آخر تحديث :الخميس-24 أبريل 2025-12:45ص

مجلة جرهم


السّياسة الأمريكيّة في الشرق الأوسط.. الثـوابـت والمتغــيرات

السّياسة الأمريكيّة في الشرق الأوسط.. الثـوابـت والمتغــيرات

الثلاثاء - 15 أبريل 2025 - 08:40 م بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ د. ثابت محمد الأحمدي مستشار مكتب رئاسة الجمهورية لشؤون الفكر والثقافة - اليمن

البدايات الأولى:
على سبيل المقاربة لا القطع نستطيع القول أنّ العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والشرق الأوسط من جهة أخرى بدأت منذ مطلع القرن العشرين، وتنامت هذه العلاقة مع الحرب العالمية الأولى، ثم الاكتشافات النفطية في المملكة العربية السعودية واليمن، مطلع ثلاثينات القرن الماضي، ولم تنقطع بعد ذلك، بل تعززت أكثر مع تأسيس المملكة العربية السعودية، ونشوب الحرب العالمية الثانية، ثم تسلل الاتحاد السوفيتي إلى المنطقة، من خلال بعض الأنظمة اليسارية التي تحالف معها، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية في أمس الحاجة إلى التحالف مع أنظمة أخرى، لمواجهة الشيوعي الذي كان يهددها.
وتُعتبر زيارة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت أول زيارة لرئيس أمريكي إلى الشرق الأوسط في نوفمبر 1943م، وتحديدًا إلى مصر أيام حكم الملك فاروق، حيث حضر مؤتمر القاهرة الأول مع رئيس الوزراء البريطاني تشرشل والزعيم الصيني شيانج كاي شيك. وفي 27 من الشهر نفسه زار طهران مع رئيس الوزراء السوفيتي جوزيف ستالين، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل. كما عاد من طهران في 2 ديسمبر من العام نفسه، لحضور مؤتمر القاهرة الثاني مع رئيس الوزراء البريطاني تشرشل والرئيس التركي عصمت إينونو.
واحدية الاستراتيجية
من نافلة القول الإشارة إلى أن الخطوط الرئيسية للسياسات العامة لأي دولة ثابتة، ولا تتغير إلا نادرًا، فيما الخطوط الفرعية والهوامش الاستثنائية متغيرة، حسب مزاج هذا القائد أو ذاك، وخاصة الدول الكبرى والراسخة في تقاليدها المؤسساتية، والمستقرة. ومن الدول ذات السياسات الاستراتيجية والراسخة الولايات المتحدة الأمريكية التي تلتزم خطًا موحدًا، أو شبه موحد على الأقل في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط، المملكة العربية السعودية ومصر أنموذجًا. وهما كبيرتا دول الشرق الأوسط؛ إذ تُعتبر العلاقات الأمريكية السعودية اليوم امتدادًا أصيلًا لما عرف باتفاق كوينسي في فبراير 1945م بين الملك عبدالعزيز آل سعود، من جهة، والرئيس فرانكلين روزفلت من جهة أخرى، على متن الطراد البحري "كوينسي"، وذلك لمناقشة وضع أوروبا ومستقبلها، المشتعلة بالحرب العالمية الثانية آنذاك.
من ناحية ثانية تُعتبر سياسة الولايات المتحدة الأمريكية واحدة تجاه مصر على الأقل منذ بداية عهد الرئيس المصري أنور السادات: 1970: 1981م، وحتى اليوم، فلم تتغير في خطوطها العامة، بصرف النظر عما تبناه الجمهوريون بزعامة الرئيس الأسبق باراك أوباما تجاه أحداث 2011م، حيث كان موقفًا أمريكيًا ضد السلطة، لا ضد الدولة، كان ثمة خلاف برامج حزبية، لا خلاف سياسات دول.
وذات الخطوط العريضة في السياسة العامة الأمريكية تجاه كثير من الدول منها الصين واليابان وشرق آسيا "النمور الأسيوية" وغيرها.
