آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-01:27ص

مجلة جرهم

تزايـد الوجـود الأجنــبي، يضــــاعف المخـاطــر العربيـــة
عسكرة البحر الأحمر ومخاطـر التدويــل

عسكرة البحر الأحمر  ومخاطـر التدويــل

الخميس - 02 مايو 2024 - 12:30 ص بتوقيت عدن

- جرهم - خالد محمود كــاتــب - مصر

وسط لحظة تاريخية فاصلة،تعاني منطقة البحر الأحمر،ما بين مطرقة التأثيرات الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الفلسطيني المحتل ،وسندان التدويل والعسكرة مجددا , بينما مازالت الدول العربية عاجزة عن بلورة نظام أمني موحد للحد من المخاطر والتحديات التي تفرضها هذه الأوضاع الملتهبة.
وتسببت الاضطرابات المتصلة بحركة الملاحة في منطقة البحر الأحمر الاستراتيجية، التي يمرّ عبرها 12% من التجارة العالمية، بمضاعفة كلفة النقل، كما تعتري شركات الشحن الدولية موجة عميقة من التشاؤم حيال المستقبل بسبب اضطرارها للقيام برحلات أطول وأكثر كلفة عبر رأس الرجاء الصالح ما يستغرق وقتا إضافيا وسط تراجع في عدد حاويات الشحن، واضطرت بعض شركات الشحن لإصدار تعليمات للسفن بالإبحار حول جنوب قارة أفريقيا في طريق أطول وأكثر كلفة، مما أثر على طريق الشحن الحيوي للتجارة بين الشرق والغرب.
كما أدت هذه الاضطرابات المتلاحقة، إلى انخفاض حركة الشحن بنسبة 30% هذا العام، وفقا لصندوق النقد الدولي بينما انخفضت حركة عبور السفن في قناة السويس التي تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، بنسبة 37% هذا العام.
مهمة أوروبية
ويسعى الاتحاد الأوروبي لتعزيز تواجده العسكري مجددا عبر إطلاق مهمة في البحر الأحمر ،بحلول منتصف شهر فبراير (شباط) الجاري ،ستحمل اسم "أسبيديس" أي "الحامي" ويتمثل تفويضها في حماية التجارة واعتراض الهجمات.
كما استدعت عودة ظاهرة القرصنة في مياه البحر الأحمر، أكبر انتشار عسكري للهند ،عبر أكثر من 12 سفينة حربية، مابرره وزير خارجييتها ب سوبرامانيام جيشانكار بالقول، إن قدرة الهند المتنامية ومصالحها وسمعتها تستدعي مساعدتها في المواقف الصعبة.
ولدى الولايات المتحدة وفرنسا والصين،بالاضافة إلى فرنسا وإيطاليا، سفن حربية في المنطقة، وتخطط ألمانيا لإرسال فرقاطة حربية إلى مياه البحر الأحمر.
وأثار تصاعد الوضع الأمني، مخاوف جديدة بشأن تداعيات الصر اع على التجارة وتكاليف الشحن، حيث صعوبة التنبؤ بتطورات المشهد الحالي، والصدمة الهائلة لعمليات الشحن، والتجارة الإقليمية، وربما كابلات الإنترنت تحت سطح البحر.
الأهمية التاريخية والاستراتيجية
واحتلت المناطق المطلة على البحر الأحمر أهمية کبرى عالميا وإقليميا، لأهميتها الاستراتيجية، والسياسية، والاقتصادية، ما حفّز الدول الکبرى للسعي لإحکام السيطرة عليه، وإيجاد موطئ قدم فيه.
ويختزل تاريخ البحر الأحمر،تاريخ العلاقات الدولية، التي تقوم منذ القدم، على توازن القوى يبن الدول صاحبة النفوذ.
عرف البحر الأحمر بعدة أسماء من بينها الفرعوني والحبشي، وأدرك الفراعنة قيمته مبكرا حيث خاض أسطول رمسيس الثاني معارك بحرية ضد الأسطول الهندي،قبل أن تتوسع التجارة المصرية في عهد الملكة حتشبسوت لتصل إلى سواحل الصومال وتجوب السفن المصرية مياه البحر الأحمر حاملة المنتجات الإفريقية .
