آخر تحديث :الخميس-24 أبريل 2025-12:45ص

مجلة جرهم


القاعـــــــدة وأخواتهــــا.. سياق الأيديولوجيا وسباق المشاريع

القاعـــــــدة وأخواتهــــا.. سياق الأيديولوجيا وسباق المشاريع

الخميس - 24 أبريل 2025 - 12:45 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ خاص

منذ أحداث عام 2001م التي تبنت فيها القاعدة الهجوم على أبراج التجارة العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية، وما بعدها بعشرة أعوام، عقب اندلاع أحداث 2011م أو ما أطلق عليها بـ"الربيع العربي"، شهدت المنطقة العربية العديد من الأحداث والتغيرات الكبرى طالت الأنظمة السياسية والمجتمعات والعلاقات الإقليمية والدولية، وكان ولا يزال لها تأثيرٌ كبير على كافة التيارات والجماعات الدينية؛ السنّية والشيعية منها، وخاصة تنظيم القاعدة، وجماعة الانقلاب الحوثي في اليمن، وجماعة الإخوان المسلمين، وتنظيم داعش.
في إطار هذا البحث المختصر سنتطرق إلى العديد من الجوانب المتعلقة بالفكرة والنشأة لهذه الجماعات وتأقلم وسياقات الأيديولوجيات المختلفة فيما بينها، وبالتالي سباق المشاريع وتأثيراتها على استقرار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط من عدمه.
عولمة الفكرة
نشأ تنظيم قاعدة الجهاد الذي اشتهر بتنظيم القاعدة خلال عامي 1988 و1989، على يد أسامة بن لادن، كخطوة إدارية(1) نحو تنظيم التواجد الكبير للمقاتلين العرب في أفغانستان وباكستان، المعروفين بالأفغان العرب، إبان التصدي للوجود السوفيتي في أفغانستان (1979 - 1989). استغرق التنظيم أعوامًا لتكوين أيديولوجية جهادية مستقلة، عن الحركات الجهادية الأسبق، خاصة في مصر، والتي تبنت أولوية استهداف العدو القريب، المتمثّل في الأنظمة الحاكمة.
بعد انسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان، حين ثم تفكُكهُ عام 1991، شهدت المنطقة العربية والبلدان الإسلامية العديد من الأحداث التي حضر فيها الأفغان العرب. من بين هذه الأحداث، الغزو العراقي للكويت عام 1990، وحرب البوسنة بين عامي 1992 إلى 1995، والحرب الأهلية في طاجيكستان، والحرب في الشيشان، والحرب الأهلية في الجزائر. كان بن لادن واحدًا من أبرز الشخصيات والكيانات التي انبثقت عن ظاهرة الأفغان العرب، الذين اضطروا للخروج من باكستان والتوزع على العديد من البلدان، سواء أكانت موطنهم الأصلي، أم بلدان جديدة، قـام العـديــــــــد منهم بإنشاء حركات مسلحة تستهدف إسقاط الأنظمة الحاكمة، فـي دول مصر والسعودية والجزائر وليبيا، وانضم بعضهم إلى جبهات قتال جــديـدة مثل الصومال واليمن والبوسنة والشيشان(2).
بالتوازي مع هذا، كان استدعاء القوات الأمريكية والغربية إلى السعودية للمشاركة في طرد العراق من الكويت فارقًا في التطور الفكري لبن لادن، الذي تحول خلال الأعوام التالية إلى عداء الدولة السعودية. وبحلول عام 1994 سيطرت حركة طالبان على معظم أفغانستان، واستقبلت بن لادن عام 1996 بعد خروجه من السودان. لم يكن تنظيم القاعدة الأسبق والأقدم بين الحركات الإسلامية، حيث تعود بدايات هذه الجماعات إلى حقبة السبعينيات في مصر، على يد جماعة صالح سرية، ثم شهدت حقبة الثمانينيات والتسعينيات نشاط جهادي غير مركزي في العديد من الدول العربية والإسلامية، وجمع بينها الاشتراك في المصادر المؤسسة للأيديولوجيا الجهادية، التي تفرقت بين أولوية قتال الحكام العرب، وأولوية استهداف الولايات المتحدة.
