آخر تحديث :الأحد-09 مارس 2025-07:58ص

منوعات


عـلــى ضـفـــــاف الفكـــــــر

عـلــى ضـفـــــاف الفكـــــــر

الإثنين - 20 مايو 2024 - 01:27 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ بلقيس الفارسية كاتبة أردنية

بداية .. عزيزي القارئ، أهلا بك في عالم الفكر، بما أنها المرة الأولى التي هاهنا دعنا نضع بضع نقاط أساسية نستند إليها.. أولها وأهمها أني حاضرة هنا كصانعة فكر وهذا يعتمد على بحثي الدؤوب لسنوات بالإضافة إلى تعلمي وتفكري وتجاربي لأخرج بنتيجة ما وأضعها بين يديك وهذا لا يعني أنها صحيحة بالمطلق وعليك التسليم بها، إنما المطلوب منك أن تتقبل وجودها كمصباح يضئ لك الدرب لتكتشف أنت بنفسك النتائج التي تزيد من مستوى وعيك وتنفعك في رحلتك الدنيوية.. لذلك سيكون حديثي هنا على هيئة مصابيح تضيء زوايا مختلفة من حياتنا راجية المولى عز وجل التوفيق والنجاح للجميع.
المصباح الأول: الوعي
لطالما سمعنا هذا المصطلح كثيرا في الآونة الأخيرة، وامتد ما بين الرمز لكل ما هو متمرد عن القوالب التي دامت لعصور ثابتة وبين ما هو ممنوع التطرق إليه وأيضا بين ما كان مفهوما بشكل مختلف..لكن الشيء الوحيد المشترك في كل ما ذكر آنفا أن ازدياد الوعي في أي مجال هو إضافة نوعية للإنسان، حتى لو كان مجرد بوابة صغيرة لأفق متسع جدا سيبلغه من يأتي بعدنا.
ومن جماليات الوعي هو فهم الأمور من زوايا عدة وتقبل الاختلاف،وكلما ازداد وعي الإنسان كلما وجدته متزنا متصالحا مع نفسه محبا لذاته، ومن علامات حب الذات الحقيقية وضع الحدود الصحيحة مع الآخرين واحترام هذه الحدود سواء لك أو لغيرك، أيضا لا يرضى بالإهانة ولا يسمح للآخرين بإزعاجه ولا يزعج غيره ويسعى دائما للتغيير باتجاه الأفضل،المحب لذاته بنك طاقة إيجابية متنقل ينشرها أينما وجد، وهو إنسان صاحب استحقاق عالي مصدره (هو)، مستيقظ جدا لأي قوانين وأحكام مدمره لحياته، لذلك هو قائد متمرس لا يتبع أحدا غير قناعاته ولا ينتظر المدح من أحد ولا يكتسب قيمته من أفعاله، لذلك أفعاله دائما سببها الخدمة الغيرية ( العطاء اللا مشروط) ولا يسعى لاكتساب قيمته من الآخرين.
إنسان يعرف أنه نتاج تجاربه لذلك هو مؤمن أن التجربة هي الدرس الأقوى والأصح، متسامح مع نفسه ومع مجتمعه وكل ما هو حوله، لا يمارس دور الجلاد أبدا إنما يمارس دور الحكيم الذي يحتوي كل الأحداث بحب وتفهم
ممتن لكل ما يحدث معه لأنه متيقن أن الخير والشر وجدا لبنائه متصل روحيا بالمصدر بشكل دائم، لذلك يعيش حالة سلام وتناغم , ونحن هنا نختم بأن قمة الوعي تفضي بك إلى أجمل درجة ألا وهي التسليم ( إلا من أتى الله بقلب سليم)
المصباح الثاني: الأعور الدجال
لزمن طويل كان مفهوم الأعور الدجال أنه مخلوق بصفات جسدية معينة وصفات نفسية سيئة، لكن أليست الفكرة أيضا مخلوق ووحي؟
في سورة الرحمن أمرنا الله سبحانه ألا نطغى في الميزان، لذلك أنا أرى أن كل من يرى الكون بعين واحدة هي عين الأنانية فهو أعور دجال، وكل من يضع بالميزان في كفة واحدة فهو أعور دجال بلا أدنى شك.
لقد خلقنا الله من ماء وتراب(طين) ليكون فينا اللين والقسوة، ثم نفخ فينا من روحه وبعدها جعلنا خلفاء له،إذا هل يمتثل خليفة الله لأوامر خالقه ويقيم الوزن بالقسط في كل أمور حياته فالميزان رمز للعدالة بكل شيء والطغيان رمز للأعور الدجال .لهذا أيها القارئ تذكر حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تحمل على الغمام -أي: السحاب- وترفع إلى السماء، فيقول الله جل جلاله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) الله يغفر ما بينك وبينه أما حقوق العباد فاحذرها لأنها دين في عنقك.
لذلك لا تكن أعورًا دجالاً..
المصباح الثالث: الحق