تجدر الإشارة هنا إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية في خطوطها الرئيسية ومحدداتها النهائية نتاج تفاعلات داخلية أمريكية بين عددٍ من الدوائر الكبرى، المتمثلة في: البيت الأبيض، وزارة الخارجية، الكونجرس، السي آي اي، البنتاجون، مجلس الأمن القومي "N C S". كلٌ من هذه المؤسسات تصنع قرارًا سياديًا أمريكيًا. ووفقًا للمفكر السياسي المصري محمد حسنين هيكل: إن أمريكا في صناعتها للقرار السياسي تبدو بعدة رؤوس كالأخطبوط، وهي حقا كذلك.
الأسس والمنطلقات
نستطيع تقسيم الحضور الأمريكي في الشرق الأوسط إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: ما بعد الحرب العالمية الأولى حتى العام 90م.
في كتاب "عقيدة بوش والشرق الأوسط الكبير" للدكتور بكيل أحمد الزنداني يرى أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية تنطلق من الأسس التالية:
1ــ تأمين مصادر الطاقة
الواقع أن الشرق الأوسط بموقعه قلب العالم، وموارده هي طاقة العالم، والشرق الأوسط بفوائضه خزينة العالم، وهو منطقة مفتوحة لكل التدخلات، وفقًا للمحلل السياسي الكبير محمد حسنين هيكل، وبالتالي فمن يسيطر على هذه المنطقة يستطيع السيطرة على نسبة كبيرة من اقتصاد العالم. أو قل: طاقة العالم، والسيطرة هنا لا تعني سيطرة السطو، أو الاحتلال بطبيعة الحال؛ بل السيطرة بالتحالفات السياسية وبالعلاقات الدبلوماسية والتجارية، وهو ما اتبعته الولايات المتحدة الأمريكية في سياستها على الأقل منذ منتصف أربعينات القرن الماضي، كما أشرنا سابقًا.
ووفقًا للرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في مذكراته: تبين أحداث الخليج العربي بصورة دراماتيكية كيف أن أمكنةً كانت حتى فترة تبدو بعيدة وغريبة يمكن أن تخلق لنا وبشكل مفاجئ أزمات فائقة الإلحاح.. وتتركز الأهمية الاستراتيجية للخليج حاليًا على عاملين اثنين: موقعه ونفطه.
ويضيف: فإن تحول أوروبا من الاعتماد على فحمها الحجري إلى النفط المستورد، كمصدرٍ أساسي للطاقة قد غيّر البنية السياسية العامة للعالم تغييرًا جذريًا، ولقد كان الشرق الأوسط منذ زمنٍ بعيدٍ يشكل ملتقىً للطرق المؤدية إلى آسيا وإفريقيا وأوروبا، وأصبح نفطه الآن دم الحياة الذي يسري في عروق الصناعة الحديثة، وإن منطقة الخليج العربي هي القلب الذي يضخ ذلك الدم، وإن البحر الذي يحيط بها هو الوداج الذي يمر عبره الدم إياه.
وهو يذكر نسبة إلى هنري كسينجر: السعودية، وإيران والإمارات العربية ومضيق هرمز النقطة الاستراتيجية الهامة التي يمر منها 40% من نفط العالم الحر، 20 مليون برميل في اليوم؛ أي بمعدل 800 ألف برميل في الساعة.
2ــ احتواء الشيوعية
على الرغم من أن أمريكا وروسيا كانتا ضمن حلف واحد في الحرب العالمية الثانية إلا أن كلًا منهما قد انشطر على الضد من الآخر، وأعلن عداءه له، وخاصة الاتحاد السوفيتي الذي اتخذ أيديولوجية حادة ليس ضد أمريكا فحسب؛ بل ضد كل من يختلف معه، في الوقت الذي اتبعت أمريكا سياسة مرنة في تعاطيها مع الآخر.
وقد توجست الولايات المتحدة الأمريكية من هذه الحدة التي تزايدت مع مرور السنوات "حقبة الحرب الباردة"، وتسابقتا -من ثم- على النفوذ في مختلف مناطق العالم. وبقدر ما أسس كل طرف قواعد عسكرية له في كثير من مناطق العالم، أيضا أنشأ مؤسسات ثقافية واجتماعية واقتصادية أخرى، تدعم سياسته واتجاهاته، من ذلك إعلان الرئيس الأمريكي إيزنهاور ما عُرف بـ "عقيدة أيزنهاور"، وهو قرار اتخذه عام 1957م يضمن المساعدة الاقتصادية أو العسكرية الأمريكية لأي دولة في الشرق الأوسط بهدف مواجهة الشيوعية.