ونظرا لأهمية البحر الأحمر الاستراتيجية، فلقد سعت الدول وخاصة الكبرى منها وعلى مر العصور وإلى اليوم من أجل إيجاد موطئ قدم لها فيه، وفيما حوله وتنوعت وسائلها في تحقيق ذلك ومنها إنشاء قواعد عسكرية.
وعلى هذا فقد ارتبطت أهمية البحر الأحمر قديما، بالتدخل الأجنبي،ومبكرا شغل البحر الأحمر حيّزًا مهمًا من تطلعات الدول الإستعمارية،بما في ذلك محاولات البرتغاليين عام 1513 ولاحقا بريطانيا، ففي العام 1540 استعان ملك الحبشة بالأسطول البرتغال ضد الأمراء المسلمين في السواحل الإريترية حيث سيطر ملك البرتغال عمانويل على سواحل البحر الأحمر .
بمساحة حوالي 438 ألف كيلومتر مربع، وطول يزيد عن ألفي كيلومتر وعرض 300 كيلومتر، يشكل البحر الأحمر أحد أهم الممرات المائية الرئيسية للملاحة والتجارة الدولية، حيث تمر به ما يزيد عن 16 ألف سفينة تجارية وسياحية وعسكرية سنويًا، ويتم الاعتماد عليه في 30 % من إنتاج النفط العالمي.
لهذا كان طبيعيا أن تشكل منطقة البحر الأحمر فضاءات ومجال لاستقطاب القوى الدولية والإقليمية الطامحة على مر العقود التاريخية.
وبسبب كثرة الحروب في محيط البحر الأحمر قديما وحديثا رأت الدول المصنعة للسلاح فرصا لتسويق منتوجها العسكري.
وتفرض الأوضاع الراهنة في منطقة البحر الأحمر جملة من التحديات لحركة التجارة العالمية وسوق النقل البحري فضلا عن تأثيراتها السلبية على قناة السويس في ظل التحديات اللوجيستية والأمنية التي تواجهها السفن التي تلجأ للالتفاف حول طريق رأس الرجاء الصالح فضلا عن التحديات البيئية.
كما تبرز هنا تحذيرات من أن تعرض المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية للدول العربية التي تمتلك شواطئ على البحر الأحمر، خاصة السعودية التي أطلقت مشاريع عملاقة مشاريع استراتيجية مطلة، من بينها مدينة نيوم، ومصر التي يؤثر مايجري في مضيق باب المندب والبحر الأحمر على إيراداتها من العملة الصعبة عبر ممر قناة السويس، كما ستطال التداعيات المناطق العربية المطلة على مدينة إيلات الإسرائيلية، لا سيما مدينة العقبة الأردنية ومينائها والمدن المصرية، باعتبارها واجهات حضارية وسياحية مهمة .
ومؤخرا، أصبح أمن البحر الأحمر من ركائز السياسات السعودية المدفوعةً بطموحاتها الجيوستراتيجية وخططها الهادفة لتنويع اقتصادها النفطي، وتعزيز تواجدها الأمني حيث يُعَد الاستقرار في منطقة البحر الأحمر أمرا بالغ الأهمية لعدد كبير من مشاريع "رؤية 2030" في اطار التحديات طالما أن البحر الأحمر لا يزال نقطة تفجّر عسكرية.
وتحتاج السعودية إلى الاستقرار الإقليمي، والأمن البحري، ومجموعة واسعة من التحالفات لتحقيق أهدافها الاقتصادية، وكلّها تواجه تحديات طالما أن البحر الأحمر لا يزال نقطة تفجّر عسكرية.
وخوفا من توسع نطاق الحرب في غزة، وتصاعد المخاوف بشأن تأثيرها على تدفُّق النفط والحبوب والسلع الاستهلاكية عبر قناة السويس، أطلقت الولايات المتحدة عملية "حارس الازدهار" في يوم 19 ديسمبر، كمبادرة أمنية متعددة الجنسيات، تضم 10 دول؛ تحت عنوان تهدئة الوضع وحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
الطرح الأمريكي
وأعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن تشكيل تحالف متعدد الجنسيات لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر يسمى "عملية حارس الازدهار" على الرغم من مشاركة قوات بحرية من عدة دول في العمليات الدولية لحماية ممرات الشحن في المنطقة وتتضمن حماية السفن من القراصنة الذين عطلوا الشحن قبالة سواحل الصومال عدة سنوات في عمليتي أتلانتا أجينور التابعتين للقوة البحرية بالاتحاد الأوروبي بينما تتولى الولايات المتحدة قيادة القوات البحرية المشتركة هي شراكة بحرية متعددة الجنسيات تتولى قيادتها من البحرين التي بها مقر الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية.
