آخر تحديث :الخميس-28 نوفمبر 2024-12:24ص

مجلة جرهم


الأقـيـــــــــال وما يجـــب معــرفـتــــــــــــــه

الأقـيـــــــــال وما يجـــب معــرفـتــــــــــــــه

السبت - 18 مايو 2024 - 02:45 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ د. كمال القطوي داعـيــــــــة إسـلامـــــــي

خَلقت العنصرية الإمامية، واحتقارها لليمنيين في بلادهم، ردود أفعال على مدى تاريخها الطويل، كان من أهمها ما كتبه لسان اليمن "الحسن بن أحمد الهَمْدانيّ 334هـ" عن اليمنيين في كتابه (الإكليل) وقصيدته(الدامغة)، لبيان عظمة الذات اليمنية، ودورها الحضاري المُشرق، إلا أن بعض ردود الفعل نحى منحى آخر، إذ لم يحمّل الإمامة تبِعة عنصريتها المقيتة، بل تورّط في تعميم كراهية الهاشميين، باعتبارهم المكون الذي ينبعث منه مشروع الإمامة، وله تُقطف الامتيازات الدينية والسياسية، رغم أن الهاشمية كمكون سكاني، أخرجت أعلامًا قارعوا مشروع الإمامة بالقلم والسيف، فالإمام ابن الوزير الهاشمي 840هـ كتب أكبر موسوعة علمية في تاريخ اليمن، لتقويض مشروع الإمامة الفكري (العواصم والقواصم) وناله من الأذى الكثير، وابن الأمير الصنعاني الهاشمي 1182هـ وطّن التسنن في البيوت الهاشمية الكبيرة، وألقى بذور الانتفاضة الفكرية على مشروع الإمامة المقيت، وسلقتهم قصائده ونددت بحكمهم العنصري، ومنهن قصيدته الرائية التي قــــال فيـها:
فيا عصبة من هاشم قاسمية
إلى كم ترون الجور إحدى المفاخر
يفديكم إبليس حين يراكم
يقول بكم والله قرّت نواظري
فكم في زبيد أغلقت من مساجد
وأغلق فيها مسجد للأشاعر
وفي آنس كم قرية قد تعطّلت
مساجدها عن كل تالٍ وذاكر
خراجِية صيرتم الأرض كلها
وضمنتم العمال شر المعاشر
وحين رأى المنصور محمد بن يحيى(جد الإمام أحمد) ثمار الزرع المبارك الذي غرسه ابن الأمير، قال غاضبًا: ( إن ابن الأمير أفسد ثلاثة بيوت عظيمة في اليمن : بيت المتوكل بشهارة، وبيت شرف الدين بكوكبان، وبيت إسحاق بصنعاء).
المســار السيــاسي
وفي المسار السياسي: كان هاشميو صنعاء السُنة ضمن طليعة ثوار 1948م، وقد نقل لنا حركة تسننهم المناضل العزي السنيدار في مذكراته، وفي ثورة 1962م كان جُل ضباط الثورة بصنعاء من أحرار الهاشميين، كما ذكر ذلك القائد العسكري للثورة المرحوم عبد الله جزيلان، وربوع ساحات الحرية اليوم تغص بأحفاد ابن الوزير والموشكي.
يموتون بـِسُمّهم
لم تقتل نظرية أهلها كما قتلت نظرية الإمامة أصحابها؛ فجُل المجازر التي أطاحت بالهاشميين كانت من فعل بني عمومتهم، لأن (كل إمام ينهض في عائلة هاشمية واحدة، يلوّح له أن خصومه ومنافسيه إنما هم الرجال البارزون في العائلات الهاشمية الأخرى، فيتجه أول ما يتجه للتخلص منهم قبل غيرهم) (الزبيري، الإمامة وخطرها).
فالذي قتل الإمام أحمد بن الحسين 656هـ، ابن عمه أحمد بن عبد الله بن حمزة، ومحمد بن الحسين الزيدي قتل على يد ابن عمه الحسين بن القاسم، وحفيد الهادي تصارع مع عمه حتى خربت صعدة، وأحمد حميد الدين ذبح من بيت الوزير وبيت الكبسي والموشكي حتى ارتوى سيفه، ثم التفت إلى إخوته فهذا دس له السم، وذاك بالسيف بترًا، والمسيرة الحوثية التهمت عددًا وافرًا من قيادات المشروع الإمامي، ورمت بالآلاف من شباب الهاشميين إلى المحارق دون أن يرف لها جفن.
و67 إمامًا هاشميًا ظهروا في اليمن، جنت عليهم نظرية البطنين، وجعلتهم عرضة للقتل والسحل والتشريد؛ فهل ثمة نظرية طائشة انتقمت من أصحابها كنظرية البطنين؟!.