انهزمت تلك الحركات التي اصطدمت بالأنظمة الحاكمة في البلاد العربية خلال حقبة التسعينيات، ووجدت لدى حركة طالبان ملاذًا، وفي هذا الوقت كان بن لادن قد طور أيديولوجيته، والتي صاغها في بيان بعنوان "إعلان الجهاد على الأمريكان المحتلين لبلاد الحرمين" عام 1996. تنامى دور بن لادن، الذي دفع نحو تجميع كافة الجماعات الجهادية التي لجأت لأفغانستان بحثًا عن ملاذٍ أمن بعد هزيمة مشروعاتها، وأسس في عام 1998 مع العديد من هذه الجماعات ما سمي "الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين". استهدفت الجبهة الجديدة سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998، واستهدفت خلايا التنظيم في اليمن المدمرة الأمريكية "كول" في خليج عدن عام 2000، ثم توجت الجبهة تطبيق أيديولوجيتها من خلال عملية 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
تأقلم الأيديولوجيا
سبقت الأيديولوجيا الجهادية تأسيس تنظيم القاعدة بعقود، وتعود بداياتها إلى حقبة الصدام بين جماعة الإخوان المسلمين في مصر والنظام الناصري، مع أفكار سيد قطب عن الحاكمية والجاهلية، وما تبعها من حركات كفرت المجتمع بالكلية، مثل جماعة "التكفير والهجرة" في مصر. نشأت في هذه الحقبة في مصر جماعات إسلامية تبنت العنف ضد النظام الحاكم، مثل مجموعة صالح سرية وجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، وفي الحقبة نفسها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ظهرت جماعة "الطليعة المقاتلة" في سوريا، وتكونت مجموعات أخرى في الجزائر والمغرب والسعودية.
سبقت ما سميت بالحركة الجهادية في مصر نظيراتها في البلاد العربية، وأثرت فيها على المستويات الفكرية والعملياتية. من خلال هذا، فإن تلك الأيديولوجيا تبنت مبدأ استهداف الأنظمة الحاكمة في بداياتها، لكنها أخفقت حتى وجدت في القتال ضد السوفييت مخرجًا. في هذه المرحلة، ظهرت أيديولوجيا جهادية مع عبد الله عزام وأسامة بن لادن وغيرهم، تضع "الجهاد التضامني" كأولوية، كما حدث في أفغانستان والبوسنة والشيشان وطاجيكستان، ثم تطورت فكرة الجهاد التضامني على يد بن لادن إلى فكرة الجهاد العالمي ضد الولايات المتحدة والغرب.
بالتوازي مع هذا، أنشأ المقاتلون العرب في أفغانستان بعد عودتهم بدايةً من عام 1992 جماعات مسلحة، تابعت أفكار الجماعات المصرية في استهداف الأنظمة الحاكمة، باعتبارها العدو، ومنها؛ جماعتي الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر، والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، والجماعة الليبية المقاتلة في ليبيا. أخفقت مشاريع إسقاط الأنظمة العربية، وفرت قيادات وأفراد من هذه الجماعات إلى أفغانستان ثانيةً بداية من عام 1996، وشكل قادة العديد من هذه الجماعات مع بن لادن ما سمي حينها بالجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين عام 1998، لتسود بهذه أيديولوجيا أخرى تعرض في سياق أهدافها أنها تستهدف الولايات المتحدة والغرب في المقام الأول.
الاستثمار في الفوضى
كانت عملية 11 سبتمبر 2001 التي استهدفت الولايات المتحدة ذروة التعبير عن إستراتيجية تنظيم القاعدة، الذي بات بحلول ذلك الوقت الكيان العالمي الذي استوعب معظم الجماعات الجهادية في العالم الإسلامي، والذي سيكون قبلةً لكل جماعةٍ تتبنى نفس الأيديولوجيا، على غرار حركة الشباب المجاهدين في الصومال، التي تأسست عام 2006، وبايعت التنظيم عام 2012.
أنتجت أحداث 11 سبتمبر وضعًا مغايرًا، مع إعلان الحرب العالمية على الإرهاب، وغزو أفغانستان ثم العراق في 2003، ما فتح مساحات واسعة لتوسع تنظيم القاعدة في العراق وتحولًا في أيديولوجيته وأفكاره بشكل خاص، حيث ظهر وضع جديد جمع بين العدو الأكبر للتنظيم، الولايات المتحدة، والنظام الحاكم الذي هيمنت عليه مكونات سياسية شيعية.