وتضم هذه القوات 39 عضوا، تتضمن دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي وأوروبية وإحدى مهامها هي فرقة العمل المشتركة 153 التي تعمل في البحر الأحمر.
الطرح الأمريكي لإنشاء قوة عمل بحرية لحماية البحر الأحمر، مرتبط بالرغبة الأمريكية في الحفاظ على أمن إسرائيل، ما جعل بعض الدول العربية مترددة في الاستجابة لهذا المقترح.
وبمصطلحات كرة السلة، سعت الولايات المتحدة لتنظيم دفاع جماعي عن المنطقة بدلا من اللعب الفردي واحدًا لواحد في تأكيد لاعتبارها البحر الأحمر، ممرًا مائيًا ذو أهمية إستراتيجية كبيرة .
قلق عربي وخليجي
وفي تعبير عن القلق العربي وخاصة الخليجي، تجاه هذه التطورات عبر جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عن بالغ القلق بشان التطورات والأحداث الجارية في منطقة البحر الأحمر والعمليات العسكرية التي تعرضت لها عدد من المواقع اليمنية .
كما تنظر القاهرة، بعين القلق إلى المشروع الأمريكي،حيث رفضت فكرة المشاركة في التحالف، الذي تقوده واشنطن، على اعتبار أنه سيسمح بتواجد عسكري أجنبي.
وثمة من يرى أن تحالف "حارس الازدهار" محاولة لإثبات الوجود الأمريكي، واستجابةً لضغوط الحليف الإسرائيلي،الذي يرى ضرورة القيام بتحركات عسكرية لتحقيق الردع المطلوب.
لهذا يوصي البعض بالعمل على إنشاء مركز لأمن البحر الأحمر ووجود إستراتيجية بحرية، تعمل في وقت السلم والحرب، وكذلك التفاهم على المصالح إلاقليمية والدولية.
يعتقد د. أحمد سيد إن تأمين الملاحة في البحر الأحمر لا يتطلب صيغا أمنية بحرية جديدة، وإنما يتطلب أولا تفعيل الصيغ الأمنية السابقة بالمشاركة مع دول المنطقة المتشاطئة للبحر الأحمر، وهي قادرة على حماية وتأمين الملاحة في ذلك الممر الحيوي.
ومن البديهي أن يؤثر تزايد القواعد الأجنبية في البحر الأحمر، على التوازن الإقليمي بين الدول العربية، كما أن التطورات المتصاعدة تدفع في اتجاه إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط هذا الإقليم، ما يجذب الفاعلين عن فرص لتدعيم مصالحهم.
وخلصت دراسة بحثية إلى أن عسكرة البحر الأحمر وخليج عدن، بمثابة فرصة ثمينة أهداها الحوثيون وإيران للولايات المتحدة والقوى الدولية، التي تدور في فلكها، وعلى رأسها إسرائيل، وتتجاوز في تأثيراتها أمن وسيادة ومصالح دول المنطقة.
ويعتقد أن تشكيل أمريكا قوة بحرية أو تحالف بحري جديد يتجاوز هدف مواجهة تهديدات الحوثي في اليمن ضد السفن التجارية والملاحة البحرية، حيث لا تحتاج تلك التهديدات إلى ذلك الحشد العسكري الضخم، وإنما تستهدف بالأساس عسكرة البحر الأحمر وزيادة الوجود العسكري الأمريكي والغربي في البحر الأحمر في ظل حالة الاستقطاب الدولي بين القوى الكبرى، المتنافسة على الوجود العسكري في البحر الأحمر.
وعلى مدى عقود جرى الاخفاق في إقامة نظام أمني إقليمي، لحفظ الأمن في البحر الأحمر وخليج عدن بسبب انعدام التوافق حول مفهوم الخطر، الذي يهدد أمن المجرى الملاحي، وسيطرة مفهوم الأمن القطري على التعاون والمصالح المشتركة الجماعية.
