آخر تحديث :الأحد-09 مارس 2025-07:58ص

مجلة جرهم


تحديات الإدارة الرشيدة للمــوارد في اليمـن

تحديات الإدارة الرشيدة للمــوارد في اليمـن

الجمعة - 31 يناير 2025 - 03:57 م بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ د. عبدالقادر أحمد العواضي ـ خبير اقتصادي ـ اليمن

تمتلك الجمهورية اليمنية موارد وثروات لا حصر لها، بالإضافة إلى مقومات اقتصادية عديدة ومتنوعة، من غير النفط والغاز، وتنتشر هذه الموارد في جميع محافظات اليمن، شماله، وجنوبه، وتشكّل معًا حالة من التشابك والتكامل الفريد، في حالة ما استقر الوضع السياسي، وتحقّق سلام دائم، وحكم رشيد، بإدارة اقتصادية وطنية مؤهلة، تحمل همّ التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة والمستدامة، بهدف إخراج اليمن من حلقة التخلف والفقر والفشل، إلا أن مسألة استغلال وإدارة تلك الموارد، تواجهها مجموعة من التحديات والصعوبات، إذا ما تم التغلب عليها يمكن الوصول باليمن إلى مصاف الدول الغنية.
لمحة تعريفية:
اليمن بلد واعد بالخيرات، والموارد الاقتصادية الطبيعية الهامة، وكذلك الموارد البشرية المؤهلة، حيث تتوفر فيه العديد من الثروات والخيرات التي لم تستغل اقتصاديًا حتى الآن، لاسيما في مجال الثروة المعدنية المختلفة (النفط والغاز والمعادن)، إضافة إلى الثروة السمكية؛ كما تمتلك الجمهورية اليمنية 182جزيرة أهمها: جزيرة كمران، وزقر، وحنيش الكبرى، وحنيش الصغرى في البحر الأحمر؛ وجزر سقطرى، وعبد الكوري، ودرسة، وسمحة، في البحر العربي؛ كما أن الثروة السمكية تعتبر من أهم الثروات الطبيعية المتجددة، ومصدر هام للدخل القومي.
يمتلك اليمن شريطًا ساحليًا يبلغ طوله أكثر من 2000 كم يمتد ابتداءً من الحدود اليمنية- العمانية في بحر العرب وحتى منتهى الحدود اليمنية- السعودية في البحر الأحمر، ويعتبر هذا القطاع من القطاعات الاقتصادية الواعدة؛ حيث يوجد في المياه الإقليمية اليمنية 400 نوعًا من الأسماك، والأحياء البحرية الأخرى مما يؤهلها لأن تكون دولة رئيسة في إنتاج الأسماك في المنطقة، وبالتالي فإن القطاع السمكي يعتبر من أهم القطاعات الرئيسية والمهمة للاقتصاد اليمني، وتتراوح نسبة مساهمة قطاع الأسماك في الناتج المحلي ما بين (1-2%)، وتقدر القيمة المضافة المتولدة فيه بحوالي 21 مليار ريال وفقًا لآخر الإحصاءات.
وفي القطاع الزراعي تمثل المساحة المزروعة في الجمهورية اليمنية ما نسبته 90% من إجمالي المساحة الصالحة للزراعة، ويساهم قطاع الزراعة بنسبة تتراوح بين (5%-10%) من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، ويُعتبر القطاع الزراعي أكثر القطاعات الاقتصادية استيعابًا للعمالة، حيث يستوعب حوالي 54% من إجمالي القوى العاملة ومصدر دخل لأكثر من 70% من السكان.
ويُعَدُّ قطاع النفط أحد القطاعات الإنتاجية الأساسية، ويتركز استغلال الموارد النفطية في عدد من محافظات الجمهورية، أهمها: محافظات(مأرب-شبوة-حضرموت)، ويساهم هذا القطاع بنسبة تتراوح بين (30%-40%) من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، كما يسهم بأكثر من 70% من إيرادات الموازنة العامة للدولة ويمثل أكثر من 90% من قيمة الصادرات اليمنية.
كما تمثل الصناعة إحدى المكونات الرئيسية للاقتصاد الوطني، ولا يزال هذا القطاع متراجعًا، رغم توفير جميع المستلزمات والمواد الأولية اللازمة للتصنيع، بالإضافة إلى وجود انخفاض أجور العمالة، وتساهم الصناعة بنسبة تتراوح بين (10-15)% باستثناء الصناعات النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، ومن حيث مساهمة هذه الصناعات في الناتج المحلي الإجمالي، تأتي الصناعات الغذائية في المرتبة الأولى، ثم الصناعات الإنشائية، وأهمها: الإسمنت، ثم منتجات التبغ، والمعادن، هذا باستثناء الصناعات النفطية مما يعكس ضعف القاعدة الإنتاجية، وعدم تنوعها .
