آخر تحديث :الأحد-09 مارس 2025-07:58ص

مجلة جرهم


المؤسسة العــــــــسكرية اليمنية منعطــفــــــات تـاريخـــــــــــــــــــية وسيـــــاسـيــــــــــــة

المؤسسة العــــــــسكرية اليمنية  منعطــفــــــات تـاريخـــــــــــــــــــية وسيـــــاسـيــــــــــــة

الجمعة - 14 فبراير 2025 - 01:43 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ عميد. عبدالرحمن الربيعي ــ باحث بالشؤون العسكرية والسياسية

تم تحقيق الوحدة الوطنية في اليمن في العام 1990م وكان الحزب الاشتراكي اليمني قد اشترط التعددية لكننا كنا نخشى حينها من انخراط المؤسسة العسكرية بالعمل السياسي سواءً بالتبعية أو بتمترس القوى السياسية خلف هذه المؤسسة الوطنية خصوصاً مع تباطؤ عملية الدمج بمرحلة ما بعد الوحدة، فقد ظل كلٌ من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي يسيطران سيطرة تامة على ما لديهما من قوات رغم دمج بعض المناصب القيادية العليا بوزارتي الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة وبعض دوائر وزارة الدفاع والتي شملت تقاسم المناصب القيادية.
ظلت القوات النظامية الفاعلة في الميدان بأفرعها الثلاثة: البرية، والبحرية، والجوية، كما كانت عليه قبل الوحدة، وكانت من حسناتها نقل بعض الوحدات العسكرية من الجنوب إلى الشمال والعكس، ويمكن الجزم بأن هذه الوحدات التي نقلت يوم 22مايو 1990م كانت هي السبب الرئيس للإبقاء على دولة الوحدة.
خطأ إشراك القوات المسلحة بالعمل السياسي:
بعد قيام الوحدة وإقرار التعددية السياسية حدثت عدة عمليات انتخابية برلمانية ورئاسية، وتم إشراك أفراد القوات المسلحة بإعطائهم الحق بالتصويت، رغم وجود قانون يحرم على منتسبي القوات المسلحة العمل الحزبي والذي يتناقض تماماً مع مبدأ إشراكهم بالتصويت في الانتخابات، وذلك لأن الانتخابات هي بالأساس تنافس حزبي محموم بين القوى السياسية إلا أن عدم تطبيق قانون منع الحزبية داخل الجيش وقيام الأطراف الحزبية بالاستقطاب المشرعن لأصواتهم عند كل عملية انتخابية زاد من توغل المؤسسة العسكرية بالعمل السياسي.
أزمة 2011م:
كانت أزمة 2011م واحدة من أشد وأخطر الأزمات السياسية التي شهدتها اليمن والتي لا تزال تأثيراتها وارتداداتها حتى اليوم، ونحن هنا لا نريد الخوض بالأسباب أو تحديد من كان على صواب ومن على خطأ فهذا موضوع آخر وشائك، وما يعنينا الآن هو التأثيرات السلبية والكارثية التي أدت إلى فقدان المؤسسة العسكرية مكانتها ودورها كمؤسسة وطنية حيادية تحفظ أمن الدولة والجمهورية عند حدوث الأزمات السياسية.
لكن للأسف وكما أسلفنا فإن مؤسسة الجيش كانت قد انخرطت بالعمل السياسي وتم تطويعها لحماية السلطة وليس لحماية الوطن، حتى القوى السياسية بالمعارضة كانت قد أوجدت لها أضلعاً قوية داخل هذه المؤسسة العسكرية فانقسمت على نفسها وهنا كانت الخسارة الفادحة فالكل خسر بمعادلة خاطئة وهي محاولة التمترس السياسي وراء مؤسسة الجيش.