وفي عام 2017 دشنت مصر مبادرة لتشكيل تحالف عربي وإفريقي للبحر الأحمر،على الرغم من تأكيد وزير الخارجية المصري سامح شكري أن محاولات تنظيم شؤون البحر الأحمر ومواجهة التحديات حوله لم ترقَ بعد إلى مستوى التنسيق المطلوب،إذ تعاني دول المنطقة من ضعف القدرات العسكرية، والتي تتمثل في محدودية الأساطيل البحرية، وعدم وجود تعاون بيني حقيقي بين هذه الدول، بالإضافة إلى أن معظم دول المنطقة تعتمد على المعونات العسكرية والاقتصادية الخارجية.
ومع مخاوف من سيناريو الحرب بالوكالة، واحتدام المنافسة الدولية على منطقة البحر الأحمر والخليج العربي تدخل المنطقة إلى بؤرة الضوء مجددا، ما يزيد من احتمالية اتساع رقعة الصراع، ودخول أطراف إقليمية ودولية.
وفقا لتقديرات أمنية فان نهوض الدول العربية لمواجهة التحديات التي تواجهها، يستدعي توحيد الصفوف تحت زعامة سعودية مصرية إماراتية.
وتبرز جملة من المخاوف العربية، أبرزها تردد الموقف الأمريكي والانعكاسات السلبية المحتملة على المعادلة الجيوسياسية قيد التشكيل في المنطقة بعد تزايد الأعمال الوحشية لجيش الإحتلال الإسرائيلي في مواجهة سكان غزة.
ويمثل أمن المنطقة وأمن البحر الأحمر مسألة متشابكة ومعقدة لتداخل عدد كبير من الفاعلين في عدة مجالات،كما أن عسكرة البحر الأحمر تكشف عن ما يمكن وصفه بحرب الموانئ والممرات، في المياه الإقليمية، ما يمثل تهديدًا محتملًا للدول العربية المطلّة على البحر الأحمر، ومحاولة جرّها إلى صراعات إقليمية.
عودة القرصنة وملء الفراغ
وأدى تحويل قوات بحرية دولية شمالًا من خليج عدن إلى البحر الأحمر، إلى عودة ظاهرة القرصنة في البحر الأحمر مجددا وتصاعد المخاوف من استغلال القراصنة للفراغ الناجم عن هذا التحرك.
وتراجعت مؤخرا الهجمات التي يشنّها القراصنة الصوماليون المسلّحون بعدما بلغت ذروتها عام 2011، حينما شنّوا القراصنة هجمات على مسافة تصل إلى 3655 كيلومترًا من الساحل الصومالي في المحيط الهندي.
وبحسب مركز دولي، فان التوتر تجدد العام الماضي في البحر الأحمر والمحيط الهندي،بعدما استقرت أعمال القرصنة عند مستوى منخفض تاريخيا في جميع أنحاء العالم، خلال العام الماضي.
وعلى سبيل المثال،تحول احتجاز سفينة "غالاكسي ليدر" منذ أكثر من شهرين لارتباطها برجل أعمال إسرائيلي قبالة سواحل الحُديدة في غرب اليمن، إلى مزار سياحي ورحلة تستغرق عشر دقائق مقابل 500 ريال يمني لكل زائر، أي ما يعادل وجبة غداء لفرد واحد.
ربما تفرض هذه التحولات المتسارعة، ضرورة تطوير مقاربة عربية تتبنى المصالح العربية للحفاظ على الهوية العربية لمنطقة البحر الأحمر؛ في مواجهة مشروعات التدويل، وخاصة مشروع إسرائيل، لكسر عزلتها والحصول على اعتراف بوضعها هناك.
وإذا كان صحيحا القول بأن أمن البحر الأحمر لا تُحقِّقه دلافين السلام بقدر ما تصونه قروش الحرب،فثمة مخاوف حقيقية من أن تتحول حالـة التأهـب المتمثلـة في تزايد القواعد العسكرية في المنطقـة، إلى صـراع إقليمـي، ثم إلى صـراع دولي، وهو ماقد يشكل تهديدا للنفط والتجارة الاقتصادية.
