آخر تحديث :الخميس-28 نوفمبر 2024-12:24ص

قضايا


فلسطين في الوعي العربي والغـــــــــــــــــربـــــــــــــــــــي بـــين الماضي والحاضر

فلسطين في الوعي العربي والغـــــــــــــــــربـــــــــــــــــــي بـــين الماضي والحاضر

الأربعاء - 15 مايو 2024 - 02:19 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ د. إيمان عميرة كاتـبـــــــة مصــــــــرية

كثيرة هي الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية من تحديات وحروب مختلفة، لتظل القضية الفلسطينية هي القضية الأشهر والأكثر إثارةً وتعقيدًا في تاريخ الإنسانية، فهي ليست مجرد قضية نزاع بين إسرائيل وفلسطين لاسترداد الأرض المحتلة فحسب، بل هي قضية تتعلق بأبسط الحقوق الإنسانية وهي الحق في الحياة، ومن ثم ستظل القضية الفلسطينية حاضرة رُغم كل الغياب السياسي والدبلوماسي العادل.
ولهذا يجب علينا إعادة بناء وتعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية لدى العرب والغرب، ففي تراث الفكر الإنساني، يعتبر مفهوم الوعي من بين المفاهيم الأساسية والمركزية التي يمكن من خلالها بناء الرؤى والاتجاهات المختلفة تجاه العديد من القضايا، الأحداث والمواقف، حيث ينقسم الوعي إلى ثلاثة مكونات رئيسية فالأول هو المكون المعرفي الذي يتعلق بالمعرفة المكتسبة من شتي مصادر المعرفة المختلفة، والثاني هو المكون الموقفي الذي يُعبّر عن المواقف الفردية التي يتخذها الإنسان تجاه ما عرفه، سواء كان بالسلب أو الإيجاب، أما المكون الثالث للوعي فهو المكون السلوكي والذي يتعلق بالسلوك الذي يتخذه الفرد ويبني عليه موقفه من خلال المعرفة المكتسبة، وهذه المكونات الثلاثة يمكن من خلالها تشكيل الوعي الجمعي العربي والغربي بالقضية الفلسطينية.
أسباب وتحديات
تعتبر معرفة أسباب وعوامل ضياع القضية الفلسطينية من العوامل التي يمكن أن تسهم في تحقيق النصر إذا ما أُخذت بعين الاعتبار، حيث يمكن إرجاعها تاريخيًا إلى بعض الأسباب مثل تعزيز الاستكبار العالمي وضعف الوحدة العربية مقابل قوة إرادة اليهود وإصرارهم على البقاء في فلسطين.
فبعد أن عرض الأوربيون على اليهود أن يقيموا دولتهم في أستراليا ورفض معظمهم وأصروا على أن يقيموا دولتهم في فلسطين، حيث هيمن الانتداب البريطاني على فلسطين كمدخل لاستيطان اليهود فيها، بعد نجاحه في طرد العثمانيين منها، وعندها قدم "آرثر بلفور" وزير الخارجية البريطاني وعده الأشهر الذي يشير إلى أن " حكومة صاحب الجلالة تريد إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتحقيق هذه الغاية" وفي تشرين الثاني من عام 1947 تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181 والذي ينص على تقسيم فلسطين إلى دولتين إحداهما يهودية والأخرى عربية وذلك بعد جلاء الانتداب البريطاني عنها.
وبعدها أعلنت إسرائيل نشأتها على الأراضي الفلسطينية عام 1948 وبدأت الجماعات الصهيونية في بناء الاستيطان بعد فشل الجيوش العربية في هزيمة اليهود،وعندها عاش الفلسطينيون في ظروف صعبة، نتيجة قيود الحركة وصعوبة التنمية في شتي المجالات المختلفة، إلى أن جاءت نكبة 1948 والتي أدت إلى تهجير نحو ثلاثة أرباع مليون فلسطيني على الأقل من ديارهم، وهو ما أشعل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى يومنا هذا، وتم تأسيس (الأونروا) وهي وكالة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، ومن يومها وفلسطين في حالة من النضال المستمر.