الحقيقة الناتجة عن التفكر واليقين ستوصلك حتما إلى الحق أنت تركب سيارتك لتنقلك من مكان إلى آخر بغض النظر عن السرعة التي ستنتقل بها وبغض النظر عن شكل المركبة وعما سيفاجئك في الطريق فيغير هيئة مسارك أو طبيعته إلا أنه في النهاية عليك الترجل وعليك أن تدرك أنها رحلة بسيارة ولا بد من الوصول والمغادرة, منطقيا لا يمكنك البقاء للأبد بهذه المركبة هي غير مهيئة لذلك، وكذلك الحياة والموت لابد أن نع أن الموت انتقال إلى مرحلة مختلفة خلقها الله لتتم النفس البشرية دورة الحياة الكاملة بأشكالها المختلفة (قبل أن تأتي هذه الحياة كنت شكلا مختلفا وبعد مغادرتك الجسد ستصبح شكلًا آخرًا.
إذا طالما تملكنا اليقين بهذا لماذا نحزن على العبور ولماذا نرفضه؟
أي نعم، فالحزن على الفراق شعور يزداد بانخفاض الوعي والتسليم وينخفض بازديادهما، ويختفي في حال الحضور الحقيقي في حضرة الرحمن ومعرفته عين الحق واليقين فيكتمل الدوران وتكتمل الصورة لكينونتنا..
فأسوأ ما يعيشه الإنسان هو أن يترك مقعد الحق ليجلس على مقعد الوهم وهذا الأخير سيكون السبب الأساسي وربما الوحيد في فشل الإنسان في رحلته الدنيوية وعدم استمتاعه باللعبة الدنيوية لأنه بالحقيقة نسي أو تجاهل أنها مجرد لعب ولهو ليس إلا، وكان عليه أن يعيشها ويتعامل مع إحداثياتها الزمانية والمكانية فقط كنقاط استكشاف وانتقال إلى أبعاد أكثر جمالا وأكثر فاعلية والأهم أكثر واقعية وهذا كله يحصل ما بعد ما يسمى الموت، إلا أولئك الذين تفكروا في كينونة وماهية قدرة الله وسلكوا دروب العارفين لينعم عليهم خالقهم بالحكمة والاستبصار (فبصرك اليوم حديد)
المصباح الرابع: اتحاد الأنا
يعتقد الإنسان أنه ذلك الشكل الطيني (المادي أو الفيزيائي) ولا يعلم أنها خمسة أجساد وربما أكثر الجسد الطيني، الجسد العاطفي، الجسد الفكري, الجسد الطاقي, والجسد الأثيري.
حين تقول أنا برأيي كذا فهنا الجسد الفكري هو المتحدث، وحين تقول أنا أشعر بالألم أو بالحزن أو بالفرح ...الخ فهنا الجسد العاطفي ( المشاعري) , وحين تكسر ساقك أو تقرر عمل مساج أو عملية والكثير فهنا يتحدث الجسد المادي، أما حين تقول أستطيع أو لا أقدر، أجذب، أتخاطر... هنا الجسد الطاقي.
أما الجسد الأثيري فسيكون له بحث لاحق بإذن الله تعالى، لطالما يعيش الإنسان في الأنا المزيفة (الأيغو)ويفقد أنواته فيكون مشتتا وهذا ما يجعل عمره يذهب سدى، ففي اللحظة التي تقوم بها بإنجاز عمل ما بيديك وفكرك مشغول بأمر لم تجد له حلا، وعاطفتك في مكان ما مختلف مع أحد ما..
ما أود إيصاله لك عزيزي القارئ لكي تحقق المستوى الأعلى في حياتك (النعيم) ولكي تكون على الصراط المستقيم عليك أن تكون حاضرا بكل أنواتك في لحظة الآن الحاضر فتعيش ما يسمى (الحضرة) هنا فقط ستشعر بأن الكون وما فيه جاهز لمساعدتك في تحقيق كل ما تريد وهنا فقط ستحقق الأنا الحقيقية (الجنة) وستطبق بإذن الله آية كن فيكون فهي قاعدة عظيمة على المرء أن يطور من نفسه كثيرا في شتى الجوانب ليتأهل ويكون من أهل هذه الآية الكريمة فتكون حياته حياة اليسر التي وعدنا بها الله سبحانه وتعالى (يريد الله بكم اليسر).
بالإضافة إلى ذلك فإن كل صفة للإنسان تمثل أنا معينة فإذا كانت إيجابية كانت أنا نورانية وإذا كانت صفة سلبية فهنا أنا ظلامية.
وحين تحدث الصحوة(الوعي) للإنسان ويصبح مستيقظا .
كل هذه الأنوات ستعود فيتصالح المرء مع أنواته الظلامية وينهيها بالكثير من الإجراءات كالتوبة والاستغفار والتقبل والتصحيح والتخلي وما إليه حتى يعود المرء سليما وهنا سيتصالح مع الأنوات النورانية ليكتمل دربه بالتسليم ويبدأ مهمته كعامل نور ومعلم مرشد وملهم.
المصباح الخامس: الباقيات الصالحات
قال عز وجل في كتابه الكريم، في سورة الكهف (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا)..