ظل تنظيم القاعدة الأب الروحي لجميع الجماعات الجهادية -التي صنفت بالإرهاب العالمي- في العالم الإسلامي، حتى إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا الاستقلال عن القاعدة وإعلانه ما عُرف باسم دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام، والتي اشتهرت بـ"داعش" في 2014، بعد سيطرة التنظيم على مساحات واسعة في شمال العراق، بما فيها مدينة الموصل التاريخية.
أدى إعلان داعش الخلافة إلى انقسام عمودي بين الحركات والجماعات الموالية لتنظيم القاعدة، وتسبب في انشقاقات داخل معظم هذه الجماعات وحدث صراع بين الطرفين، كان لصالح القاعدة في بعض المناطق، مثل سوريا واليمن والصومال، بينما انتصر داعش في نيجيريا ومالي والنيجر، وغيرهم.
الساحة والتحولات
استفادت القاعدة من احتجاجات ما سمي بالربيع العربي في التوسع، مستغلة المد الإسلامي مع جماعة الإخوان المسلمين، التي وصلت إلى السلطة في العديد من العواصم العربية، وبالمثل كانت استفادة جماعة الحوثيين من تلك الاحتجاجات.
كانت سوريا الساحة الأكبر لتوسع القاعدة، من خلال فرعها في العراق المعروف وقتها باسم تنظيم الدولة في العراق، وذلك من خلال إنشاء جبهة النصرة، التي مرّت بعدة تحولات لتحمل اسمها الشهير، هيئة تحرير الشام. بدأ التوسع من خلال إنشاء جبهة النصرة كفرع سوري لتنظيم داعش في 2011م على يد أحمد الشرع الشهير بأبي محمد الجولاني، ثم أعلنت الاستقلال عن التنظيم في 2013، ودخلت في صراع معه، وفي 2015 أعلنت الانفصال عن تنظيم القاعدة، وتحويل اسمها إلى جبهة فتح الشام، بعد استيعاب فصائل مسلحة، ثم تحولت إلى هيئة تحرير الشام بعد ضم فصائل أخرى في 2017.
وفي مطلع ديسمبر/ كانون الثاني 2024، تمكنت الهيئة وفصائل سورية أخرى محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين من السيطرة على معظم المدن السورية، بما فيها العاصمة دمشق، بعد هروب الرئيس السابق بشار الأسد. خلال هذه المسيرة الطويلة، حدثت تحولات في الفكرة والانتشار بالنسبة لهيئة تحرير الشام ليقتصر نشاطها على البيئة السورية، كما عملت في الوقت نفسه كقوة مكافحة لتنظيم داعش، ولتنظيمات محلية موالية لتنظيم القاعدة، مثل حراس الدين.
وفي الوقت الراهن، وفق المعطيات النظرية والأحداث المتنوعة، يبدو انه لا يزال تنظيم داعش يحتفظ بوجود ملحوظ في البادية السورية والعراق، ولديه فروع نشطة في إفريقيا، إلى جانب فرعه القوي في أفغانستان أو خراسان. ويحافظ تنظيم القاعدة على وجود محدود من خلال فرعه في اليمن، وحليفته حركة الشباب المجاهدين في الصومال، مع وجود محدود في مالي وسوريا.
يمكن القول إنّ خطر تنظيمي داعش والقاعدة قد يكون تراجع بشكلٍ كبير في معظم البلاد العربية، وبالمثل في الدول الأوروبية، وذلك بعد هزيمة داعش في العراق وسوريا بحلول عام 2017.
أدوار وظيفية
لم تكن هذه الجماعات لتحقق مثل هذا الانتشار دون الحصول على دعم من كيانات ودول كبيرة، لا تتفق معها بالضرورة في الأيديولوجيا، ولكنها تقوم بتوظيفها حين تتلاقى المصالح. بدأ التوظيف منذ وقت مبكر، خاصة أنّ مفهوم الإرهاب لم يكن قد ظهر بعد، أو لم يُلصق بهذه الجماعات الا بعد استهداف الولايات المتحدة والمصالح الغربية.
