آخر تحديث :الخميس-28 نوفمبر 2024-12:24ص

مجلة جرهم


عندمـا يتعطل الكــلام بين الزوجين

عندمـا يتعطل الكــلام بين الزوجين

الجمعة - 10 مايو 2024 - 03:02 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ سوزان حامد كاتبة واخصائية اجتماعية - مصر

عناصـــر هامـــة
- المدح والتواصل الإيجابي والتعبير عن المشاعر الرقيقة مدعاة لاستقرار الأسرة.
-العلاقات الإنسانية الناجحة تقوم على التسامح واحترام الرأي الآخر والعتاب الهادئ والتفاعل الإيجابي.
- من الأهمية وجود مساحة مشتركة للاتفاق بين الشريكين وحرص كبير على التجديد وتنمية المهارات والهوايات التي تجمعهما وخلق أجواء من المرح والألفة والمودة.
- التباعد العاطفي والنقد اللاذع والتدخل المفرط للأهل والملل والرتابة وتجاهل حل المشكلات تزيد الأمور تعقيدا وخلافا.
-الأزواج السعداء يناقشون نقاط الخلاف بطريقة ودية بعيدة عن النقد والاتهامات ويحرصون على العتاب اللطيف واحتواء الآخر.
إضـــــاءة
قال تعالى : ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾ [ الروم: 21]، وقال :﴿هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها﴾ [الأعراف: 189].
يبين لنا سبحانه وتعالى أن من آياته الدالة على عظمته وقدرته وعنايته بعباده وحكمته وعلمه المحيط؛ أن خلق لأجلكم ومن جنسكم أزواجًا لتطمئن نفوسكم إليها، وتسكن وتأنس، وجعل بين الزوجين المودة والرحمة والتعاطف والألفة والشفقة، وفي خلقه لذلك آيات ودلائل وحجج وبراهين على قدرته سبحانه و وحدانيته لقوم يتفكرون ويتدبرون.
أى أن الهدف أن تعمر البيوت بالمودة والرحمة والألفة لينشأ جيل من الأبناء الأسوياء تربوا على الهدوء والتفاهم والاستقرار الأسري والحياة الهادئة، إلا أنه قد تحدث أحيانا ظروف طارئة على الحياة الزوجية المستقرة كأن يدب الملل والفتور أو أن يتدخل الأهل في شئونهم الخاصة وتفاصيل الحياة بينهما أو أن يمر أحدهما بأزمه نفسية واجتماعية، وقد يواجه أحدهما مشكلات في العمل، ويستفحل الأمر ويزيد جبل الجليد بينهما فيتخذا منهج الصمت الطويل أسلوب حياة فتتعطل لغة التواصل والتفاعل الإيجابي وتسود الكلمات القصيرة المقتضبة والنظرات الحادة والمشاعر السلبية وأساليب الذم والنقد نحو الطرف الآخر.
ويقتصر الكلام على المتطلبات الأساسية والتزامات المنزل ومشكلات الأبناء واحتياجاتهم اليومية، ثم يدخل الزوجان في مرحلة من الصمت الطويل ويتعطل الحوار الهادف، والتواصل البناء، دون الانتباه لما يمكن حدوثه في المستقبل من الانفصال العاطفي والجسدي.
لمــــاذا؟!