من تعنيهم هذه الحروف
واليوم تنبعث حركة الأقيال لتقدم ردة فعل متطرفة، جوهرها التنقّصُ من الإسلام- وكأنه دين هاشمي-واحتقار الهاشميين (جملة وتفصيلًا)، مع أن ساحات القتال اليوم في الضفتين (ضفة الشرعية، وضفة الحوثي) تمتلأ بالهاشميين والقحطانيين، ولو شئت لقلت: لولا خيانة الأقيال، لما خرج الحوثي من كهف مران، وقصة التمهيد السبئي للحوثي، معلومة مشهورة.
صحيح أن هناك شباب أحرق فؤادهم لهَبُ المجازر الحوثية المتوحشة، وجرح كرامتهم هذا النعيق الإمامي العنصري البغيض، فرفعوا راية الأقيال، مع اعتزازهم بإيمانهم وعقيدتهم النقية؛ إلا أن ثمة عناصر تطبخ تيار الأقيال على نار هادئة، وتسيره في مدار غير بريء، وتلك التي تعنيها هذه الحروف.
وما يحدث اليوم من إحضار للقومية اليمنية، على حساب هويتنا الإسلامية، ما هو إلا انبعاثة جديدة للتيار العلماني تحت لافتة الأقيال، تتخذ من القومية اليمانية منفذًا لإعادة التموضع في الشارع اليمني.
لافتــة جديــدة
ففي المحافظات الجنوبية نجح اليسار نسبيا في إعادة إنتاج نفسه تحت مسميات سياسية، ونراه في الشمال يعيد إنتاج نفسه تحت لافتة الأقيال، حيث عمدوا إلى تغيير جلودهم، والخروج إلى الناس تحت لافتة جديدة، ويتجاهل الكثير أن لافتة الأقيال المتطرفة، تخدم الحوثي أكثر مما تضره، إذ تمنحه مظلومية عند السذج، وتكسبه تعاطفًا عند حاضنته الهاشمية، حيث يتوجس المغفلون منهم أن (هولوكست الأقيال) ينتظرهم، وهو تخادم يساري حوثي مكشوف.
التخادم اليساري الإمامي ليس وليد اللحظة كما يتصور البعض، بل هو قديم، وبحسب القارئ أن يعرف أن اليسار في حروب المناطق الوسطى كان يعتبر التيار الإمامي هو الممثل الصحيح للإسلام الثوري، وكأن التيار الإمامي يبادله نفس الود، وأثمر ذلك الود القديم انعطافة بدر الدين الحوثي تجاه البيض الانفصالي، وحين دخل الحوثي صنعاء هلل اليسار ورحب به، واعتبر ما يقوم به من انقلاب جراحة ضرورية للحياة السياسية، واليوم يتخادم بعض اليساريين مع الحوثي بتناغم شديد!.
خـلاصــــة
نحن مسلمون أولًا، ويمنيون ثانيًا، وبدون الإسلام الجامع لنا، ثمة عصبيات وعنصريات ومناطقيات تشتبك في اليمن، كافية لتدمير ثلاث قارات، ومن يقرأ تاريخ اليمن يدرك ذلك.
فمهمة المصلحين في اليمن – وقد قطعوا شوطًا كبيرًا- أن يدفنوا الانتمـــــاءات العصبــويـة الضيقة، ويعيدوا صياغة المسلم اليمني الكوني، فبدون الهوية الإسلامية النقية من شوب التشيع والعنصريات، ترقّب ألف راية، وألف حرب وألف ثارات من لدن ســبـــأ وحــتى مهرجانات التصالح والتسامح.
وفي حين يجب إدراك خطورة فكرة الأقيال اللامتزنة، ثمة طريق واحدة للتعامل مع إجرام الإمامة وعنصريتها تتمثل في كسر عنفها بالسيف، ودحض هرطقتها بالقلم الإسلامي الوسطي الواعي، فالفكرة المجنونة لا تواجه بجنون عنصري مضاد، والنجاسة لا تزال بالنجاسة كما قال الشهيد زيد الموشكي.
قطع المصلحون اليمنيون شوطًا كبيرًا في هذا المضمار، وقدموا تجربة فريدة على مستوى العالم الإسلامي في هذا العصر، تمثلت بتسنين جغرافية المذهب الهادوي، حتى أن صاحب ذمار دخل الجامع الكبير، فسمع التأمين، فقال: (يهناك يا جامع ذمار والدنانة)، وهو تعبير رمزي عن التحول العميق الذي جرى على يد المصلحين في النصف الثاني من القرن المنصرم، حتى انبعثت الإمامة من مرقدها■