آخر تحديث :الخميس-28 نوفمبر 2024-12:24ص

تقارير


تأثير المنظمات الإغاثية الدولية بـين العمـل الإنســانـي وتداخـل المصــالـح

تأثير المنظمات الإغاثية الدولية بـين العمـل الإنســانـي وتداخـل المصــالـح

السبت - 11 مايو 2024 - 05:08 ص بتوقيت عدن

- جرهم ــ أيمـــن محمـــد كاتب في المجال الإنساني

تعد المنظمات الإغاثية الدولية من أهم اللاعبين في مجال العمل الإنساني على مستوى العالم، تهدف هذه المنظمات إلى تقديم المساعدة والإغاثة للمجتمعات والأفراد المتأثرين بالنزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية والأوضاع الإنسانية الصعبة، ومع ذلك، فإن تأثير المنظمات الإغاثية الدولية قد يتعرض لتحديات تتعلق بتداخل المصالح.
حيث تعمل المنظمات الإغاثية الدولية على توفير المساعدة الإنسانية في مناطق النزاعات والكوارث، وتعتمد في ذلك على توجيهات ومبادئ القانون الدولي الإنساني، ومع ذلك، فإنه يمكن أن يحدث تداخل في المصالح بسبب التدخل السياسي أو العسكري في بعض الحالات، وقد تتعرض المنظمات الإغاثية للضغوط السياسية من قبل الأطراف المتحاربة أو الحكومات المضيفة، مما يؤثر على قدرتها على تقديم المساعدة بشكل فعال ومستقل.
علاوة على ذلك، قد يحدث تداخل في المصالح بين المنظمات الإغاثية الدولية وبين المصالح الاقتصادية والسياسية للدول المانحة، فعلى الرغم من أن المساعدات الإنسانية تقدم بنية تحتية ضرورية ودعمًا حيويًا في الأوقات العصيبة، إلا أنها قد تستخدم أيضًا كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية، يمكن للدول المـانحـــــة استخــــــدام المساعـــــــــــدات الإنســانية لتعزيــز تأثيرها السياسي أو تحـقـــــق مصـــــــالحهـــــــا الاقتصـادية، مما يؤثر على استقلالية المنظمات الإغاثية ويقلل من فعالية عملها.
مثال واقعي
من الأمثلة القريبة حدث فصل موظفين الأونروا بغزة دون دليل أو اتباع إجراءات قانونية واجبة، حيث وجّهت إسرائيل جُملة من الاتهامات إلى 12 من موظفي الوكالة الأممية، وهم البالغ عددهم 30 ألفًا، بخصوص مشاركتهم في عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قال "إن إسرائيل وزعت ملفًا استخباراتيًا يقول إن بعض موظفي الأونروا شاركوا في عملية السابع من أكتوبر من غزة"؛ فيما وصف الوكالة بأنها "مخترقة من حماس".
وبعد الاتهامات مباشرة، أعلنت 13 دولة تعليق تمويلها للوكالة، في انتظار أن تقدم الأونروا توضيحات عن ذلك، بينما قرر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تعيين مجموعة مستقلة لإجراء مراجعة لعمل وكالة الأونروا، بقيادة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا.
و كشف المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليبي لازاريني، أنه لم يحقَّق بعد في اتهامات إسرائيل ضد عدد من موظفي الوكالة، بخصوص مشاركتهم في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، قبل فصلهم الشهر الماضي موضحًا "نجري التحقيق في الوقت الحالي حيث كان يمكنني وقفهم عن العمل، لكنني فصلتهم، ونجري تحقيقًا حإليًا، ولو أشارت نتائجه إلى أن ما فعلناه غير صحيح، ستتخذ الأمم المتحدة قرارًا بشأن كيفية تعويضهم بشكل مناسب".
وأضاف بأنه "اتخذ قرارًا استثنائيًا وسريعًا بإنهاء عقود الموظفين، بسبب طبيعة الاتهامات القوية للغاية"، مردفًا أن "الوكالة تواجه بالفعل هجمات شرسة وقبيحة، تزامنًا مع تقديمها مساعدات لنحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة".