فما هي أسباب الصمت المتواصل بين الزوجين، ولماذا تتعطل لغة الكلام، والحوار الهادئ، والتواصل الفعال؟ وهل يعد الصمت الطويل دلالة على وجود مشكلة أعمق بين الزوجين؟ وكيف تتحول حياتهما من الأنس والألفة والمودة إلى تعبيرات لاذعة وكلمات مقتضبة وعبارات جارحة وانتقادات متعددة؟ فأين ذهب شغف الحديث ومتعة الحوار ؟ وكيف للحلول والأفكار المبتكرة وفن إدارة الحوار والتواصل الإيجابي أن تكون وسائل للقضاء على الملل والرتابة والصمت الطويل بين الزوجين؟
هذا ما سنعرفه في السطور التالية:
التواصل الفعال والحوار الإيجابي
يعد الصمت الطويل -أو ما يطلق عليه خبراء الشؤون الزوجية "الخرس الزوجي"- ظاهرة نفسية تنتشر بشكل كبير في بيوتنا مما يهدد استقرار الأسرة و ثباتها ويزيد من تفاقم المشكلات العابرة التي قد تتعرض لها الأسرة ويظهر الصمت الطويل من خلال تجنب الحوار مع الطرف الآخر وتجنب التواجد مع الشريك في نفس المكان أو عدم الرغبة في تبادل الحديث والتواصل معه وفقدان المشاعر الرقيقة معه أو الرد باقتضاب وضيق أو النظر إليه باستهانة وعدم احترام، وقد يمتد الصمت الطويل لسنوات ويعتاده الشريكان ليصبح أحد خطوات الانفصال النفسي والذي يطلق عليه الطلاق العاطفي رغم تواجدهم مع الأبناء في بيت واحد وظهورهما أمام الآخرين كأنهم أسرة مترابطة مستقرة.
ولا يرتبط الصمت الطويل وعدم التواصل العاطفي بعدد سنوات الارتباط إنما يعتمد على السبب المؤدي إليه ومدى وجود مشكلات بينهما، فقد نجد أزواج وزوجات بينهما عشرة طويلة تتجاوز خمس عشرة عاما أو عشرين عاما وبينهما تواصل وتفاعل وكلمات رقيقة ومشاعر جميلة، بينما غيرهم أزواج منذ عشرة أعوام أو أقل وقد احتد الخصام وتعطل الكلام بينهما وأصبح السكوت الدائم والانفصال العاطفي صفة بينهما وألقى بظلاله على الأبناء من الخصام والتشاحن والخلاف.
ومن بين الأسباب المؤدية للصمت الطويل:
انتماء أحد الطرفين لأسرة منفصلة عاطفيا ولديها مشكلات في الحوار والتواصل أو أنها اعتادت على السكوت الدائم بين أفراد الأسرة والانفصال في المشاعر والأحاسيس فيعتاد أفراد هذه الأسرة على الصمت الطويل وعدم التعبير بصورة تلقائية عما يدور في أنفسهم.
وجود خلاف ما بين الزوجين حول قضية ما: بسبب كثرة المشاحنات والمشكلات بينهما دون الوصول إلى حلول عاجلة لدرء تلك الخلافات.
تسلط أحد الطرفين في الحوار وفرض الرأي دون مناقشة مما يجعل الطرف الآخر يشعر باليأس من التواصل مع الطرف المتسلط والمتشبث برأيه، ويدرك أنه لا فائدة من الحوار والمناقشة فيلجأ للصمت الطويل فلا يتبادلان الحديث سوى كلمات مقتضبة.
وجود الروتين الممل وتسرب الفتور والرتابة في العلاقة الزوجية نتيجة عدم التجديد والسفر والخروج في نزهات عائلية أو ممارسة الأنشطة والهوايات المشتركة.
كثرة الضغوط النفسية والمادية والاجتماعية ووجود مشكلات متعددة بين الطرفين وقد يهملان التحدث حولها الوصول إلى حلول مبتكرة لها أو يهملان الذهاب إلى المتخصص بالشئون الأسرية ويرفضان تدخل كبار الأسرة في الصلح بينهما.
عدم وجود اهتمامات مشتركة بين الزوجين وأنشطة وهوايات مفيدة كالرسم والمشي في الهواء الطلق والقراءة و القيام بالأعمال الخيرية والتطوعية.
الاهتمام الزائد بوسائل التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي وتفضيلها على الحوار والتواصل الفعال مع أفراد الأسرة مما يؤدي لمزيد من التباعد والانفصال العاطفي بين الزوجين.
عدم وجود الثقة بين الطرفين التي هي أساس المشاركة واستقرار الأسرة بالإضافة إلى انعدام التقدير والاحترام بينهما.