كما كان لضعف الوحدة العربية مقابل قوة إرادة اليهود واصرارهم على البقاء في فلسطين نصيب الأسد مما آلت إليه القضية الفلسطينية، فقبل الخوض في المعارك الكبرى علينا أن نعمل بفقه الأولويات وندرك أن بناء الوعي له أهميته ويمكن تحقيقه بطرق مختلفة، ولكن الأهم من ذلك هو معرفة قوة وعتاد عدوك في المعركة، وهو ما يشير بل ويؤكد عدم تكافؤ القوى بين المحتل وعناصر المقاومة الفلسطينية، إضافة إلى قوة التخطيط اليهودي والدعم الغربي له مقابل عدم وجود قوى عربية تتكاتف من أجل نصرة القضية الفلسطينية، بل أصبح العرب عبارة عن كيانات هشة ساعدت بسلبيتها على مؤازرة ونصرة الكيان الصهيوني المحتل دون وعي ليحقق أهدافه مقابل خذلان الشعب الفلسطيني.
7 أكتوبر 2023 ومأساة إبادة الشعب الفلسطيني
بفعل أحداث السابع من أكتوبر 2023 التي ما زالت أحداثه تتلاحق حتي كتابة هذه السطور تهاوت القواعد العسكرية الإسرائيلية ليسجل التاريخ أكبر نكسة عسكرية لها في تاريخها الحديث رغم ما تملكه من أجهزة مخابرات وإمكانات تقنية إلى جانب مساندة أمريكا لها بكافة الدعم العسكري والاقتصادي وهو ما جعل الكيان الإسرائيلي وقيادته في حالة من الذهول مما حدث، ومن يومها أعلنت إسرائيل حرب لم يشهدها التاريخ، بعد أن عجزت عن انتزاع أي إدانة عربية لما حدث رغم سعيها الحثيث لذلك، مكرسة إجرامها لإبادة الشعب الفلسطيني على مرأى ومسمع من الجميع.
مما أسفر عن انقلاب في الوعي والإدراك العربي والغربي فيما يخص القضية الفلسطينية، وهو ما أدى إلى ارتباك المشهد السياسي نتيجة الاختلال النفسي والعقلي الذي أفقد الجيش المحتل توازنه بشكل هستيرى جعله يقوم بعمليات إبادة وحشية للشعب الفلسطيني بشكل منقطع النظير فما فعله السابع من أكتوبر أدى إلى كسر هيبة المحتل وما يدعيه من قوة وعتاد.
ليُسدل الستار عن أكذوبة حقوق الإنسان ورعاة السلام والأمن العالمي في ظل ازدواجية المعايير وانتشار الرواية الإسرائيلية بدعم غربي منقطع النظير، والتشدق بحقوق الإنسان تلك الحقوق التي نظمتها وأقرتها القوانين والمنظمات الدولية، وفَرضت على جميع الدول الالتزام بها دون استثناء، مقابل أنهم يشيرون إلينا نحن العرب بأصابع الاتهام ليحاولوا مرارًا وتكرارًا، أن يقنعونا ويقنعوا أنفسهم بأن مجتمعاتنا العربية ما هي إلا مجتمعات متخلفة داعية للحرب وراعية للإرهاب.
والحقيقة المؤسفة أن الكثير منا صدق تلك الأكذوبة التي روجت لها إسرائيل ودعمها الغرب لتسقط بذلك أقنعتهم المزيفة وهم يساندون ويبررون لإسرائيل كافة الانتهاكات الإنسانية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، دون مراعاة لأي مواثيق أو أعراف إنسانية تنادي بحقوق الإنسان.
نعم؛ فمن تفعل هي (إسرائيل) الطفل المدلل لأمريكا! فلتصنع ما تشاء وقتما تشاء في ذلك الشعب الأعزل الذي لا يملك أي عتاد للحرب، وإن وجد من يقاوم فهو يقاوم بحجر أو أداة حرب بالية عفى عليها الزمن مقابل قوى الحرب المتسارعة، كل هذه الأحداث جعلت هناك وعي ناقد لدى المجتمعات العربية والغربية تجاه كل ما تفعله أو تقوله إسرائيل ومن يقف خلفها بشكل جعل تلك المجتمعات تخرج عن ثباتها وتنظر للقضية الفلسطينية بشكل مختلف.
الوعي العربي: رؤية جديدة للقضية الفلسطينية
ينظر العرب اليوم للقضية الفلسطينية بشكل مختلف، حيث كانوا ولا يزال بعضهم منذ بداية القضية ينظرون إليها كجزء من الهوية العربية والإسلامية، ويجب مساعدة الشعب الفلسطيني على استرداد أراضيه وإظهار التضامن معه وذلك من خلال المواقف السياسية، أو الدعم الاقتصادي والبعض الآخر تمر عليه الأحداث الفلسطينية مرور الكرام، وبذاك يتضح أن العرب اختزلوا القضية الفلسطينية في كونها قضية إنسانية تحتاج إلى المساعدات المادية فقط!
