آخر تحديث :الخميس-28 نوفمبر 2024-12:24ص

قضايا


آثار ومخاطر الإرهاب على الأجيال القادمة

آثار ومخاطر الإرهاب على الأجيال القادمة

الخميس - 16 مايو 2024 - 12:44 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ د. ماهر فرغلي كاتب وباحث في شؤون الحركات الإسلامية - مصر

حدد الباحثون عشرة أنواع للإرهاب وهي كالآتي: الإرهاب الفردي - إرهاب الدولة - الإرهاب الدولي - الإرهاب الثوري - الإرهاب المحلي - الإرهاب الانفصالي العرقي أو الطائفي - الإرهاب النفسي - الإرهاب الفكري - الإرهاب الانتحاري - الإرهاب الفوضوي، والحديث عن هذه الأنواع يحيلنا للحديث عن الجيل الأخير من الإرهابيين الذي يختلف جملة وتفصيلًا عن الأجيال السابقة، أولاً: لأنه تخلى عن شكله التنظيمي القديم، وثانيًا: لأنه ارتبط ببعض الدول الإقليمية، وثالثًا: لأنه محترف في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي أو وسائط الإعلام الإلكترونية، وهو ما أثر تأثيرًا مباشرًا وساهم في توسيع وتعميق الفجوة والتناقض داخل المجتمعات والدول من الناحية السياسية والفكرية والاجتماعية.. إلخ، وهو ما نتعرض له بالتفصيل.
أولًا: الآثار الفكرية
تعتبر الآثار الفكرية لانتشار جماعات وتنظيمات الجيل الحالي من المتطرفين العنيفين من أخطر وأهم الآثار، إذ أن هناك جُملة من الأفكار التي أنتجتها وتمثل تحديًّا واضحًا للدول والمجتمعات بسبب استخدامها خطابا دينيا مختلفا عن السائد، وتبنت الكثير من وجهات النظر الدينية والاجتماعية، التي أثّرت تأثيرًا كبيرا على الدول التي نشأت فيها، وعلى الاستقرار الوطني والإقليمي والدولي، وعلى ملامح المجتمعات وسلامتها واستقرارها.
لقد لقنت تنظيمات أجيال الإرهابيين المجتمع أفكارًا مثل الحكم الديني، وأعطت الأولوية لحمل السلاح عن العملية السياسية من أجل الوصول لحلم «التمكين»، وصاغت مفاهيم مثل الحاكمية، وحكم الحكام لدى الجماعة، وحكم الملأ (أي من يحيطون بالحاكم)، وحكم الطائفة والجيوش، والتكفير للحكام والمحكومين. وحكم تكفير الدول وقاطنيها، وحكم العذر لساكني الدول، وحكم موالاة الدول العلمانية، أو الفصائل المختلفة معها.
ومن المهم أن نعرف أن تلك المفاهيم الأيديولوجية بشكل عام جعلتهم ينشرون أفكارا واعتقادات توطنت لدى العديد من الشباب بأن الشريعة غائبة، ووجوب إقامة جماعات بعض منها يضع أوصافًا فكرية وعملية وخلقية، ويحدد بها حزب الحق وينزلها على جماعته، فيصبح هو صاحب الحق محتكر الحقيقة، وهو ما أدى إلى التناحر بين هذه الجماعات، والخلافات الحادة التي جرت بين الشباب.
ويمكن أن نلحق تأثير أفكار الجيل الأخير من هذه التنظيمات على الظاهرة الثقافية التي خرجت من جذورها، وكيف تجمّعوا على مفاهيم واحدة خارجة عن المفهوم الوسطي للدين، حيث يغرق المتطرف الإسلاموي في البحث عن مشروع الخلافة الراشدة الحديثة في نظرة مثالية، ويترك في المقابل الواقعية، ومن ثم درجوا أن يستخدموا (سيسيولوجيا الذاكرة الدينية) أي إعادة إحياء منظومة من الشعائر والمعتقدات التي تأتي من الماضي، دون القدرة على التجديد وفهم متغيرات الواقع الراهن، وعلى سبيل المثال: الاهتمام بانتقاء نصوص خاصة في الفقه والحديث لا تعني باكتشاف خبرات السلف ودلالتها، بل بجمع الأدلة التي تدلل على الأعمال المستهدفة ومذاكرتها فقط، واعتبار أن شرعية السلطة الحاكمة ستستمد من تطبيقها للإسلام بطريقة حرفية، وإلا اعتبرت غير شرعية مقصرة في حق الدين، والاستعلاء الديني بين الجماعات وغيرها من الناس باعتبار أن مقدار الاتصال بالتراث هو المقدار الذي يحدد أقرب الأشخاص إلى الحق.