وتابع: "في الواقع، جرى فصلهم دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، لأنني شعرت حينها بأن سمعة الوكالة ليست وحدها على المحك، بل قدرتها بالكامل على مواصلة عملها وتقديم المساعدة الإنسانية الضرورية، حال عدم اتخاذ مثل هذا القرار".
وأكد: "تقديري صحيحًا كان أو خاطئًا، هو أنني احتجت إلى اتخاذ القرار الأسرع والأجرأ لإظهار أننا، باعتبارنا وكالة، نتعامل مع هذا الادعاء بجدية".
وطبقت هذا الأسلوب قديما على المنظمات مليشيات الحوثي حيث استبدلت معظم موظفي المنظمات في المناطق التي تحت سيطرتها بموظفين موالين لها وحرفت المساعدات الإنسانية لدعم مقاتلي الجماعة كما جاء في تقارير الأمم المتحدة.
مبادئ مهمة للتصدي لتداخل المصالح
تتوفر للمنظمات الإغاثية الدولية عدة آليات يمكنها استخدامها للتصدي لتداخل المصالح وضمان تأثيرها الإيجابي، وفيما يلي بعض الآليات التي يمكن تنفيذها:
مبادئ الحيادية والإستقلالية : يجب أن تلتزم المنظمات الإغاثية بمبدأ الحيادية والإستقلالية في أعمالها، يعني ذلك أنها يجب أن تبقى مستقلة عن أي تدخلات سياسية أو اقتصادية وأن تتعامل مع جميع الأطراف بشكل عادل ومحايد.
الشفافية: يجب أن تكون المنظمات الإغاثية شفافة في أنشطتها وإدارتها المالية، وينبغي أن تكون المعلومات المتعلقة بالتمويل وتوزيع الموارد متاحة للجمهور والشركاء، مما يسهل مراقبة الأنشطة وضمان استخدام الموارد بشكل فعال ومنصف.
التعاون المحلي: يجب أن تعمل المنظمات الإغاثية على تعزيز التعاون مع الجهات المحلية والشركاء المحليين، وينبغي أن يكون هناك تشارك فعال بين المنظمات الإغاثية والمجتمعات المستفيدة في تصميم وتنفيذ البرامج الإنسانية، مما يساهم في زيادة فعالية العمل وتعزيز الشفافية والمساءلة.
التقييم والمراقبة: ينبغي للمنظمات الإغاثية تنفيذ آليات التقييم والمراقبة لبرامجها ومشاريعها، يتضمن ذلك تقييم أثر العمل ومدى تحقيق الأهداف المنشودة، بالإضافة إلى مراقبة استخدام الموارد وتنفيذ الأنشطة بشكل ملتزم بالمعايير الأخلاقية والقانونية.
المشاركة المجتمعية: ينبغي للمنظمات الإغاثية أن تشجع المشاركة المجتمعية في عمليات صنع القرار؛ يعني ذلك ضمان مشاركة المجتمعات المحلية في تحديد احتياجاتها وتصميم البرامج الإنسانية، وتوفير وسائل للتواصل وتلقي الملاحظات والشكاوى.
التواصل والتوعية: يجب على المنظمات الإغاثية أن تستثمر في التواصل والتوعية للجمهور ووسائل الإعلام بشأن أهدافها وأنشطتها حيث يساعد ذلك على تعزيز الفهم والتأييد للعمل الإنساني وتوضيح دور المنظمات الإغاثية في التصدي لتداخل المصالح وتحقيق الأهداف الإنسانية.
يجب إدراك أن الآليات المذكورة قد تختلف من منظمة إلى أخرى، وقد يتم تطبيق مزيج من هذه الآليات لتعزيز فعالية العمل الإنساني والتصدي لتداخل المصالح.
آلية التقييم والمراقبة
تنفذ آلية التقييم والمراقبة في المنظمات الإغاثية بـ:
وضع أهداف ومؤشرات الأداء: يجب أن تحدد المنظمة الإغاثية أهدافًا واضحة وقابلة للقياس لبرامجها ومشاريعها، ويجب أن تكون هذه الأهداف ذات صلة بالاحتياجات الإنسانية الملحة وأن تكون قابلة للتقييم بواسطة مؤشرات أداء قابلة للقياس.
تجميع البيانات: يجب على المنظمة الإغاثية جمع البيانات اللازمة لتقييم الأداء والمراقبة، ويمكن أن تشمل هذه البيانات المعلومات المتعلقة بتنفيذ الأنشطة، وتوزيع الموارد، والنتائج المحققة، وتأثير البرامج على المستفيدين.