وكأن الله أراد أن يأتي بسبعة أكتوبر لإحياء القضية الفلسطينية في وعي الشعوب العربية ليتعرف الأطفال والشباب على تلك القضية عن كثب لتترسخ في الذاكرة، بعد أن طُمِست قضية الأقصى بالنسبة لهم، فالسواد الأعظم منهم كانوا قد صاروا لا يعرفون عنها شيئًا.
واليوم أصبح أطفال العرب يعرفون حقيقة القضية الفلسطينية وما هي قضية الأقصى، واضحوا يحملون ويرسمون علم فلسطين على الحوائط والصور والملابس والصدور، مقابل رَسمهم لعلم إسرائيل على الأرض والدرج ليطئوه بأقدامهم مرددين العزة والنصر لفلسطين وتسقط تسقط إسرائيل.
كما شهدنا أطفال ما دون الرابعة من عمرهم ينظمون بل ويحشدون مسيرات طفولية وهم يلعبون في بعض الشوارع والأزقة ليتغنوا بالمسجد الأقصى ويهتفون بنصر فلسطين، ويهددون ويتوعدون بما سيفعلون في إسرائيل.
إضافة إلى الاحتجاجات السلمية التي شهدناها في معظم الدول العربية التي تنادي بإيقاف العدوان الإسرائيلي عن فلسطين، وتطالب وتدعم القيادات السياسية لاتخإذ كافة الإجراءات التي تؤدي إلى رفع القمع الواقع على هذا الشعب المقهور.
ومن ملامح هذا الوعي لدى العرب أيضًا تجديد بناء الصورة الذهنية من خلال البعد الثقافي بأشكاله المختلفة، حيث المنتديات، الندوات، والبرامج الثقافية والمؤتمرات العلمية، لتقدم لنا زخمًا كبيرًا من البحوث العلمية والتراث الثقافي الذي يتناول القضية الفلسطينية من زواياها المختلفة، ليصبح المسجد الأقصى ليس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين فقط، بل أصبح عقيدة وجهاد بالنسبة للشارع العربي.
وهو ما يُحتم علينا مؤازرة هذا الشعب لأنه خط الدفاع الأول عن الأقصى الأسير، كما ترسخت في عقيدتهم أيضًا أن الهدف الرئيس ليس فلسطين فقط، بل الشعوب العربية مستهدفة بأكملها، ومنا من سقط في هاوية هذا الاستهداف، لتنفيذ مخططهم الذي تنادي به إسرائيل عبر بناء شرق أوسط جديد ويؤكده حلم "من النيل إلى الفرات".
وما أكد ذلك هو اختراقهم للقوانين وسلبهم للحريات، وعلى رأسها قصف المستشفيات والمدارس، التي يلوذ بها اللاجئون الفلسطينيون فرارًا من رصاص الاحتلال، والحروب الداخلية التي تستهدف بعض الدول العربية لكي يتم الهائهم والسيطرة عليهم وعلى خيرات وثروات بلادهم.
وبناء على ما يحدث في فلسطين فهم يتعاملون مع الإنسان على أنه سلعة، ووفقًا لثمن هذه السلعة وقيمتها بالنسبة لهم (أمريكا وإسرائيل) ولمصالحهم يمكن إقرار حقوق الإنسان أو عدم إقرارها.
كل ذلك جعل القضية الفلسطينية التي كانت تتراجع في العقد الأخير من القرن الماضي، تعود إلى زهوها مرة أخرى أمام اتجاهات الرأي العام الشعبي للدول العربية المؤيدة للقضية الفلسطينية.
في عيون العالم الغربي
تختلف رؤية الغرب للقضية الفلسطينية بشكل نسبي عن العرب لأن رؤيتهم مبنية بشكل كبير على حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية كحق أساسي من حقوق الشعب الفلسطيني، وبناء عليه فبعضهم يؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة جنبًا إلى جنب مع إسرائيل والتعايش السلمي فيما بينهم، ولكن السابع من أكتوبر أدى إلى صدمة وإرباك الساسة الغربيين مما جعلهم يلتفون حول إسرائيل لمؤازرتها لاسيما أن الكثير من الجنود الإسرائيليين يحملون جنسيات مزدوجة، وهو ما يفسر تعدد جنسيات الأسرى التابعة للجيش الإسرائيلي.
