آخر تحديث :الأحد-09 مارس 2025-07:58ص

مجلة جرهم


قـــراءة في كتــاب: الشباب العربي.. أزمة هوية ومستقبل مهدد

قـــراءة في كتــاب: الشباب العربي.. أزمة هوية ومستقبل مهدد

الإثنين - 24 فبراير 2025 - 02:36 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ د. ثابت الأحمدي

مـدخـــــل:
قضيّة الشباب العربي اليوم من أعقد القضايا الراهنة، التي تبدو تائهة بلا ملامح، ضائعة بلا هوية، متخبطة بلا أفق؛ ذلك لأن قضية الشباب جزء من قضية الدولة بشكل عام؛ لكن أين هي الدولة العربية الراسخة في المؤسسية والحكم الرشيد؟! هذا لا يزال حلمًا بعيدَ المنال، إذا ما استثنينا بعض الدول الخليجية التي تعيش استقرارًا سياسيًا واقتصاديًا، ولها رؤى مستقبلية، لا في قطاع الشباب فحسب؛ بل وفي بقية القطاعات، وإن كانت في الواقع دون المأمول، قياسًا إلى ما تملك من مقدرات مالية؛ لكن الرؤى المستقبلية للأولويات الكبرى لا تزال غائبة عند الجميع للأسف.
"الشباب العربي أزمة هوية ومستقبل مهدد"، لمؤلفه: يحيى السيد عمر، والصادر عن دار الأصالة، كتاب توقف عند هذه القضية، وناقش جزئياتها بمنهجية دقيقة، متناولًا الكليات الأساسية، والجزئيات التفصيلية.
في البداية، تجدرُ الإشارة إلى معلومة ذكرها المؤلف، أن هذا الجيل من الشباب يتسم بكونه الأكثر عددًا من أي وقتٍ مضى، مقارنة بالفئات العمرية الأخرى، فإن نسبة الشباب دون التاسعة والعشرين من العمر في العالم العربي تصل إلى 57% من إجمالي السكان. هذا بطبيعة الحال ما يعني أن أكثر من نصف سكان الوطن العربي من جيل الشباب، أما إذا مددنا بالعمر إلى ما دون التاسعة والثلاثين من العمر، فربما تقترب النسبة من 75% ما يعني أن ثلاثة أرباع الوطن العربي من الشباب. وهو رقم كبير قياسًا إلى دول الغرب جميعًا، إذ تكثر نسبة الشيوخ عندهم بصورة ملحوظة.
تحديات من إرث الآباء:
السؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة: هل تعاملت الدولة بإيجابية مع هذه الشريحة خلال الفترة الماضية؟ وهل تم إعداد هؤلاء الشباب وتأهيلهم بما يتناسب ومتطلبات المرحلة؟ وهل لهؤلاء الشباب اليوم قيمة فاعلة في سوق العمل بمختلف أنساقه؟!
والواقع أنّ الحال لا يسر، فثمة خلل في الهيكلة المؤسسية والتوزيع العادل للفرص، وغياب سياسات التنمية، والتشغيل، والتربية، والتعليم. ولذا فقد أصبحت قضايا الشباب اليوم من صلب قضايا الأمن القومي لكثير من البلدان، خاصة مع البطالة التي يعاني منها الشباب اليوم، وتتصدر اليمن النسبة الأعلى بين قائمة الدول العربية من حيث البطالة للشباب، بنسبة 60% حسب تقرير منظمة العمل الدولية للعام 2018م.
إضافة إلى استشراء البطالة فإن ثمة مسائل أخرى ترتبط بها، لعل أهمها النحت في منظومة القيم الأخلاقية المجتمعية التي يقع فيها الشباب بسبب هذه البطالة، كون الفقر يؤدي إلى الجريمة، أو يساهم إلى حد كبير في ذلك.
لهذا لجأ بعضُ هؤلاء الشباب إلى الهجرة خارج الوطن، بل خارج الوطن العربي، باحثًا عن فرصة عمل، أو بالأصح باحثًا عن فرصة كريمة في الحياة، وأفضلهم حظـًا من عبر ضفة البحر الأبيض المتوسط الغربية ونجا بجلده من الغرق، لتؤويه حواضن اللجوء الغربية، في أتعس الظروف، ومن ثم تأهيله لخدمة الدولة التي وصل إليها، لا لخدمة وطنه.