سقوط الدولة وذوبان الجيش:
كان لأزمة 2011 م امتداداتها وتأثيراتها المباشرة للوصول إلى مرحلة سقوط الدولة وعاصمتها ، ومعها سقطت كل المؤسسات الحكومية وكان من أبرزها مؤسستي الجيش والأمن لانقلاب الحوثيين على الدولة، فبالرغم من حدوث انفراجة سياسية بدأت بالمبادرة الخليجية وانتهت بنقل السلطة لمرحلة انتقالية إلا أنه وللأسف الشديد خيمت على القوى السياسية النزعة الثأرية واستطاعت المليشيات الحوثية استغلال هذا الوضع المتأزم فتسللت بليل دامس حالك السواد للانقضاض على الدولة والجمهورية والتي كانت تعاني أزمة سياسية ونفسية غير مدركة لخطر الحوثيين وحجم قوتهم وتوغلهم بأهم مفاصل الدولة خصوصاً مؤسستي الجيش والأمن وكان يوم 21سبتمبر 2014م يوماً أسوداً بتاريخ اليمن الحديث.
ففي هذا اليوم انقضّ الحوثيون على العاصمة صنعاء ومعها كل محافظات الجمهورية بانقلاب دامٍ تجاوز كل التوقعات أمام تبلد وصنمية كل القوى السياسية والعسكرية والأمنية التي أصيبت بالتبلد وعدم رد الفعل فقد كانت كلها -سلطة ومعارضة- الكل ضد الكل، وكانت النتيجة الفاجعة الكبرى : دخول البلد بحرب دامية بين القوى المدافعة عن الدولة والجمهورية والشرعية الدستورية وبين المليشيات الحوثية التي استطاعت أن تسيطر على كل مؤسسات الدولة وأهمها الجيش والأمن وأجهزة الأمن القومي والمخابرات واستولت على كل الأسلحة والمخازن الإستراتيجية والقواعد و المطارات التي كانت بحوزة الجيش اليمني.
حول إعادة البناء والهيكلة
تخوض الجمهورية اليمنية ومنذ سقوط الدولة وعاصمتها بأيدي مليشيات الحوثي؛ حرباً قاسيةً ومريرةً على عدة جبهات ومحاور واستطاعت الدولة وبكفاح الشعب اليمني الرافض للانقلاب ومشروع الإمامة الكهنوتية أن تستعيد أجزاءً واسعةً من أراضي الجمهورية بكلفة عالية؛ لكن حتى اليوم ما تزال ملامح استعادة الجيش بقدراته وهياكله التنظيمية وبُناه التحتية والتسليحية بعيدة عن متناول اليد رغم كل الجهود التي تبذلها الحكومة الشرعية ووزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة.
يرجع ذلك لعدة أسباب منها:
أن هذا الأمر المتعلق ببناء المؤسسة العسكرية يتم تحت ضغط المعركة الدائرة بكل ربوع اليمن؛ ومنها أيضًا أن المعركة بحد ذاتها أفرزت عوامل مؤثرة سلباً على عملية إعادة البناء.
ومنها الضعف الاقتصادي الذي تعاني منه البلد.
وكذلك بروز مشاريع التجزئة والبلقنة بالقوى المنضوية تحت راية الجمهورية والحكومة الشرعية.
وأخيراً غياب الرؤية، وتراخي الدعم العربي أمام إعادة بناء القوات المسلحة وتزويدها بالعتاد والإمكانات التي تلبي احتياجات هذه المؤسسة.
وبخصوص إعادة هيكلة وتنظيم القوات المسلحة اليمنية اليوم فقد أصبح الأمر ضرورة ملحة أمام رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة، ووزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة، لما لذلك من أهمية خاصة ومطلب وطني ملح وغير قابل للتأجيل أو التسويف مهما كانت الظروف والصعاب والمبررات، فتحقيق الانتصار النهائي والحاسم على مليشيات الحوثي لن تتم إلا بجيش منظم ومدرب وموحد الهدف والعقيدة القتالية.
ولن تكون البلاد بأمان من كل المخاطر المحدقة بها إلا بوجود جيش وطني قوي، ولن تستطيع القوى السياسية والأحزاب والمجتمع ممارسة حياتهم ونشاطهم إلا بوجود ضامن حقيقي للأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي متمثل بمؤسسة عسكرية قوية، لذلك فالجهود منكبّة على ضرورة تنفيذ هذا المطلب الوطني وتجاوز كل المعوقات التي تحول دون ذلك مهما كانت الأسباب.