إضافة إلى ما يقدمه الإعلام الغربي عن القضية، فهو يحاول تجسيد القضية الفلسطينية واختزالها في ما قامت به "حماس" والذي وصفته بأنه عمل "إرهابي" في حين أن هذا الإعلام لم يستنكر المجازر المرتكبة وكافة الحقوق المسلوبة من الشعب الفلسطيني، وهو ما أدى إلى الدعم الشديد لإسرائيل ومواقفها في بداية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وبمرور الوقت وظهور ردود الفعل الإسرائيلية وإصرارها على الانتقام من المدنيين العزل لا سيما النساء والأطفال، وحرمانهم من كافة سبل الحياة واحتياجاتها المختلفة من دواء وغذاء حتى وصل بهم الأمر إلى قطع الاتصال والكهرباء، كل ذلك جعل القضية الفلسطينية تأخذ منعطف آخر لدى بعض السياسيين في الغرب، وجعلهم يراجعون مواقفهم وذلك بناء على ما تناقلته الصحف الغربية مؤخرًا عن القضية الفلسطينية، حتى أعرب أنطونيو غوتريش عن شجبه بل وصراخه تجاه ما يحدث منذ بداية أحداث سبعة أكتوبر مما أثار غضب إسرائيل وطالبت باستقالته.
إضافة إلى التباين في الرؤى والمواقف من قِبل الحكومات والمنظمات والأفراد وفقًا للتوجهات السياسية الغربية، والتي تتأرجح ما بين الدعم الأكثر توازنًا ونزاهة لحقوق الفلسطينيين والدعوة إلى حل الدولتين، وبعضها يفضل الحياد وتسهيل المفاوضات بين الطرفين، إلا أن بعض الشعوب الغربية تنادي بحق الشعب الفلسطيني وتطالب بإيقاف هذا العدوان حقنًا لدماء الشهداء.
وكل ذلك يشير إلى أن ما حدث لفلسطين أعاد بناء الوعي الغربي تجاه القضية الفلسطينية التي اخترقت الحجب لتصل، بل وتتوغل في أعماق ووجدان العالم بأسره، عندما تأكد الغرب أن إسرائيل ضربت عرض الحائط بكل المبادئ والقيم الإنسانية وفقًا لما تفعله في فلسطين، فما فعلته إسرائيل رُغم بشاعته، إلا أنه كان بمثابة حملة إعلامية مكثفة لإحياء القضية الفلسطينية، مرة أخرى دفع جُل ثمنها الأطفال والنساء! نعم فالثمن غالٍ جدًا ليبقى التطبيع مع إسرائيل غير مقبول، ليصبح من أعظم تجليات السابع من أكتوبر أنه أحدث كيًا للوعي العربي والغربي معًا تجاه القضية الفلسطينية، ووضعها في نصابها الحقيقي بوصفها قضية تحرر ونضال شعب يقاوم الإحتلال الصهيوني المتجبر، وهو ما جعل للرأي العام الشعبي العربي والغربي رؤيته بمنأى ومعزل عن قادتهم ومواقفهم السياسية تجاه القضية الفلسطينية، لتقف شعوب العالم أجمع على قلب رجل واحد بكل طوائفه وأشكاله بل ودياناته المختلفة وتنادي بحقوق هذا الشعب وتطالب بمعاقبة إسرائيل على ما اقترفته من جرائم في حقه، ومن هنا وجب علينا بلورة المسار الحقيقي، من خلال توضيح الحقائق للشعوب العربية والغربية على حد السواء.