وفي الوقت الذي عبر هؤلاء ضفة المتوسط الغربية، ارتمى آخرون إلى عصائب قتالية محلية، وأصبحوا خطرًا على مجتمعاتهم، بمعنى صار إما مشروع قاتل أو مقتول!، وفي الحالتين الأمر لا يسر؛ لهذا، طالت الحروب في المنطقة وازدادت ضراوتها بفعل فائض الشباب الذين يرفدون ميادين القتال بصورة يومية، متوزعين بين مختلف الفصائل القتالية، يمينًا ويسارًا ووسطـًا، بلا هدف أو مشروع.
إن الكتلة الصلبة والدائرة الأوسع من قوام الجماعات المتطرفة والإرهابية، هم من الشباب، الذين فقدوا الأمل في الحياة، وضاقت بهم الأوطان بما رحبت، وانعدمت أمامهم فرص العيش الكريمة، ولو في حدها الأدنى، فارتموا بين أحضان الجماعات المتطرفة والإرهابية، لتفريغ طاقاتهم، والتعبير عن وجودهم في عبثية مفرطة، بعد أن وجدوا أنفسهم على هامش الحياة اليومية.
ثمة خطرٌ مستقبلي أيضًا، يشير إليه مؤلف الكتاب بسبب إهمال الشباب، هو أن استمرار هذا التهميش والحرمان لن يقود إلى حرمان دولهم من طاقاتهم فحسب؛ بل سيتعدى ذلك إلى آثارٍ سلبيّة تطال مختلف جوانب الحياة، ابتداءً من الجمود السياسي، مرورًا بانخفاض النمو الاقتصادي، وليس انتهاءً بالترهل الاجتماعي، والتأثير الأخطر لهذا التهميش قد يكون في ضعف ثقة جيل الشباب بنفسه.
الشبــــاب العــربي بــين الإخفـاق والتحـدي:
في الواقع لا يزالُ الشبابُ العربي واقعًا في (ألف-باء) أولوياته المعيشية اليومية، مخنوقًا بأزمة المسكن، والزواج، والتأمين الصحي، ودراسته الجامعية، والحصول على وظيفة. لا يزال يدور في هذه الأساسيات، وأفضلهم من تغلب عليها بشق الأنفس، فيما الغالبية الغالبة لم تتجاوز تحدياتها. لا يزال مشغولًا باليوميات، ولم يستطع التفكير بالمستقبل، لأن التفكير بالمستقبل يقتضي كفاية لليوميات أولًا. لهذا تتراكم أمامه المشكلات، لتنفجر مرة واحدة أمام وجهه، في تحدٍ كبيرٍ وجديد، يصعب تجاوزه، وهذا ما رأيناه واضحًا في أحداث 2010، و2011م وما بعدهما، لم يستطع الشباب تجاوز عتبة هذه الأحداث لما تنوء به من حمولة ثقيلة، يعود بعضها إلى قرون؛ لهذا فإن بعضًا من شباب ما عرف بالربيع العربي غادروا المنطقة نهائيًا، وأصبحوا في أوروبا لاجئين، باحثين عن أبسط مقومات الحياة الإنسانية الكريمة التي فقدوها في بلدانهم، قبل 2010م، وانعدم الأمل نهائيًا بعد 2011م، ووجدوا أنفسهم قد عادوا إلى نقطة الصفر. هذا ملمح من ملامح مأساة الشباب العربي!!
والواقع أن هجرة الشباب العربي، وهجرة الأدمغة العربية تحديدًا، هي إشكالية سابقة، نعاني منها من وقت مبكر، وإن زادت عن حدها في العقود الثلاثة الأخيرة، لعدة أسباب، لعل أهمها عدم الاهتمام بالبحث العلمي إلا بنسب متدنية ومتفاوتة لا تكاد تذكر في بعض الدول، وقد ذكر المؤلف أن الصين تنفق على البحث العلمي سنويًا ما يزيد عن 300 مليار دولار سنويًا. وإلى جانب هذا أيضًا الأزمات السياسية والأمنية، لأن المبدع لا يمكن أن يبدع في بيئة مضطربة أمنيًا أو سياسيًا، وقد شهدت المنطقة العربية اغتيال العديد من العلماء الكبار العمالقة، بل لقد تفردت العراق بالنصيب الأكبر في هذه القائمة؛ حيث تم اغتيال أكثر من 700 عالم عراقي في شتى المجالات، وخاصة في علوم الذرة والهندسة النووية، وهذا ما يجعل من البيئة العربية بيئة طاردة للإبداع. ولا شك أن للجانب الاقتصادي أيضًا أهميته في الهجرة، وبالمقابل الإغراءات المادية التي تعرضها بعض دول الغرب للعلماء والمتميزين القادمين من خارج حدودها.