وحين سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن الباقيات الصالحات أخبرنا بأنهن: لا إله إلا الله وسبحان الله و الحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأنا طبعا، أخر إنسان يمكنه أن يفتي أو أن يفسر في الدين، لأن هذا له ناسه وعلماؤه.
لكني هنا سأكتب فلسفتي الخاصة بهذا الذكر العظيم.. هناك من يقول استغفر ربك سبعين مرة بثلاث دقائق، وسبحه مئة مرة بخمس دقائق، وهكذا دواليك وهذا الأمر لا بأس فيه، لكن هل فعلا هذا المقصد الحقيقي من الذكر؟
بالنسبة لي كنت أعتقد هذا حتى عام 2017حين عاهدت الله على حملة استغفار مليونية أقوم بها بنفسي، وفعلا، أديت الأمانة والعهد، واستغفرت بأربع شهور أو أقل (مليون) مرة، عدا ذكر الباقيات الأخر.
لكن ومع تكرار الاستغفار حوالي أربعون ألف مرة يوميا أدركت أن الذكر ليس المراد به تحريك الشفاه واللسان وإن كان لا بأس بهذا، بل وتيقنت أن هذا الذكر العظيم، لابد أن توقنه الجوارح وتعمل من خلاله، وهنا يجني ثماره.
فلا إله إلا الله هي إقرار موثق من القلب والروح والعقل بأني مهما تعلقت بموجودات هذه الدنيا، من مال، وأولاد، وعلم، وسلطة، وشهرة، وحب، وغرام، وعشق، إلا أن هذا لن يكون شيئا مقارنة بتعلقي بالواحد الأحد، وارتباطي به وتواصلي معه، فإن أحببت شيئا في هذا الوجود، أحببته في الله، ولم أشارك الله في هذا الحب إلا من خلاله وليس معه.
أما سبحان الله، هي أن أرى عظمة الله واسمه الخالق المبدع المصور، في كل ما تراه عيني جميلا سبحان الله جعلتني أدرك أنه لا مخلوق قبيح وبشع على وجه الأرض، إنما علينا البحث عما هو جميل بالآخر، وعلينا التذلل لذلك الجمال والإبداع الرباني وسر الله فيه، أيا كان حيّا، أو جمادا.
والحمد لله هي ذلك الامتنان الذي تبديه لله الجواد المعطي الكريم وأن تنظر لنعمه التي لا تعد ولا تحصى عليك، مظهرا الشكر والرضا لا التذمر والحسد لما يمتلكه غيرك، من نعم وهذا طبعا لا يتنافي مع الطموح والسعي والدعاء بالبركة والزيادة والاستزادة، لكن دون الشعور بالنقص وحسد الغير.
أما الله أكبر، فهي الدستور واليقين بأنه لا عظمة تدوم ولا قوة تطغى بوجود القوي العزيز، ذي البطش الشديد، وبأنه مهما تأخرت عدالة الأرض، فعدالة السماء لا راد لها.
بهذا الذكر، أدخل في كنف الله فلا أخش لومة لائم في الحق، ولا أمتعض من ظلم وغدر البشر، لأني أعلم يقينا أنه يمهل ولا يهمل، وكما الطفل يختبئ تحت عباءة أبيه عند الخوف، ولله المثل الأعلى، فنحن نختبئ تحت ظل "الله أكبر "عند كل موقف، تعجز فيه إنسانيتنا وقدراتنا الوجودية عن إحلال الحق وعدل الميزان الدنيوي، فنجبر كسر عجزنا بـ "الله أكبر"
أما لا حول ولا قوة إلا بالله، فهي هدية الله لبني البشر، ليخبرهم: بأن لكم مستودع ترمون به ضعفكم وقلة حيلتكم ومحدودية رؤيتكم وقدراتكم، وتأخذون منه مؤونة الاستمرارية في هذه الحياة، بل وما بعد هذا المستوى الحياتي الدنيوي، وبها نسلم يقينا بأننا نستمد قوتنا وطاقتنا من رب الوجود، فنحن حقيقة من روح الله.
نختمها بأستغفر الله فيها أعلن للملأ بأني عبد من تراب، مجبول على الخطيئة والتوبة والاستغفار، فمن الإيمان أن أخطئ ومن الإيمان أن أندم وأتوب وأستغفر، وبهذا أُحق اسم الله، الغفور التواب الرحيم، وبهذا أيضا،أحق آية الله رحمتي وسعت كل شيء فأنا لست ملاكا، ولست معصوما،، إنما أنا العبد الضعيف المذنب الذليل أخطئ فأعود إلى الله أقف على عتباته، طالبا مغفرته وعفوه.
هذا هو الذكر برأيي أن أذكر الله بجوارحي، مقترنا بلساني وأن أرَ الوجود من خلاله سبحانه.
وكل رمضان وأنا وأنتم في حفظ الرحمن ورعايته وهدايته، تقبل الله منا وعفا عن زلاتنا وضعفنا، وألهمنا الرشد إلى ما يحب ويرضى■