خصّ المولى سبحانه وتعالى اليمن بتضاريس متنوعة، ترسم لزائرها لوحةً شاملةً وخلابةً وخارطةً طبيعيةً بديعة، مما يضفي على اليمن تميزًا، وخصوصية، لما تمتلكه وتتميز به عن كثير من البلدان، وتعد السياحة في اليمن من القطاعات الواعدة، فاليمن مهد الحضارات، ويمتلك مقومات سياحية متنوعة، ففيه من التاريخ ، والآثار، والموروث الثقافي، والمقومات الطبيعية، ما يجعله بلدًا سياحيًا متميزًا، ومما يشهد على ذلك تنوع العمارة الذي يجعلها تقدم نماذج رائعة لفنون معمارية ليس لها نظير في العالم، وامتلاكه لشريط ساحلي متنوع، هو الآخر، وفيه أماكن للاستجمام ورياضة الغطس، حيث يمتد هذا الشاطئ على البحرين: العربي والأحمر، كما تمتلك اليمن جزرًا وأرخبيلات تتمتع بمقومات الطبيعة الساحرة.
أضف إلى ذلك، المنطقة الحرة - بوابة اليمن الاقتصادية، التي تم الإعلان عنها في مدينة عدن، بأنها منطقة حرة في العام 1991م، وصدر القانون الخاص بالمناطق الحرة في العام 1993م، – حيث تمثل نقطة التقاء قارتي آسيا وأفريقيا وتكتسب أهميتها الإستراتيجية من ميزة الموقع الخاص لميناء عدن الجغرافي، كونه يقع مباشرة على الطريق التجاري الرئيسي حول العالم، ومن الشرق الأوسط إلى أوروبا وأمريكا، ويتميز بإمكانية توفير خدمات الترانزيت إلى شرق أفريقيا، والبحر الأحمر، وشبه القارة الهندية، والخليج العربي، وتمثل منطقة تخزين وتوزيع مناسبة لأفريقيا، والبحر الأحمر، والخليج العربي.
كما أن أحد أفضل الأصول الكامنة في اليمن هي طبقة رواد الأعمال الذين استطاعوا اجتياز عقودٍ من الاضطرابات السياسية والاقتصادية؛ وتحيط باليمن أسواق مرتفعة الدخل، وتجمعها به الروابط والوشائج الثقافية، كما أن هذه الأسواق تستورد معظم سلعها الاستهلاكية، وإذا توفرت مقومات السلام، والاستقرار، والاستثمارات الكافية، وتضافرت العوامل الخاصة بوجود قطاعٍ خاص قادر على الصمود، وطائفةٍ متنوعة من أسواق الصادرات التي تتوفر لها مقومات الاستمرار؛ فقد يسهم ذلك في تحقيق تعافٍ عريض النطاق، بقيادة قطاع التصنيع الزراعي، وقطاع الصناعات التحويلية الخفيفة في اليمن.
تحديات وعوائق:
تعاني اليمن من تدني في القدرات الإدارية والمؤسسية كنتيجة لغياب، أو ندرة الكوادر الإدارية اللازمة، أو التهميش المتعمد لتلك الكوادر، وكذلك ضعف الممارسات الإدارية وتعقيداتها، وضعف حماية حقوق الملكية، وعدم سيادة القانون، وانتشار الفساد، وهكذا، فإن مسألة استغلال، وإدارة الموارد والثروات المتعددة، وتوفير القدرات والمهارات الإدارية اللازمة، للمتابعة والتقييم، في ظل ندرة المهارات والكوادر البشرية اللازمة، (تمثل التحدي الأكبر) عائقًا أمام قدرة الدولة على استيعاب المزيد من تدفقات المعونات، ومثال ذلك، أنه إذا ما تم توجيه نوع من المساعدات في صورة أدوية، فلن تتحقق الاستفادة من تلك الأدوية ما لم تتوافر المهارات الطبية اللازمة لاستخدام ووصف تلك الأدوية للمرضى، ويمكن العمل على توفير المهارات البشرية اللازمة في الدولة، من خلال توجيه المزيد من المعونات إلى الاستثمار في قطاعات التعليم والصحة، بالإضافة إلى قيام الدول المانحة بتقديم المزيد من المساعدات الفنية في صورة برامج تدريبية، تتلاءم مع احتياجات ومتطلبات اليمن؛ وتسبب عامل المهارات البشرية في الكثير من النتائج السلبية وفي إنجاز الأنشطة الخاصة في الكثير من المشروعات بسبب غياب أو نقص الكوادر المؤهلة، الأمر الذي يؤثر بشكل على مخرجات أغلب المشروعات، نظرًا لأن القائمين على تلك المشروعات لا تتوفر لديهم المهارات والخبرات اللازمة لإدارتها.
وتشير معظم المشكلات إلى نزوع نحو المركزية المفرطة في اتخاذ القرار، كما أنها تشير إلى ضعف الإجراءات في المؤسسات الحكومية، الأمر الذي يستلزم على الحكومة اليمنية الانخراط في الإصلاح الإداري، ومدى الحاجة إلى إجراء تغييرات جدية في هيكل وممارسات الإدارة العامة.