كانت البداية ضدّ السوفييت في أفغانستان، برعاية الولايات المتحدة وباكستان وبعض البلاد العربية مرة ثانية، تلاقت مصالح دول ومنظمات وهيئات إسلامية مع الولايات المتحدة في الاستفادة من هذه العناصر المدربة في جبهات البوسنة والشيشان، للقتال ضد صربيا وروسيا، اللذين مثلا العدو للغرب. وحين تحولت هذه الجماعات ضدّ الولايات المتحدة، بدءًا من عام 1998، ظهر مصطلح الإرهاب، ووجدت القاعدة حليفًا آخر قام بالاستفادة منها، وهي إيران، التي استقبلت عائلات وقيادات من التنظيم بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان في 2001.
عملت القاعدة وإيران سويةً في اليمن، من خلال تواجد القيادي سيف العدل في طهران، الزعيم المحتمل للتنظيم بعد مقتل أيمن الظواهري، والذي كان له دور كبير في تأسيس خلايا القاعدة في اليمن. منذ عدة أعوام، يعمل تنظيم القاعدة والحوثيين سويةً، ويستهدف التنظيم أعداء الحوثيين في جنوب البلاد، خاصة في محافظات حضرموت وشبوة وأبين، وما كان حصول التنظيم على طائرات مسيرة واستخدامها ضد القوات الجنوبية إلا أحد أشكال هذا التعاون. كما تثار احتمالات خلال الآونة الأخيرة عن تنسيق بين حركة الشباب الموالية للقاعدة في الصومال والحوثيين في اليمن، كما أنّ مهربين محسوبين على داعش في الصومال عملوا مع شبكات القرصنة والتهريب الإيرانية في خليج عدن.
في سوريا، قامت هيئة تحرير الشام ولا تزال بدور وظيفي كبير لصالح الغرب، من خلال مطاردة تنظيم داعش والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة، مثل تنظيم حراس الدين، وبعد سيطرتها على دمشق صارت تتبنى مقاربة محلية في ظاهرها الانفتاح على الجوار السوري مثل تركيا والعراق وإسرائيل لبناء علاقات قوية معها في إطار الاتفاقات الموقعة بين الجانب السوري وهذه البلدان وتأمين الحدود وحل الملفات العالقة، وذلك على أساس خروجها من عباءة الجماعات الدينية المصنفة إرهابيا إلى جلباب الدولة وتحقيق مصالحها من جانب، ومن الجانب الآخر النظر إلى استغلال إقامة علاقات مصالح مع الدول الكبرى مثل روسيا والولايات المتحدة من خلال عدم المساس أو الاعتراض على تواجد القواعد الأمريكية والروسية في البلاد، بل وتطوير علاقات دبلوماسية مع هذين البلدين أفضل مما كان عليه الوضع مع نظام الأسد، في حين تتقاطع -كما هو ظاهر حتى الآن- الأيديولوجية الحالية للجولاني مع الفكر السابق وأيضا تتقاطع مع أيديولوجيا القاعدة في استهداف الولايات المتحدة. ويذهب البعض إلى أنّ الهيئة التي باتت الحاكم الفعلي لسوريا لن تسعى للصراع مع إسرائيل رغم تقدم الأخرى إلى جبل الشيخ السوري، حتى أنّ زعيمها "أحمد الشرع" صرح بعدم وجود نوايا للصدام معها، على الرغم من توسعها في الأراضي السورية، وتدميرها لبعض المقدرات العسكرية في البلاد.
الإرهاب: التعريف والتصنيف
تُصنف معظم الجماعات السابقة على قوائم الإرهاب عالميا وعربيا، وقد تم تنزيل هذا المصطلح على بعض هذه الجماعات في اجتماع شرم الشيخ في عام 1996، حين كان بن لادن في أيامه الأخيرة في السودان، وبعد محاولة من التنظيم لاغتيال الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995.
تختلف تعريفات الإرهاب بين الدول، فيعرفه حلف الناتو بأنّه "الاستخدام أو التهديد غير المشروع باستخدام القوة أو العنف، الذي يغرس الخوف والإرهاب، ضد الأفراد أو الممتلكات في محاولة لإكراه أو تخويف الحكومات أو المجتمعات، أو إحكام السيطرة على السكان، لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو إيديولوجية".