لقد ظل سُعار الحرب الباردة ملتهبًا حتى العام 1990م، حيث سقط الاتحاد السوفيتي، لتتفرد أمريكا بالتحكم بالعالم، بعد عقودٍ من استنزافها للاتحاد السوفيتي، سواء في منطقة الشرق الأوسط، أم غيرها.
وبطبيعة الحال لن ننسى هنا الدعم الأمريكي الكبير للشاه الإيراني، خشية وصول الاتحاد السوفيتي لما عرف آنذاك بالمياه الدافئة "الخليج"، واستبدال نظام الشاه المتهالك بنظام الخميني الصّاعد.
3ــ عامل الأمن الإسرائيلي
من نافلة القول الإشارة إلى أن إسرائيل ابنة الولايات المتحدة الأمريكية بالتبني في منطقة الشرق الأوسط، وأضف إلى جانب أمريكا أيضًا بعض دول أوروبا، وخاصة بريطانيا، لاعتباراتٍ كثيرة، ليس هنا مجال ذكرها، ما يهم هو الحضور الأمريكي في الشرق الأوسط، من خلال هذه "القاعدة العسكرية/ الكيان الإسرائيلي" المزروع في الجسد العربي، والذي ضمنت أمريكا تعهده منذ نشأته الأولى، ولا تزال، إلى حد أن ما يُقلق إسرائيل يقلق الولايات المتحدة الأمريكية بصورة مباشرة، وثمة شواهد كثيرة خلال العقود الماضية، تؤكد ذلك، منها تعاون أمريكا وبعض دول أوروبا مع إسرائيل فيما عرف بالعدوان الثلاثي على مصر سنة 56م، وأيضا الدعم الغربي لها في 1967م، وفي أكتوبر 1973م، وتجلّى التعاطف الأبرز والقوي في الفصل الأخير من حروب إسرائيل في المنطقة، بعد ما عرف بعملية 7 أكتوبر 2023م.
والحقيقة أن دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل من الثوابت الكبرى في سياستها الخارجية، ولا يبدو أن ثمة تراجعًا عن ذلك على المدى المنظور والمتوسط، حتى وإن اعتمدت إسرائيل على نفسها في كل شيء..!
4ــ التعزيز الأمريكي للديموقراطية
بدأت فكرة تأسيس ودعم الديموقراطية في الشرق الأوسط منذ فترة الرئيس الأمريكي وودر ويلسون، 1913 ــ 1921م، الذي أعلن 14 مبدأً، سُميت مبادئ ويلسون الأربعة عشر، وأولها: قيام العلاقات الدولية على مواثيق سلام عامة". وبقيت هذه الفكرة قائمة لدى الرؤساء التابعين له، بدرجة متفاوتة من رئيس إلى آخر، إلا أنها برزت أكثر بعد الحرب العالمية الثانية، وعلى ضوء هذا المبدأ كانت خطة "مارشال" عام 1947م، لمساعدة أوروبا المدمرة في الحرب العالمية الثانية. وطبقا لميشيل فوكو: أي دعم معظم الرؤساء الأمريكيين تعزيز الديموقراطية، باعتباره اهتمامًا استراتيجيا؛ لكنه لم يكن غالبا الهدف الأهم من سواه، أو الفوري".
وإلى هذه المسألة يشير مهندس سياسات الشرق الأوسط، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسينجر، بقوله: التزم ريجان بالولسونية حقًا حتى آخر المشوار، فليس بوسع أمريكا الوقوف ساكنة ريثما تنشأ المؤسسات الحرة، أو الاكتفاء بمقاومة التهديدات المباشرة لأمنها؛ بل عليها سقي شجرة الديموقراطية، ومكافأة البلدان الملتزمة بمثلها، ومعاقبة المقصرة في ذلك.. فالقيم الديموقراطية، وليست قيم البيان الشيوعي ستغدو موجة المستقبل.
