ولقد كان شيخ الأزهر الشريف، الدكتور أحمد الطيب -حفظه الله- واضحًا في رفض هذه الدعوات، باعتبار أن "الديانة الإبراهيمية" تصادر حرية الاعتقاد وحرية الإيمان والاختيار، مؤكدًا أن الدعوة لـ"الإبراهيمية" "تبدو في ظاهر أمرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، وهي في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد وحرية الإيمان والاختيار".
ويرى شيخ الأزهر أن الدعوة إلى توحيد الدين دعوة "أقرب لأضغاث الأحلام منها لإدراك حقائق الأمور وطبائعها"؛ لأن "اجتماع الخلق على دين واحد أمر مستحيل في العادة التي فطر الله الناس عليها"، ناهيك أن "احترام عقيدة الآخر شيء والإيمان بها شيء آخر".
إذن، لا مجال للخلط ولا مسوّغ للتنازل عن مبادئ الإسلام الحنيف ومقايضته بأي شيء آخر.
"رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسۡلِمَةٗ لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ (١٢٨).