آخر تحديث :الخميس-28 نوفمبر 2024-12:24ص

مجلة جرهم


التكريم الإلهي للإنسان

التكريم الإلهي للإنسان

الخميس - 23 مايو 2024 - 02:11 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ محمد عيضة شبيبه وزير الأوقـاف والإرشـــاد

التكريم الإلهي للإنسان قيمة وجودية معلومة بالضرورة، وهذا التكريم قرين النفس البشرية بصرف النظر عن لونها ولسانها وجنسها وعِرقها، فهو صفة لازمة للإنسان بوصفه إنسانًا، يقول الله عز وجل، مبينًا حقيقة هذا التكريم بأفصح عبارة: "وَلَقَدْ كَرمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطيِّبَاتِ وَفَضلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا " [الإسراء: 70]
يقول الإمام السعدي: "وهذا من كرمه عليهم وإحسانه الذي لا يقادر قدره حيث كرّم بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرمهم بالعلم والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة".
وإن المتأمل في عظيم أمر الله وكرمه وتكريمه للإنسان ليجد ما لا يحصى من مظاهر هذا التكريم أولها أنْ خلق الله الإنسان الأول بيده ونفخ فيه من روحه، "ثُم سَواهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ" [9 السجدة].
ثم جعله خليفتَه في الأرض، أوكل إليه مهمة إعمارها، وسخّر له كلّ ما عليها، ومنحه حق التملك والكسب: "أَلَمْ تَرَوْا أَن الله سَخرَ لَكُمْ مَا فِي السمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً" [لقمان: 20].
ولإنارة طريق الخير أمامه جعله محور الرسالات السماوية فأرسل له الرسل و أنزل معهم الوحي والشرائع للمضي في البناء الروحي لهذا الإنسان المستخلف في الأرض وبيان قوانين الاستخلاف والمصالح والمنافع والمعاملات وسبل العيش وإدارة السلطة في مختلف مستوياتها بدءًا بالسلطة على النفس ثم الأسرة والمجتمع وصولًا إلى الدولة، جميعها وفق منظومة قيم قائمة على التكريم وتقدير الذات البشرية.
ويتجلى تكريم الله للإنسان أيضًا في الشريعة من خلال المعاملات المالية والتجارية وعقود العمل والمنفعة بتحريم الغش والتطفيف والربا ونهب حقوق الآدميين ومطل الغني وغيرها من سائر المحظورات التي تنطوي على انتقاص للإنسان وظلمه، ولكلٍ من شرائع وأحكام الإسلام مقاصد وعلل عَلِمَها مَن عَلِمَها وجَهِلَها من جَهِلَها، لكن غايتها في محصلة الأمر الإنسان ودوره في الاستخلاف وتيسير شؤونه وإعلاء شأنه.
وإنّ من مظاهر تكريم الله للعبد أن منحه حرية الاختيار بين طريق الخير وطريق الشر "وَهَدَيْنَاهُ النجْدَيْنِ [البلد:10]"، فإذا أراد الحفاظ على هذا التكريم الإلهي سار في طريق الخير والفضيلة والمعروف وارتقى في معارج الوصول إلى الله عز وجل، وإذا تخلى عن هذا التكريم الإلهي انحدر في مدارك الرذيلة واتبع هواه وأضلّه الله على علم فإذا هو أسفل سافلين.
اللهم اجعلنا هداةً مهتدين، غير ضآلين ولا مضلين، اللهم أكرمْنا بطاعتك ولا تذلّنا بمعصيتك واختم لنا بالحسنى ■