عدم الولاء للشريك: فقد يفتقد أحد الطرفين القرب النفسي من شريكه نتيجة عوامل مختلفة منها عدم تعوده على التعبير عن مشاعره صراحة، وقد تؤدي الخلافات العائلية و تدخلات الأهل المستمرة في حياة الزوجين إلى عدم الولاء للشريك وافتقاد التواصل والحوار البناء بينهما ..ويزداد الأمر سوءًا أن يلجأ أحدهما إلى شخص آخر أو صديق يتحدث معه ويشاركه أفكاره وآراءه ويتقبله بفشله ونجاحه ويكون عونا له وناصحا أمينا مادحا له على تصرفاته وأحاديثه مما يزيد الهُوّة بين الشريكين.
النقد الدائم وعدم تقبل الأخطاء البسيطة والهفوات من أحد الطرفين لشريكه.
قلة الخبرة بطبيعة الطرف الآخر وبالطرق الصحيحة في التعامل والتفاهم معه، ووجود اضطرابات نفسية أو أخلاقية لدى أحدهما مما يتسبب في وجود مشكلات بينهما وانخفاض التواصل الإيجابي الفعال.
كثرة الأعباء والمهام الملقاة على أحد الطرفين دون اهتمام أو تفهم من الطرف الآخر كأن تنشغل المرأة بأعباء المنزل من ترتيب وتنظيف ورعاية الأبناء ودراستهم وشراء احتياجات البيت بالإضافة إلى عملها الخارجي فتشعر بالإجهاد والغضب لكثرة الأعباء الملقاة عليها مما ينعكس سلبا على علاقتهما .
ومن ناحية أخرى قد يشعر الرجل بالإجهاد والغضب لانغماسه في العمل الشاق والسعي لتوفير حياة كريمة لأسرته وكثرة احتياجاتهم وارتفاع الأسعار والأزمات المالية وقد لا يجد الامتنان والتقدير من الطرف الآخر.
الشفاء بالصمت قليلا
ويرى خبراء الشؤون الزوجية والمتخصصون أن الصمت ليس كله سيئا ولا يعني أن الزوجين لا يحبان بعضهما البعض أو يقدران ويحترمان بعضهما إنما قليل منه يفيد العلاقة ويقويها أحيانا، وهكذا العلاقات الإنسانية الإيجابية تحتاج إلى مساحة من الصمت لإعادة التفكير في مشكلة ما والنظر إلى الأمور بتفكر وإعادة نظر وتأمل، وترتيب الأوراق، ومن الناحية الفسيولوجية والطبية يؤدي الصمت والتفكر بهدوء في أمر ما وخاصة إذا ما تواجد الفرد في بيئة طبيعية رحبة وجميلة وأشجار غناء وسماء صافية إلى الانخفاض في ضغط الدم وضربات القلب وزيادة مناعة الجسم من الأمراض ويقل الشعور بالضيق والقلق، والذين يعانون من حالات اكتئابية يقل لديهم الاكتئاب بنسبه تزيد عن 40%، كذلك الذين تعرضوا لعمليات جراحية تزيد لديهم القدرة على الشفاء من المرض إلى الضعفين، وكيف لا ولدينا في قصص الأنبياء والصالحين عبرة وعظة، ففي قصص السيرة النبوية كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل النبوة والرسالة يذهب وحده إلى الغار -وكان يرى منه الكعبة المشرفة ويتأمل في خلق الله – ويبقى بالأيام والليالي الطويلة يتعبد لله تعالى وكانت زوجته خديجة أم المؤمنين رضى الله عنها تعد له الزاد لهذه الأيام والليالي الطوال، وكذلك سيدنا زكريا عليه السلام عندما بشره الله تعالى باستجابة دعائه- الذي كان يدعو فيه بأن يكون له ولد صالح - وعلامة استجابة الله لدعائه هو الصمت وألا يكلم الناس ثلاث ليال، قال تعالى ( قال رب اجعل لي آيةً قال آياتك ألا تكلم الناس ثلاث ليالٍ سويًا )"، ومريم أم سيدنا عيسى عليهما السلام عندما حملت ابنها الرضيع وذهبت به لقومها لم تكن تدري ما تقوله لهم، وكيف حدثت معجزة خلق سيدنا عيسى عليه السلام وأوحى لها سبحانه وتعالى ألا تتكلم وتصمت قال تعالى: ( إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيًّا).