وكل ما سبق أدى إلى ظهور حركات تريد إحياء التراث من خلال الفقه السياسي أو الوظيفة السياسية للتراث، طارحة بعض القضايا التي عفا عليها الزمن، وعلى سبيل المثال لا الحصر قضايا الخلافات بين الفرق المختلفة كالمعتزلة والقدرية والأشاعرة.. الخ وافتعال المعارك في مسائل وسع الخلاف فيها الأمة كمسألة عمل المرأة وغيرها بل وتعدى الطرح إلى فرض هذه القضايا بالإكراه.
واعتبر الجيل الأخير الأساليب العنيفة والثورات والحروب ضد من يُنظر إليهم على أنهم مرتدون أو كفار، وبرروا الهجمات على المدنيين، واعتبروا الدول "العدو القريب"، والغرب هو العدو البعيد، ومن ثم أنشأوا وطوروا شبكات لها صلات بالحركة الإسلاموية العنيفة العالمية في المنطقة العربية بالكامل، وسافروا إلى مناطق النزاع ليقاتلوا ثم عادوا لبلدانهم بعد أن تم تدريبهم ولديهم خبرة في استخدام العنف، ليصل تنفيذ العمليات الإرهابية في المنطقة العربية خلال الفترة ما بين 2015 وحتى عام 2023 إلى أكثر من 5 ألاف عملية إرهابية.
ثانيًا: الأثر السياسي
بالنظر إلى هذا الجيل سنجد أنه يصور نفسه على أنه الجماعة الوحيدة التي تتبع الحق وأنه سيقيم المدينة الإسلامية الفاضلة، وسيواجه الظلم، من خلال جماعات إرهابية عابرة للحدود، أو جماعات تهتمُّ بالقضايا المحلِّية وتعمل وَفقَ نموذج عِرقي قومي ديني، أو جماعات طائفية، أو أخرى تُظهر استجابةً لمواقفَ وأحداثٍ معينة.
لذا من أخطر الآثار السياسية لهذا الجيل هو أنه رسم صورة إيجابية لفكرة العنف، ونجح في الترويج بأنه السبيل إلى الجنة وخدمة الإسلام، ولعب على ملف الصراعات المذهبية والطائفية، واستغل ذلك جيدًا في المناطق التي تشتعل فيها الصراعات بين المذاهب، ليُشعل حماس الشباب وغيرتهم على الإسلام، ودعم ذلك ببعض الفتاوى التي أطلقها بعضهم وتفسيراتهم الخاطئة للآيات القرآنية بما يخدم أهدافهم.
ومن هذه الآثار رفضه التعددية السياسية، ومهاجمته النموذج الغربي والليبرالية الديمقراطية والمشاركة بالانتخابات، وعدم احترام الطوائف والأقليات الدينية، وبالتالي كان من أهم تأثيراته هو صناعة الانقسامات داخل المجتمعات، ورفض وجود الدولة الوطنية وصناعة التوتر، الذي سيعطيه فرصة غير مسبوقة للتواجد.
بناء على ما سبق، وعلى سبيل المثال في عام 2023 فقط انتشر الإرهاب في شرق وغرب إفريقيا عبر بؤر رئيسية (ليبيا والصومال ونيجيريا ومالي)، وهي التي شهدت خلال الثلاث أعوام الماضية 9945 هجومًا، و"دول الانتشار" أي التي تمددت بها التنظيمات مثل اليمن وسوريا وبوركينا فاسو، موزمبيق، الكاميرون، تشاد، وكينيا، موريتانيا، النيجر، جمهورية إفريقيا الوسطى، السنغال، تنزانيا، أوغندا.