والحقيقة المؤكدة هنا، هو أنه بعد مرور أكثر من نصف قرن على حرب أكتوبر (تشرين أول) عام 1973،تسعى إسرائيل والولايات المتحدة، لضمان عدم تكرار حصار الدولة العبرية في البحر الأحمر، بغض النظر عن مدة الصراع ونطاق التصعيد ■وسط لحظة تاريخية فاصلة،تعاني منطقة البحر الأحمر،ما بين مطرقة التأثيرات الناجمة عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الفلسطيني المحتل ،وسندان التدويل والعسكرة مجددا , بينما مازالت الدول العربية عاجزة عن بلورة نظام أمني موحد للحد من المخاطر والتحديات التي تفرضها هذه الأوضاع الملتهبة.
وتسببت الاضطرابات المتصلة بحركة الملاحة في منطقة البحر الأحمر الاستراتيجية، التي يمرّ عبرها 12% من التجارة العالمية، بمضاعفة كلفة النقل، كما تعتري شركات الشحن الدولية موجة عميقة من التشاؤم حيال المستقبل بسبب اضطرارها للقيام برحلات أطول وأكثر كلفة عبر رأس الرجاء الصالح ما يستغرق وقتا إضافيا وسط تراجع في عدد حاويات الشحن، واضطرت بعض شركات الشحن لإصدار تعليمات للسفن بالإبحار حول جنوب قارة أفريقيا في طريق أطول وأكثر كلفة، مما أثر على طريق الشحن الحيوي للتجارة بين الشرق والغرب.
كما أدت هذه الاضطرابات المتلاحقة، إلى انخفاض حركة الشحن بنسبة 30% هذا العام، وفقا لصندوق النقد الدولي بينما انخفضت حركة عبور السفن في قناة السويس التي تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط، بنسبة 37% هذا العام.
مهمة أوروبية
ويسعى الاتحاد الأوروبي لتعزيز تواجده العسكري مجددا عبر إطلاق مهمة في البحر الأحمر ،بحلول منتصف شهر فبراير (شباط) الجاري ،ستحمل اسم "أسبيديس" أي "الحامي" ويتمثل تفويضها في حماية التجارة واعتراض الهجمات.
كما استدعت عودة ظاهرة القرصنة في مياه البحر الأحمر، أكبر انتشار عسكري للهند ،عبر أكثر من 12 سفينة حربية، مابرره وزير خارجييتها ب سوبرامانيام جيشانكار بالقول، إن قدرة الهند المتنامية ومصالحها وسمعتها تستدعي مساعدتها في المواقف الصعبة.
ولدى الولايات المتحدة وفرنسا والصين،بالاضافة إلى فرنسا وإيطاليا، سفن حربية في المنطقة، وتخطط ألمانيا لإرسال فرقاطة حربية إلى مياه البحر الأحمر.
وأثار تصاعد الوضع الأمني، مخاوف جديدة بشأن تداعيات الصر اع على التجارة وتكاليف الشحن، حيث صعوبة التنبؤ بتطورات المشهد الحالي، والصدمة الهائلة لعمليات الشحن، والتجارة الإقليمية، وربما كابلات الإنترنت تحت سطح البحر.
الأهمية التاريخية والاستراتيجية
واحتلت المناطق المطلة على البحر الأحمر أهمية کبرى عالميا وإقليميا، لأهميتها الاستراتيجية، والسياسية، والاقتصادية، ما حفّز الدول الکبرى للسعي لإحکام السيطرة عليه، وإيجاد موطئ قدم فيه.
ويختزل تاريخ البحر الأحمر،تاريخ العلاقات الدولية، التي تقوم منذ القدم، على توازن القوى يبن الدول صاحبة النفوذ.
عرف البحر الأحمر بعدة أسماء من بينها الفرعوني والحبشي، وأدرك الفراعنة قيمته مبكرا حيث خاض أسطول رمسيس الثاني معارك بحرية ضد الأسطول الهندي،قبل أن تتوسع التجارة المصرية في عهد الملكة حتشبسوت لتصل إلى سواحل الصومال وتجوب السفن المصرية مياه البحر الأحمر حاملة المنتجات الإفريقية .
ونظرا لأهمية البحر الأحمر الاستراتيجية، فلقد سعت الدول وخاصة الكبرى منها وعلى مر العصور وإلى اليوم من أجل إيجاد موطئ قدم لها فيه، وفيما حوله وتنوعت وسائلها في تحقيق ذلك ومنها إنشاء قواعد عسكرية.