اختلاف الرأي لا يفسد الود
إن العلاقات الإنسانية علاقات متشابكة ومعقدة تحتاج إلى فهم ووعي واحترام لوجهات النظر المختلفة، فقد نتفق أو نختلف لكننا لا نتصارع ونتنازع وندخل في جدل عميق لا يفيد، إن إدراك وجود مشكلةٍ ما هو أول الطريق للوصول إلى حل لها، ومن الطبيعي أن نختلف فهذه طبيعة بشرية أننا مختلفون ومتنوعون في آرائنا وأفكارنا وتأملاتنا وإبداعاتنا وتخصصاتنا، وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى وإبداعه في الخلق، والتنوع في مخلوقاته.. قال تعالى ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين،إلا ما رحم ربك ولذلك خلقهم ..) .
وكما يقال في العلاقات الإنسانية "إن الخلافات تقوي العلاقة الحقيقية وتنهي العلاقة المزيفة"، فلكل منا رأيه وفكره وأسلوبه في مواجهة المشكلات، وكما نختلف في وجهات النظر كذلك النتائج التي قد تسببها المشكلات تختلف أيضا، وللإمام الشافعي مقولة ذهبية في فقه الخلاف .." رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" ومن هنا فإننا نتعامل برقي ورقة وأدب وخلق عند الاختلاف لنتفادى الصراعات والمشاحنات في حياتنا..فاختلاف الرأي لا يفسد للود قضية وكما تسـتريح تريح الآخرين.
روشــتـة
ويضع خبراء العلاقات الأسرية والاجتماعية روشتة لتجـــاوز مرحلـة الصمـت الطويل والوصول إلى الاستقرار الأسري:
أهمية وجود الدافع القوي لدى الطرفين في حدوث التوافق والتراضي بينهما لاستكمال حياتهما في سعادة مما ينعكس بأثره على الأبناء ومستقبلهم، بالإضافة إلى وجود رغبة حقيقية لديهما في الإصلاح وفتح صفحة جديدة وتجاوز الأخطاء بصدق.
التعرف الكافي على الطرف الآخر في مرحلة الخطوبة قبل الزواج وآرائه في القضايا المصيرية والموضوعات المختلفة كما أن لنا مساحة للاتفاق فلدينا أيضا مساحة للاختلاف، والوعي قبل الزواج بحجم الاتفاق والاختلاف بينهما ومدى مناسبة ذلك أمر هام لاستمرار الحياة بينهما.
تحديد مهام ومسئوليات كل طرف، ومعرفة المهام المشتركة بينهما، والتعبير عن المشكلات الحقيقية بصدق وعرض الحلول المقترحة والمبتكرة لتكون واضحة أمام الشريكين وبطريقة موضوعية واضحة والبعد عن التقليل أو التجريح للآخر واختيار الوقت المناسب للحوار البناء.
مراجعة مزايا الطرف الآخر وتذكر اللحظات الجميلة بينهما من شأنه أن يوثق الروابط ويزيل الخلاف، بالإضافة إلى الامتنان والتقدير والإحترام والمناقشة الهادئة الموضوعية وحسن الظن بينهما.
العتاب الرقيق والاعتذار بلطف عند الخطأ يدل على الشجاعة، فالاعتذار يزيد من قيمة المعتذر وتقديره لدى الطرف الآخر، وتبادل الهدايا مما يمحو الخلاف ويزيل الشقاق بين الطرفين "تهادوا تحابوا"
تجنب الخلاف أمام الأبناء حتى لا تتسبب في عقد نفسية لديهم ومشكلات لا حصر لها في المستقبل.
اختيار الأشخاص المناسبين للتدخل في الإصلاح بينهما ودرء الخلاف والتواصل الإيجابي وحل المشكلات.
البعد عن تضخيم المشكلات وإعطاءها أكبر من حجمها والعكس صحيح، والنظر للأمور بصدق وموضوعية ورؤية واضحة واستشارة أهل الحل والاختصاص ولاينبئك مثل خبير.
خلق مناخات من المودة والألفة من خلال عرض موضوع الخلاف بحيادية وفي الوقت والمكان المناسبين وإظهار التعاطف والتفهم والاحترام لمشاعر الطرف الآخر ■