ونشط الإرهاب بغرب إفريقيا بشكل متزايد إذ وصلت العمليات إلى حدود 400 عملية إرهابية في الأشهر الـ 12 الماضية، وتحديدًا في منطقة الكاميرون ونيجيريا، التي تعتبر المركز الرئيسي لنشاط جماعة "بوكو حرام" في سلسلة جبال ماندارا في المنطقة المحيطة بمورا، وفي المنطقة المحيطة بالحدود التشادية بالقرب من فوتوكول، إضافة إلى الجماعات المسلحة في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد وموزمبيق، وخلال العام الماضي سُجلت في بوركينا فاسو 590 ضحية، وكانت مالي والنيجر وجنوب الصحراء الكبرى بشكل عام الأكثر تضررًا، وقد وقع في هذه المنطقة 41 في المئة من القتلى الذين سقطوا في هجمات العام الماضي.
وفي الشام والعراق، وفق مؤشر الإرهاب العالمي انتشر الإرهاب الإسلاموي على الحدود العراقية السورية، في سلسلة جبال حمرين في محافظات ديالى وكروكوك وصلاح الدين العراقية كملاذات حدودية آمنة، وتضاهيها في سوريا منطقة دير الزور، وإدلب، كما انتشر الإرهاب باليمن، وبوسط آسيا، حيث يتمركز الإرهاب في منطقة وزير ستان بباكستان.
ووفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي، فإن سبع من الدول العشر التي سجلت أكبر زيادة في الإرهاب تقع في هذه المنطقة، وهي: اليمن، بوركينا فاسو، وموزمبيق، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومالي، والنيجر، والكاميرون، وسوريا، والعراق.
ثالثًا: الآثار الأمنية
يشكل الجيل الحالي من الإرهابيين العامل الأول في فقدان الأرواح والإصابات، مما يؤثر على الأمان الشخصي والجماعي، ويؤدي إلى تهديد البنية الاجتماعية وتماسك المجتمعات، ويزيد من الحاجة إلى تكاليف الأمان والمراقبة الأمنية، لذا فمن أهم أثاره أنه يستخدم أساليب عنيفة غير محدودة وغير مقيدة بالقانون أو الأخلاق، وتتطور أساليبه باستمرار من استخدام المفرقعات والقنابل الصغيرة إلى الأسلحة الفتاكة، والطائرات دون طيار، والمواد الكيماوية، وأخيرا ما يطلق عليه (الإرهاب البحري).
وفق "سكاي نيوز عربية"، مثّل الإرهاب خلال العام الماضي تحديا متطورا ومعقدا، من استخدام أنواع جديدة من الأسلحة، ومن خلال الدفع بمُقاتلين أجانب للعودة لبلدانهم أو الانتقال لمناطق أخرى وتأسيس أفرع للتنظيمات الإرهابية، ومحاولة استقطاب عناصر جديدة لممارسة العنف.
وأثّر الجيل الحالي من الإرهابيين أمنيًا، وأدى على سبيل المثال لنزوح أكثر من (10) ألاف عنصر إلى شمال أفغانستان، وأخرى لمنطقة جنوب شرق ووسط آسيا خاصة بدولة الفلبين، أسسوا جماعات إرهابية، بينما استغل آخرون شبكات التهريب وتسللوا إلى دول أوروبا وخاصة الشرقية منها أو لدول أمريكا الجنوبية، وهذا يمثل تهديدًا أمنيا كبيرا.
واستغل الإرهاب انتشار الصراعات والنزاعات المختلفة وتمكنوا من استقطاب بعض الفصائل المحلية والقبائل المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة العاملة بمجالات التهريب والاتجار في البشر والأسلحة والموارد الطبيعية لممارسة العنف.
واضطلع هذا الجيل بدور كبير فيما يسمى (الذئاب المنفردة) التي تقوم بتنفيذ الأعمال العدائية بأسلوب فردي دون إعداد أو تخطيط تنظيمي وهذا ما كان له تأثير سلبي على عدة مستويات أهمها الأمني، بسبب تشكيلها شبكات مسلحة، وتجنيدها لآلاف الأطفال، وتفريخ جماعات داخل المنطقة العربية أشبه بالجماعات الوظيفية، بعضها له علاقات إقليمية رسمية متشعبة بنظم سياسية، وأخرى لديها الدعم المالي الضخم، الذي ساهم بشكل فعال جدًا في استمرار الإرهاب.