المرحلة الثانية: منذ العام 1990م، وحتى اليوم
إلى جانب الأسس والمنطلقات المذكورة آنفًا، وهي منطلقات أسس ومنطلقات استراتيجية عظمى في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، ثمة منطلقات جديدة تشكلت منذ انتهاء الحرب الباردة، وحتى اليوم، وإن كان بعضها متصلًا بالسابق.
1ــ مناوءة التنين الصيني في منطقة الشرق الأوسط
ثمة قلق يساور صانع القرار الأمريكي من تعملق التنين الصيني وحضوره الملفت في كثير من مناطق العالم، وخاصة الشرق الأوسط، وإن كان هذا القلق له جذوره من عقود؛ لكنه تبدى بصورة أوضح خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد أن تعملق، وبدا منافسًا لأمريكا في مختلف دول العالم، وفرض نفسه على أرض الواقع إلى حد تحول شركاء استراتيجيين لأمريكا في المنطقة نحوه، والتعاطي معه، وفقا للغة المصالح، كدول الخليج العربي، وإسرائيل نفسها ربيبة أمريكا. وهذه من المتغيرات الجديدة في المنطقة التي لم تكن في حسبان الأمريكان سابقًا، ولا حتى في حسبان الحلفاء.
المناوءة الأمريكية للصين في الشرق الأوسط إلى جانب كونها سياسية، هي أيضًا اقتصادية، تكنولوجية، علمية، عبرت عن نفسها بصورة واضحة مع إدارة الرئيس ترامب الأولى، من خلال عدة ملامح، أبرزها التدخل الأمريكي في تايوان، وأيضًا قرارات شركة جوجل الأمريكية بتعليق أي عمل مع شركة هواوي الصينية في مايو 2019م.
2ــ الحرب على الإرهاب
في الواقع بقدر ما يُعتبر الإرهاب حالة موضوعية على أرض الواقع، له مقدماته ونتائجه، وله خلفياته الفكرية والدينية، بقدر ما يُعتبر أيضًا لعبة من اللعب التي تديرها بعض أجهزة الاستخبارات الدولية الكبيرة.
ومنذ أحداث سبتمبر 2001م، كثفت الولايات المتحدة الأمريكية من تواجدها في منطقة الشرق الأوسط على الصعيد الأمني، المتمثل في عقد الاتفاقيات الأمنية وتوسيع الشراكات مع أغلب دول المنطقة، ودعم بعض الدول بالأسلحة الحديثة والدعم اللوجيستي، من أجل مواجهة الإرهاب الذي تبناه تنظيم القاعدة أولًا، فتنظيم داعش ثانيًا الذي أعلن عن نفسه في 2014م، وقادت الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا ضده، كما فعلت مع القاعدة قبله، ويُعتبر التنظيمان اليوم في حكم التلاشي، وإن كانت إيران لا تزال على علاقة وطيدة بأحد بقايا هذه الأجنحة المتواجدة بصورة عنقودية في أكثر من مكان.
3ــ قيادة عمليات السلام بين إسرائيل ودول المنطقة
القضية الإسرائيلية في الشرق الأوسط من القضايا المركزية في السياسة الأمريكية، كما أشرنا سابقًا، وكما ساهمت الولايات المتحدة في غرسها، وسقي شجرتها خلال العقود الماضية، تحاول اليوم تثبيتها بصورة نهائية من خلال قيادة عملية سلام نهائية مع كبرى دول المنطقة، تتويجًا لعمليات السلام السابقة التي رعتها، ابتداءً من معاهدة كامب ديفيد في 1979م، مع مصر، وما لحقها من أنشطة أخرى منها عاصفة الصحراء في 1991م، ثم اتفاقية أوسلو مع السلطة الفلسطينية في سبتمبر 93م، ولحقتها معاهدة وادي عربة بين إسرائيل والأردن في أكتوبر 1994م، ثم مباركة التطبيع بين إسرائيل وبعض دول المنطقة، وحتى ما عُرف بمشروع الاتفاق الإبراهيمي/ المسار الإبراهيمي الذي تم الإعلان عنه في البحرين في 2019م، وإن كان هذا المشروع قد تعثر نجاحه حتى الآن. وليس انتهاء برعاية مشروع "حل الدولتين"، قيد الإجراء. ومشروع المسار الإبراهيمي متعدد الأنساق؛ ثقافي، ديني، اقتصادي، سياحي، ومن المحتمل تطويره مستقبلًا بعد أن فشلت النسخة المعلنة الأولى منه.