هل نكتفي بلعن الظلام؟:
هذا هو الواقع بظلمه وظلامه، بأثقاله وحمولاته، بركامه ومخالفاته. وهذا هو التشخيص الواقعي للمشكلة/ المعضلة التي خنقت شبابنا من وقت مبكر ولا تزال.
في الواقع كلما احلولكت حنادسُ الليلة واشتد ظلامها، وجدنا أنفسنا أمام مسؤولية أكبر؛ لأن التحدي يتم مجابهته بتحدٍ أكبر، حتى نعبر مضيق الأزمات المتلاحقة.
المتأمل في كل حركات التاريخ التغييرية كانت من الشباب، والنهضة العربية المنشودة، لن يُكتب لها النجاح والعبور إلا بشرطين أساسيين: الأول أن تشمل النهضة جوانب الحياة كافة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والثاني: أن تضمن مشاركة مختلف الشرائح الاجتماعية فيها. من هنا نصل إلى التنمية المستدامة التي تشكل حلًّا جذريًا لغالبية العقبات التي تقف أمام المجتمع، وفقًا لما ذكره المؤلف.
خارطة طريق مستقبلية:
لا بدّ من إستراتيجيّة شبابية جديدة، تعيد ــ فيما تعيد ــ للشارع العربي آماله وأحلامه وتطلعاته، شبابًا وغير شباب.
هذا اتجاه إجباري واجب على الجميع، لا مجرد اختيار مطروح على قارعة الطريق، ،من شاء أخذ به، ومن شاء ترك. ولا يمكن العبور بغير هذه الإستراتيجية، لتحقيق الذات العربية، ولخلق مزيد من الثقة بالنفس، ولتسهيل العبور للجيل القادم، لأن عملية البناء الحضاري للدول عملية تراكمية بنائية، لا تنقطع عن بعضها البعض.
إنّ الدورَ المنوط بالشباب راهنًا ومستقبلًا كبيرٌ، وكبيرٌ جدًا، ولكن ذلك لا يتم بالصدفة العابرة، أو بالشعارات المرفوعة، أو السير وفق سياسة الآباء التقليدية السابقة، لا بدّ من خطة مرسومة، تحدد الأولويات وتضبط مؤشر البوصلة، لتجاوز خلل العقود الماضية التي قضمت من حاضر الشباب ومستقبلهم. ولا بدّ -كذلك- من تجاوز صراعات الأجيال، وهي العقدة المنتشرة لدى كل جيل من أجيال التغيير، عند كل الأمم بلا استثناء.
والصراع البشري في جوهره وحقيقته حتمية تاريخية، والناس هموم الناس، كما يُقال، ولا يمكن أن يخلو جيل من الصراع، فهو مرتبط بالإنسان وجودًا وعدمًا. وصراع الأجيال عند علماء التربية والاجتماع وعلم النفس هو الاختلاف في الرؤى بين الجيلين: الشباب والكبار، واضطراب العلاقة بين الآباء والأبناء وتأزمها. وقد تناول هذه الظاهرة "اوغست كونت" في القرن التاسع عشر، ثم "كارل مانهايم" من بعده الذي يرى: أن جيلَ الشباب هو الأشد تفاعلًا وتقبّلًا للتغيرات الاجتماعية. وزادت الكتابات أكثر خلال الفترة الماضية؛ أما مع التقدم التكنولوجي الجديد فالأمر مختلف؛ إذ بدأت التباينات بين الجيلين بالاتساع، وبدأ هذا المفهوم يأخذ اهتمامًا متزايدًا على مختلف الصُعُد.