وقد لوحظ في هذا الجيل كيف أنه أعاد هيكلة التنظيمات الإرهابية خلال العامين الأخيرين بشكل أكثر دقة وسرية وعنقودية وحركية، وأدى ذلك لتوالد المجموعات الإرهابية.
وتؤكد تطورات الأحداث ومعطيات الواقع الميداني خلال العام السابق أن الهلال الإرهابي لا زال يحيط بالمنطقة العربية مدعومًا من دول كثيرة تساعد على استمراره وتهديده للأمن الإقليمي بشكل عام، وفي الربع الأخير من 2023، مقارنة بالربع الثاني من العام نفسه، وفق مؤسسة ماعت للدراسات تبنت التنظيمات الإرهابية بالعالم العربي 144 عملية إرهابية مقارنة بنحو 230 عملية إرهابية في الربع الثاني من 2023.
وقد أفضت العمليات الإرهابية إلى مقتل وإصابة 1211 من المدنيين والعسكريين على حد سواء. بواقع 293 حالة وفاة من المدنيين ونحو 622 حالة وفاة من العسكريين وما يقارب من 182 إصابة للمدنيين أغلبهم من النساء والأطفال و114 إصابة من العسكريين، وشكل المدنيين 32% من إجمالي الوفيات جراء العمليات الإرهابية بينما شكلوا 61.5% من إجمالي المصابين من العمليات الإرهابية.
وأكدت المؤسسة أنه رغم انخفاض معدل العمليات الإرهابية ظل الخطر قائمًا في المنطقة العربية، لأن الجماعات الإرهابية تحاول إعادة تشكيل نفسها واحياء نشاطها وخاصة في مناطق النزاع وفي مناطق التوتر وعدم الاستقرار، ولا تزال الجماعات المسلحة التي تعمل خارج الدولة -وفي الغالب ما تكون مدعومة من أطراف خارجية- تمثل تهديدًا للمدنيين والجيوش الوطنية.
رابعًا: الجيــــل الإرهـــابي والحقوق المدنيــــة
وأثّر الجيل الإرهابي الحالي على الحقوق المدنية للمجتمعات، وكان من أهمها ضياع الشباب وانحرافهم وجعلهم يكرهون بناء أوطانهم والذود عنها، وتوجيههم أن يكونوا أداة للتخريب والتدمير.
وتركزت الآثار الاجتماعية لهذا الإرهاب في تهديد الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، والتراجع الحاد في التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية العابرة للانتماء الديني بكل ما تمثله من إضعاف الثقة المتبادلة بين أبناء المجتمع وإضعاف شبكات التفاعل الاجتماعي والقدرة على التعاون المجتمعي.
وتمثلت التكلفة السياسية للجيل الحالي من الإرهابيين في إضاعتهم للحقوق المدنية والحريات للمجتمعات، وفي تقويض الطبيعة المدنية للمجال العام، وتقسيم المجتمع السياسي عبر إنشاء مجتمع وسلطة موازية، ونشر ثقافة مناقضة لقيم الدولة الحديثة، وإضعاف الحياة السياسية والحزبية.
وبالرغم من ضخامة التكلفة الاقتصادية للإرهاب المادي على موارد الدول ونموها الاقتصادي، إلا أن التكلفة السياسية والاجتماعية، كانت أكثر فداحة وأعمق تأثيرًا في تعطيل تطور هذه الدول، وفي تهديد التماسك المجتمعي والتكامل الوطني، وهي تكلفة لا يمكن تقديرها بثمن.
خامسًا: المخاطر الاقتصادية والتنموية
وتتجلى أبرز المخاطر الناجمة عن الجيل الحالي من الإرهابيين في عودة المُقاتلين الأجانب لبلدانهم والتأثير السلبي على الحالة الاقتصادية نتيجة العمليات الإرهابية التي يضطلعون بتنفيذها سواء عبر تنظيمات إرهابية أو باستخدام أسلوب الذئاب المنفردة.