وعلى هذا فقد ارتبطت أهمية البحر الأحمر قديما، بالتدخل الأجنبي،ومبكرا شغل البحر الأحمر حيّزًا مهمًا من تطلعات الدول الإستعمارية،بما في ذلك محاولات البرتغاليين عام 1513 ولاحقا بريطانيا، ففي العام 1540 استعان ملك الحبشة بالأسطول البرتغال ضد الأمراء المسلمين في السواحل الإريترية حيث سيطر ملك البرتغال عمانويل على سواحل البحر الأحمر .
بمساحة حوالي 438 ألف كيلومتر مربع، وطول يزيد عن ألفي كيلومتر وعرض 300 كيلومتر، يشكل البحر الأحمر أحد أهم الممرات المائية الرئيسية للملاحة والتجارة الدولية، حيث تمر به ما يزيد عن 16 ألف سفينة تجارية وسياحية وعسكرية سنويًا، ويتم الاعتماد عليه في 30 % من إنتاج النفط العالمي.
لهذا كان طبيعيا أن تشكل منطقة البحر الأحمر فضاءات ومجال لاستقطاب القوى الدولية والإقليمية الطامحة على مر العقود التاريخية.
وبسبب كثرة الحروب في محيط البحر الأحمر قديما وحديثا رأت الدول المصنعة للسلاح فرصا لتسويق منتوجها العسكري.
وتفرض الأوضاع الراهنة في منطقة البحر الأحمر جملة من التحديات لحركة التجارة العالمية وسوق النقل البحري فضلا عن تأثيراتها السلبية على قناة السويس في ظل التحديات اللوجيستية والأمنية التي تواجهها السفن التي تلجأ للالتفاف حول طريق رأس الرجاء الصالح فضلا عن التحديات البيئية.
كما تبرز هنا تحذيرات من أن تعرض المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية للدول العربية التي تمتلك شواطئ على البحر الأحمر، خاصة السعودية التي أطلقت مشاريع عملاقة مشاريع استراتيجية مطلة، من بينها مدينة نيوم، ومصر التي يؤثر مايجري في مضيق باب المندب والبحر الأحمر على إيراداتها من العملة الصعبة عبر ممر قناة السويس، كما ستطال التداعيات المناطق العربية المطلة على مدينة إيلات الإسرائيلية، لا سيما مدينة العقبة الأردنية ومينائها والمدن المصرية، باعتبارها واجهات حضارية وسياحية مهمة .
ومؤخرا، أصبح أمن البحر الأحمر من ركائز السياسات السعودية المدفوعةً بطموحاتها الجيوستراتيجية وخططها الهادفة لتنويع اقتصادها النفطي، وتعزيز تواجدها الأمني حيث يُعَد الاستقرار في منطقة البحر الأحمر أمرا بالغ الأهمية لعدد كبير من مشاريع "رؤية 2030" في اطار التحديات طالما أن البحر الأحمر لا يزال نقطة تفجّر عسكرية.
وتحتاج السعودية إلى الاستقرار الإقليمي، والأمن البحري، ومجموعة واسعة من التحالفات لتحقيق أهدافها الاقتصادية، وكلّها تواجه تحديات طالما أن البحر الأحمر لا يزال نقطة تفجّر عسكرية.
وخوفا من توسع نطاق الحرب في غزة، وتصاعد المخاوف بشأن تأثيرها على تدفُّق النفط والحبوب والسلع الاستهلاكية عبر قناة السويس، أطلقت الولايات المتحدة عملية "حارس الازدهار" في يوم 19 ديسمبر، كمبادرة أمنية متعددة الجنسيات، تضم 10 دول؛ تحت عنوان تهدئة الوضع وحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر.
الطرح الأمريكي
وأعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن تشكيل تحالف متعدد الجنسيات لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر يسمى "عملية حارس الازدهار" على الرغم من مشاركة قوات بحرية من عدة دول في العمليات الدولية لحماية ممرات الشحن في المنطقة وتتضمن حماية السفن من القراصنة الذين عطلوا الشحن قبالة سواحل الصومال عدة سنوات في عمليتي أتلانتا أجينور التابعتين للقوة البحرية بالاتحاد الأوروبي بينما تتولى الولايات المتحدة قيادة القوات البحرية المشتركة هي شراكة بحرية متعددة الجنسيات تتولى قيادتها من البحرين التي بها مقر الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية.