تحليل البيانات: بعد جمع البيانات، يجب تحليلها واستخلاص النتائج الرئيسية، ويمكن استخدام أدوات التحليل المختلفة مثل الإحصاءات والتحليل المقارن وتقنيات النمإذج لفهم الأنماط والاتجاهات وقياس التأثير.
تقييم الأثر: يتضمن ذلك تحليل الفوائد والتحديات والتأثيرات المترتبة على البرامج والمشاريع الإغاثية، ويمكن استخدام أدوات التقييم المختلفة مثل التقييم الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وتقييم الاستدامة لقياس التأثير على المجتمعات المستفيدة والبيئة.
مراقبة الأداء: يجب مراقبة أداء البرامج والمشاريع بشكل منتظم للتحقق من تنفيذها بالطريقة المخطط لها وتحقيق النتائج المرجوة، ويمكن استخدام مؤشرات الأداء والتقارير الدورية والزيارات الميدانية لمراقبة الأداء وتحديد الاحتياجات للتحسين.
تعزيز التعلم والتحسين: ينبغي على المنظمة الإغاثية أن تستفيد من نتائج التقييم والمراقبة لتحسين العمل الإنساني، ويجب تعزيز ثقافة التعلم المستمر واستخدام النتائج لتحسين التخطيط وتصميم البرامج وتعزيز الكفاءة والفعالية .
تذكّر أن آلية التقييم والمراقبة يمكن تخصيصها وتعديلها وفقًا لاحتياجات وظروف المنظمة الإغاثية والمشاريع المحددة.
أهمية تقييم الأثر
تقييم الأثر (Impact Assessment) يلعب دورًا حيويًا في المنظمات الإغاثية، وذلك للأسباب التالية:
قياس التأثير: يساعد تقييم الأثر في المنظمات الإغاثية على قياس وفهم التأثير الفعلى لبرامجها ومشاريعها، ويساعد في تحديد مدى تحقيق الأهداف والنتائج المرجوة وتقييم فعالية العمل الإغاثي في تحسين حياة المستفيدين وتلبية احتياجاتهم.
تحسين صنع القرار: يوفر تقييم الأثر معلومات قيمة تساعد في اتخإذ قرارات أفضل وأكثر فعالية، و يمكن للتقييم أن يظهر النجاحات والفشل والتحديات والفرص المتاحة، وبالتالي يمكن للمنظمات الإغاثية تحديد الأفضليات وتوجيه الموارد والجهود بشكل أكثر تحقيقًا للتأثير المرجو.
الشفافية والمساءلة: يسهم تقييم الأثر في زيادة شفافية المنظمات الإغاثية ومساءلتها من خلال تقديم تقييم شامل وموثوق، يتمكن الجمهور والشركاء والمتبرعون من فهم كيفية استخدام الموارد وتحقيق التأثير لتعزيز الثقة وتعزيز النقاش والتواصل البناء.
التعلم والتحسين المستمر: يمكن لتقييم الأثر أن يؤدي إلى عملية تعلم مستمرة في المنظمات الإغاثية من خلال تحليل البيانات واستخلاص الدروس المستفادة، يمكن للمنظمات تحسين تصميم وتنفيذ البرامج وتعزيز الكفاءة والفعالية، ويساعد التقييم أيضًا على تحديد الفرص الجديدة والابتكار في المجال الإنساني.
الحساسية للثقافة والسياق: يساعد تقييم الأثر في فهم الثقافة والسياق المحلي للمستفيدين وتوجيه البرامج والمشاريع وفقًا لاحتياجاتهم الفعلية والخاصة، ويساعد في بناء علاقات أفضل مع المجتمعات المستفيدة وتعزيز المشاركة المجتمعية والشراكات المستدامة.
بشكل عام، تقييم الأثر يساهم في تحسين فعالية وكفاءة المنظمات الإغاثية وتحقيق التأثير المرجو في تلبية احتياجات وتحسين حياة المستفيدين.
في الختام
يمكن أن تلعب المنظمات الإغاثية الدولية دورًا حاسمًا في توفير المساعدة والإغاثة للمجتمعات المتضررة، ومع ذلك، يجب أن تواجه هذه المنظمات تحديات تتعلق بتداخل المصالح، سواء كانت سياسية أو اقتصادية لذا يجب أن تلتزم المنظمات الإغاثية بالمبادئ الأساسية للعمل الإنساني والشفافية والإستقلالية، وأن تعمل على تعزيز التواصل والتعاون مع الجهات المحلية المختصة والشركاء لتحقيق أكبر قدر من الفعالية والتأثير الإيجابي في المجتمعات المستهدفة ■