سُبل وعوامل تعزيز الوعي الجمعي العربي والغربي
تشكل سُبل تعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية مسارًا إيجابيًا للتأثير على الجهود الدولية من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل للقضية، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق تعزير الوعي بالقضية من خلال الاستناد إلى معلومات صحيحة عن الوضع الحقيقي في فلسطين وبثها من خلال وسائل الإعلام المختلفة، عن طريق التواصل الفعال مع الشباب لأنهم الفئة الأكثر تأثيرًا في المجتمعات المختلفة لاستخدامهم وسائط الاجتماعية والمنصات الرقمية المختلفة ومن هنا يصبحوا سفراء للتوعية بالقضية الفلسطينية، عن طريق حملات التوعية التي تستهدف الجمهور العربي والغربي من خلال الرجوع إلى تاريخ القضية الفلسطينية منذ بدايتها وحتي يومنا هذا، إلى جانب تفعيل دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية لبناء وعي الأجيال العربية، بشكل سليم وبعيدًا عن التشويش والمعلومات المغلوطة، التي يقدمها المحتل الصهيوني ويتم تداولها عير المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي يمكن من خلالها نشر ما يريد وقتما يريد سواء عن طريق البث المباشر أو الكتابة أو الفيديوهات المختلفة لتغطية الأحداث وهو ما يشار إليه بصحافة المواطن والتي ربما تكون في بعض الأحيان هي المصدر بل والشاهد الوحيد على بعض الوقائع والأحداث المختلفة، وهو ما حدث بالفعل في العدوان الإسرائيلي على فلسطين، حيث استخدمت تلك الوسائط بشكل واسع مما أدى إلى إمكانية نشر الصور والفيديوهات والشهود العيان من داخل فلسطين وهو ما أسهم بشكل كبير في زيادة وعي الشعوب العربية والغربية بالقضية الفلسطينية، إلى جانب تداعيات الأزمة الفلسطينية وتأثيراتها على الدول المجاورة وتأثير النازحين عبر الحدود والشهادات الحية التي يرونها عن معاناتهم والأوضاع داخل فلسطين، إضافة إلى جهود المنظمات غير الحكومية والناشطين فكان لهم دور كبير في تنمية الوعي بالقضية الفلسطينية من خلال تقديم ونشر تقارير وشهادات للانتهاكات والجرائم التي تحدث في فلسطين، كل ذلك أسهم بشكل كبير في زيادة الوعي والتفاعل مع القضية الفلسطينية.
ومن هنا يمكن القول بأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت للأسف هي المكون الأساسي وربما الأول لدى الكثيرين في بناء عملية الوعي وتشكيله تجاه الأحداث لاسيما الأحداث الفلسطينية، ورغم أهمية تلك الوسائل في بناء وتشكيل الوعي الجمعي العالمي إلا أن لها آثارًا سلبية نتيجة ما تقوم به من سرعة في بث المعلومات والأخبار التي ربما تكون مغلوطة في كثير من الأحيان، فتهدم معتقدات وتزييف أحداث.
وعليه يصبح الموقف والسلوك القائم على هذا الوعي المزيف غير صحيح وبالتالي تكون النتيجة عكسية فبدلًا من بناء الوعي تؤدي إلى تضليل الوعي وتزييفه، وهو ما قام به الإعلام الصهيوني في محاولة لتزييف وتضليل وعي المجتمع الغربي والعربي تجاه القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية، وفق ما يتناسب مع مصالحها المختلفة والتي تهدف إلى المصالحة والتطبيع مع كبرى الدول العربية، كل ذلك من خلال عمليات غسيل الأدمغة أو ما يسمى بحروب الجيل الخامس والتي تؤدي إلى كسب المعارك دون قتال، حتي بات الطرح الصهيوني عن القضية الفلسطينية في العقود الماضية مقبولًا لدى بعض المجتمعات العربية والغربية مما أدى إلى الاستسلام للنظرة التي تريدها إسرائيل للقضية الفلسطينية والتعامل معها على أنها جزء من الواقع الذي نعيشه، حتي توارت النظرة الموضوعية للقضية لدى البعض جراء ما يبثه ذلك الإعلام المضلل من معلومات.
خوف واستسلام
وفي النهاية نستطيع القول أن الصراعات المتلاحقة والخسائر منقطعة النظير نتيجة ما حدث ويحدث في فلسطين أسهمت في بناء وعي المجتمع العربي والغربي بالقضية الفلسطينية، ولكن الخوف كل الخوف من حدوث حالة من اليأس وعدم الرغبة في استكمال المسيرة والمثابرة من أجل تحقيق النصر، لكي لا ينتابنا الإحباط وندرك أننا قد هُزمنا أمام المحتل الصهيوني، فعلينا أن نؤمن بأن القدس لنا مهما طال الزمن، ونعيد تشكيل الوعي بالقضية الفلسطينية من جديد واسترداد الهوية العربية وتكاتفها مع بعضها البعض، وأن ننقب عن ثرواتنا بأنفسنا لنصبح قوى عربية منتجة وليست مستهلكة، ليس عليها سلطان من الغرب، وندرك أن الله قد وضع في قلب المحنة منحة ليتجدد الوعد بالنصر والأخذ بالثأر ونسترد قدسنا وكرامتنا ويجتمع شمل الأمة العربية والإسلامية مرة أخرى ■