وتضم هذه القوات 39 عضوا، تتضمن دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي وأوروبية وإحدى مهامها هي فرقة العمل المشتركة 153 التي تعمل في البحر الأحمر.
الطرح الأمريكي لإنشاء قوة عمل بحرية لحماية البحر الأحمر، مرتبط بالرغبة الأمريكية في الحفاظ على أمن إسرائيل، ما جعل بعض الدول العربية مترددة في الاستجابة لهذا المقترح.
وبمصطلحات كرة السلة، سعت الولايات المتحدة لتنظيم دفاع جماعي عن المنطقة بدلا من اللعب الفردي واحدًا لواحد في تأكيد لاعتبارها البحر الأحمر، ممرًا مائيًا ذو أهمية إستراتيجية كبيرة .
قلق عربي وخليجي
وفي تعبير عن القلق العربي وخاصة الخليجي، تجاه هذه التطورات عبر جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عن بالغ القلق بشان التطورات والأحداث الجارية في منطقة البحر الأحمر والعمليات العسكرية التي تعرضت لها عدد من المواقع اليمنية .
كما تنظر القاهرة، بعين القلق إلى المشروع الأمريكي،حيث رفضت فكرة المشاركة في التحالف، الذي تقوده واشنطن، على اعتبار أنه سيسمح بتواجد عسكري أجنبي.
وثمة من يرى أن تحالف "حارس الازدهار" محاولة لإثبات الوجود الأمريكي، واستجابةً لضغوط الحليف الإسرائيلي،الذي يرى ضرورة القيام بتحركات عسكرية لتحقيق الردع المطلوب.
لهذا يوصي البعض بالعمل على إنشاء مركز لأمن البحر الأحمر ووجود إستراتيجية بحرية، تعمل في وقت السلم والحرب، وكذلك التفاهم على المصالح إلاقليمية والدولية.
يعتقد د. أحمد سيد إن تأمين الملاحة في البحر الأحمر لا يتطلب صيغا أمنية بحرية جديدة، وإنما يتطلب أولا تفعيل الصيغ الأمنية السابقة بالمشاركة مع دول المنطقة المتشاطئة للبحر الأحمر، وهي قادرة على حماية وتأمين الملاحة في ذلك الممر الحيوي.
ومن البديهي أن يؤثر تزايد القواعد الأجنبية في البحر الأحمر، على التوازن الإقليمي بين الدول العربية، كما أن التطورات المتصاعدة تدفع في اتجاه إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط هذا الإقليم، ما يجذب الفاعلين عن فرص لتدعيم مصالحهم.
وخلصت دراسة بحثية إلى أن عسكرة البحر الأحمر وخليج عدن، بمثابة فرصة ثمينة أهداها الحوثيون وإيران للولايات المتحدة والقوى الدولية، التي تدور في فلكها، وعلى رأسها إسرائيل، وتتجاوز في تأثيراتها أمن وسيادة ومصالح دول المنطقة.
ويعتقد أن تشكيل أمريكا قوة بحرية أو تحالف بحري جديد يتجاوز هدف مواجهة تهديدات الحوثي في اليمن ضد السفن التجارية والملاحة البحرية، حيث لا تحتاج تلك التهديدات إلى ذلك الحشد العسكري الضخم، وإنما تستهدف بالأساس عسكرة البحر الأحمر وزيادة الوجود العسكري الأمريكي والغربي في البحر الأحمر في ظل حالة الاستقطاب الدولي بين القوى الكبرى، المتنافسة على الوجود العسكري في البحر الأحمر.
وعلى مدى عقود جرى الاخفاق في إقامة نظام أمني إقليمي، لحفظ الأمن في البحر الأحمر وخليج عدن بسبب انعدام التوافق حول مفهوم الخطر، الذي يهدد أمن المجرى الملاحي، وسيطرة مفهوم الأمن القطري على التعاون والمصالح المشتركة الجماعية.