وحسنـًا! حين توقف المؤلف عند طبيعة الصراع وأسبابه بين الأجيال. ومن أسباب هذا الصراع: الأسباب الثقافية، وهي من أبرز الأسباب التي تقود إلى صراع الأجيال في المجتمع العربي، والتي من أسبابها: تبدل الأولويات الثقافية، واختلاف المرجعيات، والانفتاح التام على الحضارة الغربية. وهناك أيضًا، الأسباب الاجتماعية، والتي من أسبابها أيضًا: دخول المرأة إلى سوق العمل، وتباين العادات الاجتماعية، واختلاف قيم ومبادئ التربية، واختلاف وسائل التربية. وهناك أيضًا الأسباب الاقتصادية، والأسباب السياسية الأخرى.
ولتجاوز هذا الصراع ومسبباته لا بدّ من إيجاد هياكل مؤسسية وأُطُر تشريعية وقانونية، تكفل للشباب ضمان ممارسة حقوقهم والقيام بواجباتهم، وإيجاد آليات ووسائل تسمح للشباب بممارسة حقوقهم في مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع، وضمان مشاركتهم في الحراك المجتمعي المحلي، والسماح لهم بالدخول في سوق العمل على مستوى مختلف الأطر والأنساق، لا مجرد دخولهم تابعين فقط. ولضمان نجاح هذه النقاط لا بدّ من سنً قوانين وتشريعات تضمن نجاح هذه المشاركة وضبط مسارها، مع مراعاة عنصر المرأة هنا، كشريك فاعل في التنمية المستدامة، لا مجرد ملحق بالرجل، وبأرقام هامشية؛ لأن العقلية الذكورية لا تزال مسيطرة إلى حد كبير في الوطن العربي، وهذه الثقافة قضمت كثيرًا من حقوق المرأة.
الشباب العربي من التهميش إلى التمكين:
بعد أن قدم المؤلفُ عرضـًا مستفيضًا لمشاكل الشباب العربي قاطبة، وناقش مقدماتها وأسبابها، قدم حلولًا عملية لتجاوز المشكلة، منها تمكين الشباب على أكثر من صعيد، تمكينًا يشمل جميع الجوانب، مثل: التمكين الاجتماعي، والتمكين الاقتصادي، والتمكين السياسي، والتمكين التكنولوجي، والتمكين العلمي، وصولًا إلى التنمية الشاملة، بمفهومها الشامل في جميع جوانب الحياة، وفق إستراتيجية كبرى، تشكّل مدخلًا لجعلها برامج دائمة ومستمرة، ولا ترتبط بجداول زمنية محددة.
وتستند هذه العملية على برامج وآليات واقعية، قابلة للتنفيذ العملي، بعيدًا عن المثاليات المُحلّقة في عوالم اليوتيوبيا. ولا يمكن ربط مشاركة الشباب في الحياة السياسية بتسليمهم حقيبة وزارية هنا أو هناك، فالعبرة ليست بعدد الحقائب، بل بالمشاركة الفاعلة على مختلف الأصعدة، وفي تقديرنا فإن هذا يحتاج إرادة قوية من الشباب أنفسهم أولًا، لأن مسألة الحقوق في الغالب الأعم تُنتزع ولا تُوهب، ولن يحصل الشباب على حقوقهم ما لم يبادروا هم إلى أخذها واستلامها، لا الانتظار من أجل أن تصل إليهم.
أخـــــيرًا..
للبحث عن حق الشباب في الوطن العربي، لا بدّ من البحث عن الدولة أولًا، وهي الوعاء الشامل والحاضن للجميع، فالدولة بمفهومها العصري لا تزال غائبة عن الحضور في الوطن العربي، بل إن بعض الشعوب لا تزال تعيش حالة بدائية، من الممكن وصفها حالة ما قبل الدولة، كما هو الشأن في اليمن، والسودان، وليبيا، والعراق، بعد أن كانت هذه الدول قد قطعت مضمارًا لا بأس به في البناء الدولتي، وفي نمط مقبول إلى حدٍّ ما من أنماط الدولة العصرية، لكنها تراجعت كثيرًا إلى الخلف، لأسباب عدة متداخلة ذاتية وموضوعية، ليس هنا مجال بسطها.
إذن، فالشباب العربي اليوم أمام مسؤولية إيجاد الدولة أولًا، ومن ثم بنائها وفقًا لتطلعات المرحلة وتطلعات "الأجيال الرقمية الجديدة"، المنقطعة عن أجيالها السابقة، والمغايرة لها■