لقد أدت كثرة العمليات الإرهابية في وجود انطباع بعدم وجود استقرار أمني وهو ما يؤثر بالتبعية على الحالة الاقتصادية، وتقليل تدفق رؤوس الأموال والاستثمار، فضلًا عن أن أغلب هذه العمليات تستهدف منشآت اقتصادية تابعة لأجانب، بدعوى أنها تحمل جنسيات دول تحارب الإسلام، وهذا ما اتضح في اليمن كمثال بسبب آثار الحرب على الحصول على الغذاء والخدمات الصحية والبنية التحتية المادية والاجتماعية، حيث لم يوقف النزاع المطول التنمية في اليمن فحسب، بل إنه أثّر على مكاسب التنمية التي لم تتحقق في البلاد.
عانى المدنيون في جميع أنحاء اليمن من تدهور الأوضاع الاقتصادية ونقص الخدمات الأساسية، ووثق "فريق الخبراء الدوليين والإقليميين البارزين المعني باليمن" ومجموعات حقوقية أخرى مواصلة التخادم بين الجماعات الإرهابية في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الانتهاكات التي من المحتمل أن ترقى إلى جرائم الحرب.
وبالنظر إلى التنظيمات سنجدها على الأرض عبارة عن مجموعات وكتائب وجماعات كبرى مختلفة التوجهات والولاءات والأيديولوجيات، وتتغير تحالفاتها وولاءاتها كل فترة.
وتشير تلك التقارير الأممية عن وضع التعليم في اليمن خلال الثلاثة أعوام الأخيرة، إلى أن مؤشره أخذ اتجاهه التنازلي حتى وصل إلى مستوى مقلق، فالقطاع الأكبر تضررًا في البلاد خلف نسبًا عالية من الأمية، بلغت في الأرياف نحو 70٪، مقابل 40% في المدن الحضرية، وأدى إلى بلوغ عدد الطلاب المتسربين من المدارس بالمراحل التعليمية المختلفة نحو المليوني طالب، إضافة إلى أربعة ملايين متضرر من الحرب، ليصبح العدد الإجمالي ستة ملايين طالب ما بين متسربين ومتضررين، وبات التعليم حلمًا صعب المنال داخل الأسر اليمنية، مع الحرب التي أدت إلى إغلاق المعامل وندرة الكتب والأدوات المدرسية، وإغلاق دور التعليم، وأجبرت آلاف المعلمين على الانصراف عن التعليم والبحث عن مصادر أخرى للعيش.
وفي ذات التقرير أنه تم قتل آلاف الأطفال أو تشوهوا منذ بداية الصراع، وتم تجنيد آلاف آخرين ليقاتلوا في اليمن، وخلّفت سنوات الصراع والبؤس والحزن ما يصل إلى 8 ملايين إنسان في حاجة إلى خدمات الصحة العقلية والخدمات النفسية الاجتماعية، وقد زادت الأزمة الإنسانية المستمرة من هشاشة الأطفال والنساء وتعرضهم إلى كل من الاستغلال والعنف وسوء المعاملة، وعمالة الأطفال، والقتل والتشويه، وتجنيد الأطفال وفي مختلف أدوار الدعم، والعنف المنزلي والعنف الجنسي، وزواج الأطفال، والكرب النفسي الاجتماعي، حيث أدى التأثير المستمر للصراع والحرمان –حسب التقرير الأممي- إلى خسائر جسدية ونفسية وصحية فادحة على النساء والفتيات اليمنيات، بما في ذلك دعم الصحة العقلية غير المتوفر في اليمن ؛ حيث يحتاج ما يقدر بنحو سبعة ملايين شخص يمني إلى العلاج والدعم.
وتعد الأزمة اليمنية -طبقًا للتقرير واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية وأكثرها رسوخًا في العالم؛ حيث يحتاج نحو 21.6 مليون شخص إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، كما يكافح أكثر من 80 في المائة من سكان اليمن من أجل الحصول على الغذاء ومياه الشرب الآمنة والخدمات الصحية الأساسية.