وفي عام 2017 دشنت مصر مبادرة لتشكيل تحالف عربي وإفريقي للبحر الأحمر،على الرغم من تأكيد وزير الخارجية المصري سامح شكري أن محاولات تنظيم شؤون البحر الأحمر ومواجهة التحديات حوله لم ترقَ بعد إلى مستوى التنسيق المطلوب،إذ تعاني دول المنطقة من ضعف القدرات العسكرية، والتي تتمثل في محدودية الأساطيل البحرية، وعدم وجود تعاون بيني حقيقي بين هذه الدول، بالإضافة إلى أن معظم دول المنطقة تعتمد على المعونات العسكرية والاقتصادية الخارجية.
ومع مخاوف من سيناريو الحرب بالوكالة، واحتدام المنافسة الدولية على منطقة البحر الأحمر والخليج العربي تدخل المنطقة إلى بؤرة الضوء مجددا، ما يزيد من احتمالية اتساع رقعة الصراع، ودخول أطراف إقليمية ودولية.
وفقا لتقديرات أمنية فان نهوض الدول العربية لمواجهة التحديات التي تواجهها، يستدعي توحيد الصفوف تحت زعامة سعودية مصرية إماراتية.
وتبرز جملة من المخاوف العربية، أبرزها تردد الموقف الأمريكي والانعكاسات السلبية المحتملة على المعادلة الجيوسياسية قيد التشكيل في المنطقة بعد تزايد الأعمال الوحشية لجيش الإحتلال الإسرائيلي في مواجهة سكان غزة.
ويمثل أمن المنطقة وأمن البحر الأحمر مسألة متشابكة ومعقدة لتداخل عدد كبير من الفاعلين في عدة مجالات،كما أن عسكرة البحر الأحمر تكشف عن ما يمكن وصفه بحرب الموانئ والممرات، في المياه الإقليمية، ما يمثل تهديدًا محتملًا للدول العربية المطلّة على البحر الأحمر، ومحاولة جرّها إلى صراعات إقليمية.
عودة القرصنة وملء الفراغ
وأدى تحويل قوات بحرية دولية شمالًا من خليج عدن إلى البحر الأحمر، إلى عودة ظاهرة القرصنة في البحر الأحمر مجددا وتصاعد المخاوف من استغلال القراصنة للفراغ الناجم عن هذا التحرك.
وتراجعت مؤخرا الهجمات التي يشنّها القراصنة الصوماليون المسلّحون بعدما بلغت ذروتها عام 2011، حينما شنّوا القراصنة هجمات على مسافة تصل إلى 3655 كيلومترًا من الساحل الصومالي في المحيط الهندي.
وبحسب مركز دولي، فان التوتر تجدد العام الماضي في البحر الأحمر والمحيط الهندي،بعدما استقرت أعمال القرصنة عند مستوى منخفض تاريخيا في جميع أنحاء العالم، خلال العام الماضي.
وعلى سبيل المثال،تحول احتجاز سفينة "غالاكسي ليدر" منذ أكثر من شهرين لارتباطها برجل أعمال إسرائيلي قبالة سواحل الحُديدة في غرب اليمن، إلى مزار سياحي ورحلة تستغرق عشر دقائق مقابل 500 ريال يمني لكل زائر، أي ما يعادل وجبة غداء لفرد واحد.
ربما تفرض هذه التحولات المتسارعة، ضرورة تطوير مقاربة عربية تتبنى المصالح العربية للحفاظ على الهوية العربية لمنطقة البحر الأحمر؛ في مواجهة مشروعات التدويل، وخاصة مشروع إسرائيل، لكسر عزلتها والحصول على اعتراف بوضعها هناك.
وإذا كان صحيحا القول بأن أمن البحر الأحمر لا تُحقِّقه دلافين السلام بقدر ما تصونه قروش الحرب،فثمة مخاوف حقيقية من أن تتحول حالـة التأهـب المتمثلـة في تزايد القواعد العسكرية في المنطقـة، إلى صـراع إقليمـي، ثم إلى صـراع دولي، وهو ماقد يشكل تهديدا للنفط والتجارة الاقتصادية.
والحقيقة المؤكدة هنا، هو أنه بعد مرور أكثر من نصف قرن على حرب أكتوبر (تشرين أول) عام 1973،تسعى إسرائيل والولايات المتحدة، لضمان عدم تكرار حصار الدولة العبرية في البحر الأحمر، بغض النظر عن مدة الصراع ونطاق التصعيد ■