معوقات:
بدأت الجهود تنكب لإعادة بناء مؤسسة الجيش مع بداية الحرب في العام 2015م في ظل ظروف صعبة للغاية وعدد من المعوقات أبرزها:
عدم امتلاك الوقت الكافي لإعداد وحدات وألوية عسكرية نتيجة ضغط المعركة، بالإضافة إلى عدم توفر البنى التحتية الكافية مادياً وبشرياً.
عدم توفر الأموال والموارد الكافية لإدامة وتسليح الجيش.
ولكن رغم ذلك تواصلت الجهود لإيجاد وحدات عسكرية ولو بحدها الأدنى وتم التأسيس من الصفر لإيجاد عنصري القيادة والإدارة حيث أنشئت رئاسة الأركان العامة تلا ذلك قيادة وزارة الدفاع والهيئات والدوائر التابعة لهما.
مجلس القيادة وخطى الإصـلاحــات:
بدءًا من العام 2022م وبعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي لمست عملية بناء وتطوير القوات المسلحة تطوراً نوعياً لتشمل مجالات الهيكلة والإصلاحات الإدارية والمالية وإيجاد البنى التحتية والقاعدة المادية والبشرية للتدريب والتحديث ، حيث تم تشكيل لجنة عسكرية عليا من القادة والضباط من ذوي الخبرة والكفاءة وقطعت هذه اللجنة أشواطاً في مجالات عديدة يأتي في مقدمتها استيفاء المناصب القيادية لقيادتي وزارة الدفاع والهيئات والدوائر التابعة لها، وعلى وجه الخصوص توحيد الإدارة العملياتية للقوات المسلحة ومركز القيادة والسيطرة وتوحيد السيطرة العملياتية على كل الجبهات والمحاور والقطاعات العسكرية.
كما تم الاهتمام بالتدريب والتأهيل لكافة المستويات التكتيكية والتعبوية ودورات تدريبية شملت مختلف التخصصات العسكرية يأتي في مقدمتها إعادة افتتاح كلية القيادة والأركان بعدن، وكذلك افتتاح الكلية الحربية بعدن، وأيضاً افتتاح كلية الطيران والدفاع الجوي بمأرب، كما صدر قرار رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة الخاص بتوحيد العمل الاستخباراتي بالقوات المسلحة لما لذلك من أهمية خاصة، إلى جانب ابتعاث العديد من ضباط الجيش إلى أكاديميات وكليات ومعاهد عسكرية بالعالم.
واليوم تجري عملية الإصلاحات الهيكلية والإدارية والمالية على قدم وساق وبإذن الله تُؤتي هذه الجهود ثمارها وتتحقق الأهداف والغايات الوطنية بإعادة بناء مؤسسة عسكرية ذات قدرات عالية قادرة على استكمال تحرير ما تبقى من أرض الوطن من مليشيا الحوثي.
ويعول على هذه المؤسسة العسكرية أن تكون أداة للأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي وحماية للأرض والسيادة وصمام أمان للدستور والقوانين بعيدة عن أي مؤثرات سياسية أو حزبية أو مناطقية أو جهوية، فهي مؤسسة عسكرية وطنية سيادية ملك للشعب وفق دستور وقانون يحمي هذه المؤسسة من كل الاختراقات أو الاستقطابات أينما كانت، مستفيدين من كل تجارب الماضي.
اليوم وبلادنا تعيش مراحل التحولات السياسية والعسكرية يطرح السؤال ما هو حجم ونمط الجيش الوطني الذي نريده وهل استحضرنا مراحل التاريخ اليمني الحديث خصوصاً من ثورتي سبتمبر وأكتوبر لكي تتوقف عندها كل الأخطاء والمغامرات غير المحسوبة والتي جعلت مؤسسة الجيش جزءًا من السياسة وصولاً إلى أحداث 2011م وما تلاها من أحداث أدخلت البلاد في أتون الحرب وضياع الدولة والجمهورية بسبب افتقادنا إلى مؤسسة عسكرية وطنية وللإجابة على هذا السؤال نقول أنه لا بد من توفر عدة شروط، منها:
لا بد من توفر إرادة سياسية عند كل القوى السياسية سلطة وأحزاب وتنظيمات وتكوينات سياسية ومجتمعية وقبلية، ذلك أنه ما لم يقتنع الجميع بضرورة وجود مؤسسة عسكرية وطنية جديدة وجيدة تعمل وفق الدستور والقوانين المنظمة للخدمة العسكرية بعيدة عن التأثيرات الجانبية الحزبية وغيرها بحيث تكون هذه المؤسسة العسكرية هي صمام الأمان والاستقرار والسلم الاجتماعي للبلد والشعب وقواه السياسية.