وقد أدى الارهاب إلى تفاقم أزمة سوء التغذية المستمرة في اليمن . ويعاني حوالي 2.2 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، ومنهم أكثر من 540,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم — الذي يهدد الحياة ما لم يعالج على وجه السرعة.
وقد أصدر "المركز الأميركي للعدالة"، تقريرا حمل عنوان "الجريمة المنسية"، يرصد فيه آثار الحرب على قطاع التعليم في اليمن من 2014 إلى 2023، والانتهاكات التي طالت العملية التعليمية والأضرار المادية والبشرية التي لحقت بها، وقال إن "أكثر من (170) ألف معلم ومعلمة يعانون من انقطاع مرتباتهم منذ 5 سنوات بسبب استغلال هذا الجانب الإنساني في مقايضات سياسية.
سادسًا: نظرة في مستقبل هذا الإرهاب
بالنظر إلى الآثار السابقة للتنظيمات الإرهابية والجيل الأخير منها سنجدها الآن على الأرض عبارة عن مجموعات وكتائب وجماعات كبرى مختلفة التوجهات والولاءات والأيديولوجيات، وتتغير تحالفاتها وولاءاتها كل فترة، لكنها لا تزال تتركز عملياتها وفق استراتيجيات "حرب الاستنزاف" و"الحرب الاقتصادية" التي تهدف إلى إضعاف الدول من خلال استراتيجية تشمل: هجمات بارزة ضد رجال أو مؤسسات حكومية أو رمزية، بما في ذلك الخلايا النائمة التي تقوم بهجمات قليلة ولكنها تستهدف المؤسسات، الكمائن، نقاط التفتيش المؤقتة، عمليات الخطف، العبوات الناسفة، الهجمات الصغيرة على حقول النفط والمناجم.
وقد تراجعت الحالة الصدامية بين هذه التنظيمات لأدنى مستوياتها، وأدى ذلك إلى انتقال قوة العمليات الإرهابية لأماكن جديدة عن السنوات الماضية.
في المقابل تم تحقيق نجاح في مواجهة الإرهاب إقليميا على صعيد تحرير مناطق واسعة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها بعض التنظيمات، لكن انتقال الإرهابيين إلى مناطق أخرى أسهم في تغيير خارطة تلك النشاطات إلى بؤر رئيسية، وخلق مسارح جديدة يعمل فيها النشاط الإرهابي بازدياد ملحوظ خلال العامين الماضيين.
وساهمت الصراعات المتداخلة في دولة مثل اليمن والعراق وسوريا ودول الساحل في بقاء التنظيمات الإرهابية، حيث تتداخل الصراعات في معظم الأحيان، ونجد منها نزاعات قائمة بين جماعات عرقية مختلفة، وكذلك بين الجماعات الجهادية والحكومات، وبين التنظيمات وبعضها البعض، حتى أن الخطوط الفاصلة بين الجهاديين الإسلامويين أصبحت غير واضحة، وهذه هي السيولة التي تعقّد كثيرًا من مواجهة الإرهاب وتجعل المراقبين يفشلون في تحديد خارطة واضحة لما يجري.
بالإضافة إلى الجيل الإرهابي المتشدد تتضمن ديناميات الصراع في بعض المناطق منافسات قديمة وتتسم بالعنف في أغلب الأحيان وعمليات اتجار وأنشطة دفاع عن النفس، وغيرها.
ولا تزال توفر هشاشة بعض الدول أسبابًا مختلفة لانتشار الجماعات الإرهابية، مثل ارتفـاع نسـب الفقـر، حيث ساهم الفقر بقسط وافر في كثير من المشكلات والصراعات السياسية والاجتماعية وأضعف الحلول العسكرية، مما أدى إلى خلق بيئة لتمدد الإرهاب، بالتوازي مع اتساع فجوة المعرفة بين مخرجات النظم التعليمية وأسواق العمل وتدهور حقوق الإنسان وقيم العدالة، فضلا عن تضاؤل فرص العمل، إلى جانب تدهور الوضع البيئي، وعدم الاستقرار السياسي وكثرة الحروب والصراعات والانقلابات العسكرية، والتداخل العرقي والقبلي والطائفي الديني، الذي أعطى فرصة غير مسبوقة لتمدد الإرهاب ■