ولن ننسى هنا الإشارة إلى مصطلح "الشرق الأوسط الكبير" الذي برز مع مطلع العقد الأول من الألفية الجديدة، وتحديدًا في فبراير 2004م على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، ووزيرة خارجيته آنذاك كونداليزا رايس، ولطالما تردد هذا المصطلح كثيرًا على لسان رايس. والشرق الأوسط الكبير يشمل إلى جانب كل الدول العربية فيه أيضًا: إيران وتركيا وباكستان وأفغانستان وإسرائيل وقبرص.
وفي ديباجة نص المشروع الذي تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية إلى قمة مجموعة الثماني، اعتبرت أن الشرق الأوسط الكبير يمثل تحديًا وفرصة فريدة للمجتمع الدولي. كما اعتبرت أن النواقص الثلاثة التي تعانيها المجتمعات العربية، وهي: النقص في الحرية والمعرفة وتمكين المرأة تسهم في خلق الظروف التي تهدد مصالح دول مجموعة الثماني.. ويطالب المشروع بإقامة نوع من شراكة دولية طويلة المدى، ترتكز أساسًا على دول مجموعة الثماني، لإصلاح الشرق الأوسط الكبير، عبر تشجيع الديموقراطية والحكم الصالح، وبناء مجتمع معرفي، وتوسيع الفرص الاقتصادية.
إننا اليوم أمام تحول جديد من مسارات القضية الإسرائيلية في المنطقة، قد يفضي هذا التحول إلى وقف شلالات الدم وإنهاء أطول وأعقد أزمة إنسانية وسياسية منذ عقود، والأمر مرتبط هنا بالمملكة العربية السعودية ذات الثقل العربي الكبير، والتي ستلعب دورًا إيجابيًا كبيرًا حسبما تقرر مؤشرات المرحلة القادمة، باعتبارها مرجعية إسلامية، وحامية عربية، ومحل إجماع كثير من الفرقاء.
رؤية ما بعد 7 أكتوبر
يُعتبر يوم السّابع من أكتوبر 2023م يومًا تاريخيًا، ما بعده ليس كما قبله بالنسبةِ لسياسةِ الولايات المتحدة الأمريكية ومعها إسرائيل، وبالنسبة للمنطقة كاملة، ولعل الفصل الأول من معالم هذا التغير على مشارف الانتهاء اليوم، متمثلًا في الموقف المحلي والإقليمي والدولي من "حزب الله" اللبناني، الذراع الكبرى لإيران في المنطقة، والذي أوغل في خلق الطائفية والمذهبية، لا في لبنان فقط، ولكن امتدت مخالبه إلى دول أخرى كسورية واليمن والعراق. وعلى الأرجح فإن اللاعبين الكبار قد قرروا وضع حد حاسم له، إضافة إلى حركة "حماس" الفلسطينية، الشريك الأول لحزب الله، ومؤخرًا النظام الطائفي السوري الذي تراكمت أخطاؤه بصورة فجة، لم يستطع أقرب حلفائه الدفاع عنه بعد، فاتفق الأصدقاء والخصوم على حل موحد لإنهاء نظام الأسد، وإن كان هذا الحل لا يُنهي الأزمة السورية؛ بل ربما يعقدها أكثر، نظرًا لتعدد المدخلات، من خلال تعدد اللاعبين الكبار.
نحن اليوم أمام معادلة جديدة، قد تضع حدًا لشلال الدم المتدفق منذ ما يزيد عن 75 عامًا، والأمر مرهون أيضًا بمدى تعقل إسرائيل، وبمدى الضّغط السعودي على الأمريكان وعلى إسرائيل في خلق مقاربة عاقلة وعادلة للجميع، تضمن خلق مشهد جديد، لتتجاوز المنطقة أكبر مأساة إنسانية عاشتها منذ عقود ■