وللوصول إلى تحقيق ذلك لابد من توفر الشروط الموضوعية المبنية على حقائق التاريخ ومتطلبات الحاضر واستشراف المستقبل وهنا نجد أنه من الضروري وضع بعض الرؤى التي يمكن أن تسهم بتحقيق الغايات المرجوة وسوف نتناولها من زاويتين سياسية وعسكرية:
الجانب السياسي:
على القيادة السياسية ممثلة برئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة وقيادة وزارة الدفاع وضع التصور السليم والقابل للتطبيق لإعادة بناء مؤسسة عسكرية وطنية جديدة ويمكن أن يكون ذلك على مرحلتين وهما كالتالي:
الأولى: التخطيط الإستراتيجي لاستكمال تحرير ما تبقى من أراضي الجمهورية وعلى رأسها العاصمة صنعاء من أيدي مليشيات الحوثي الانقلابية باعتبارها أولوية قصوى وملحة غير قابلة للتأجيل.
والثانية: وضع تصور دقيق لكيفية إعادة بناء مؤسسة عسكرية وطنية تحقق الأهداف والغايات التي أنشئت من أجلها ومتجاوزة لكل أخطاء الماضي من خلال المواءمة بين القدرات الاقتصادية للدولة والحاجة إلى جيش نمطي محدد القوام البشري والمادي مع الأخذ بأفضل التجارب الناجحة بالعالم العربي.
إعادة هيكلة الجيش من حيث الوظائف والمهام وفق ملكات مستوفاة لكل الوحدات والأولوية والمناطق العسكرية.
إعادة النظر بالقوانين والأنظمة المنظمة للخدمة بالقوات المسلحة وبما يضمن حياديتها وعدم تبعيتها لأي حزب سياسي، وتوزيع استمارات لكل الضباط والصف والجنود يتعهدون فيها بتخليهم عن الانتماء لأي مكون سياسي ويوقعون عليها وتكون ضمن ملفاتهم.
وإذا ما تحقق ذلك كله يتم بعدها العمل على توحيد المستحقات المالية لتكون متساوية بجميع وحدات وأفرع وإدارات الجيش.
الجانب العملياتي:
يعتبر الجانب العملياتي ذا أهمية خاصة في الوقت الراهن فلا بد أن يكون على هيئة الأركان العامة والعمليات الحربية بصفتهما الهيئات التنفيذية الميدانية للجيش؛ التخطيط والتنفيذ للأعمال القتالية بمستوياتها الثلاثة التكتيكية والتعبوية والإستراتيجية وذلك بالعمل على:
توحيد هيئة العمليات، والسيطرة على كل أفرع القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية، ورسم الخرائط الجغرافية لمسارح العمليات الدفاعية والهجومية.
توزيع مسارح العمليات القتالية للمجهود العملياتي القتالي الهجومي والثانوي والاحتياطات اللازمة مع ضمان القيادة والسيطرة، وتنظيم التعاون الكامل ما بين الوحدات والمحاور والمناطق العسكرية؛ بحيث تعمل بسمفونية واحدة بعصا مايسترو واحد.
توحيد الهيئات والدوائر التابعة لوزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة.
تفعيل دور وعمل الاستطلاع التعبوي والإستراتيجي، وكذلك الاستخبارات العسكرية، وتوفير المعلومات الصحيحة لصانع القرار.
مواصلة أعمال التدريب والتأهيل بكافة الأفرع والتخصصات القتالية.
تعزيز الانضباط العسكري، وتفعيل دور القضاء العسكري، والإسراع بتوحيد قاعدة البيانات، ونظم المعلومات بكل الدوائر العسكرية■