رغم التصاق مصطلح الإرهاب بالجماعات الإسلامية المسلحة، إلا أنّه أسبق في الوجود من هذه الجماعات، كما أنّ واشنطن لديها قوائم تصنيف مرتبطة بدعم الإرهاب، تشمل الأفراد والكيانات والدول، من قبل تأسيس تنظيم القاعدة بعقود، ويمكن القول إنّ أحداث 11 سبتمبر 2001 أدت لالتصاق مصطلح الإرهاب بالمسلمين، خاصة بعد تدشين الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا لمحاربة الإرهاب، وباتت العمليات التي يقوم بها أفراد محسوبون على هذه التنظيمات، أو يحملون الأيديولوجيا نفسها تُصنف كعمل إرهابي.
ما يعد لافتا أنه تم إقرار وتصنيف جماعات كثيرة مما سبق على قوائم الإرهاب في حين يتم التعامل معها احيانا، قد نقول لا بأس، لكن أن يتم التأرجح بين الادراج والرفع ومن ثم الادارج مرة أخرى على قوائم الإرهاب وبدرجات متفاوتة كما هو حاصل مع جماعة الحوثيين في اليمن رغم تصرفاتها الإرهابية المستمرة، أمر لا تزال حوله العديد من علامات الاستفهام رغم تأثيره الحاصل على استقرار اليمن ودول الجوار.
نظرة مستقبلية
من الصعب التنبؤ بمستقبل الجماعات الدينية المصنفة على قائمة الإرهاب حيث يرتبط ذلك بعوامل غير محدودة، منها الاستقرار السياسي في الدول العربية والإسلامية، وقدرة الحكومات على معالجة هذه المشكلة من جذورها، وهو الأمر المشكوك فيه على المدى القريب والمتوسط إذا ما نظرنا للاستغلال الدولي لهذه الجماعات في المنطقة، كاستغلال إيران وبعض الدول الغربية للتواجد الشيعي في عدد من العواصم العربية على رأسها العاصمة صنعاء، والذي تلقي الأحداث بظلالها حاليا على عدد من التخمينات حول مصير ذلك الاستغلال في ظل الأحداث الأخيرة في البحر الاحمر، وضرورة الضغط الشعبي والرسمي على ضرورة استعادة الدولة اليمنية من الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانيا سلما أو حربا.
يختلف مستقبل هذه الجماعات تبعًا لواقع كل منها، ومع هذا فيمكن القول ربما إنّ هذه الأيديولوجيا وصلت إلى نهايتها، وفقدت جاذبيتها، بعد وصولها إلى مرحلة الذروة خلال العقد الماضي، وإخفاقها الذريع في تأسيس شكل من الحكم خلال حيازتها على مساحات جغرافية واسعة.
بشكل عام، سيظل تنظيم داعش في العراق وسوريا، وفروعه المنتشرة في العديد من دول العالم، على مساره القائم على سياسة التوحش، دون قدرة على كسب مؤيدين بالقدر الكاف لتحوله إلى سلطة أمر واقع. بينما توجد فرص أمام الجماعات الأقرب لتنظيم القاعدة، مثل هيئة تحرير الشام في سوريا، وحركة الشباب في الصومال، لاعتبارات تتعلق بنفوذهما على الأرض. بالنسبة للأولى فهي تعتبر بمثابة سلطة الأمر الواقع، وقدمت نموذجًا أكثر قدرةً على التكيف من حركة الشباب، نظرًا لأسباب عديدة منها طبيعة الحالة السورية، ولكن لم يتكشف بعد المدى الذي ستذهب إليه في التأقلم.
تبدو أمام حركة الشباب فرصة جيدة للتفاوض مع الحكومة الفيدرالية، والاشتراك في السلطة، شريطة القطيعة مع فكر تنظيم القاعدة، والتخلي عن السلاح، والمشاركة في العملية السياسية، ولكن لا تزال الحركة بعيدة عن إبداء مرونة في هذا الشأن. وهو الأمر الذي تبدو عليه جماعة الحوثيين في اليمن عند الحديث عن التخلي عن السلاح والقطيعة مع الفكر الإرهابي والمشاركة في العمل السياسي.
إلى هذا، ستظل المقاربة الأمنية الشاملة هي الخيار الأنسب لمواجهة جميع الحركات المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش وجماعات إيران، باستثناء هيئة تحرير الشام التي لا تزال تحت النظر والاختبار بعد أن قطعت صلاتها بالقاعدة، كما أنّها باتت أكبر وأقوى بكثير من أية حركة أخرى وُجدت من قبل، باستثناء طالبان ■