حصل اليمن على المرتبة 158 عالميًا، والخامس عربيًا، من بين 174 بلدًا حول العالم، تم تقييمها بحسب مستويات الفساد من قبل منظمة الشفافية الدولية، حيث يعد أحد القضايا التي إذا ما تُركت دون علاج يمكن أن تؤدي إما إلى عدم الكفاءة في صرف الأموال، أو الصرف المحدود، أو خلق آليات للتمويل، قد تستهلك قدرًا كبيرًا من الموارد وتؤدي إلى إضعاف قدرة الحكومة على المدى الطويل.
بالإضافة إلى تفشي المحسوبيات في الهيكل الحكومي، الأمر الذي يعزل المؤهلين المتواجدين خارج دائرة النخبة، في حين يشغل العديد من غير الأكفاء مناصب رئيسية في الخدمة المدنية بسبب انتماءاتهم الحزبية وصلاتهم القبلية، ويعيق مثل هذا الهيكل التوظيف على أسس الجدارة ويشجع على الفساد؛ وغالبًا ما يُحبط الشباب وموظفي الخدمة المدنية المستقلين والذين يظهرون بوادر الكفاءة في مؤسساتهم نتيجة للمنافسة الداخلية على وظائف الخدمة المدنية.
علاوة على ذلك، تنتشر ثقافة الإفلات من العقاب في اليمن، الأمر الذي يحبط جهود التغيير والإصلاح، ونادرًا ما توجد عقوبات لمرتكبي المخالفات في الحكومة، فقد فشلت الحكومة اليمنية بشكل منتظم في معالجة الجرائم كبيرها وصغيرها، ويشمل الإفلات من العقاب عدم المساءلة عن انتهاكات مختلفة وإجراءات إدارية عشوائية، وعدم احترام سيادة القانون، وتجبر هذه الثقافة المانحين على فرض إجراءات وصاية أكبر، كما أنها تزيد من تدخلاتهم.
في مواجهة التحديات:
تعتمد كفاءة استخدام استغلال الموارد وقدرتها على تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي في الدول، وبما يساعدها في استيعاب الأموال، على مدى توفر مناخ اقتصادي ملائم، وبرامج إصلاح اقتصادية وطنية نابعة من احتياجات الدولة، وتوفر الحكم الصالح القائم على الشفافية والمساءلة؛ ويمكن تبني سياسة تحديد الأولويات على الصعيد الجغرافي والقطاعي مع وضع نظام لتحليل ودراسة وتقويم الآليات اللازمة لاستغلال تلك الموارد بكفاءة واقتدار وفقًا للآتي:
أ-تحديد الأولويات:
ويتم ذلك بالاستناد على مبدأ الاحتياج والاستحقاق في وقت واحد، حيث يتم تحديد أولوية المشروعات الأكثر احتياجًا وممارسة سياسات تنموية واقتصادية فعالة وعقلانية، وذات إدارة عامة رشيدة وكفؤة، وبما يضمن حسن التصرف بالموارد، مما يعني ضرورة وجود بيئة ملائمة أهمها ما يلي:
وجود بيئة سياسية مستقرة.
وجود برنامج للتنمية محدد وواضح المعالم.
وجود استقرار في التشريعات.
وجود سياسات اقتصاد كلي سليمة.
ب-تحديد أولويات القطاعات المستفيدة:
ويستند هذا التحديد على رؤية واحتياجات الدولة، وبناءً على معايير التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كالتركيز في إستراتيجيتها التنموية على تطوير الزراعة، أو تنمية الصناعة، أو محاربة الفقر والأمية وحماية البيئة، أو على تطوير قطاعي: الصحة والتعليم.
ج-التنسيق بين الحكومة والقطاعات المختلفة:
ويجري ذلك طبقًا لبرنامج شامل تشارك فيه الجهات كافة، وتدعم فيه جهود الحكومة، والمؤسسات التابعة لها، مع القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني المعنية، والمنظمات الدولية في التنمية، من خلال رفع كفاءة الأداء الحكومي، وتشجيع عمليات الخصخصة، وتشجيع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وتوفير خدمات البنية التحتية، وزيادة الاستثمار في رأس المال البشري والمعرفي.
د-وضع نظام لتحليل ودراسة وتقويم الآليات والسياسات الاقتصادية والاستفادة من التجارب:
ويتم ذلك عن طريق توفير قاعدة معلومات وبيانات دقيقة وتفصيلية عن تجارب الدول المتقدمة، والتي قطعت أشواطًا كبيرة في عملية التنمية، واستغلال مواردها، وثرواتها وتوزيعاتها على الصعيدين الجغرافي والقطاعي، سواءً على المستوى الحكومي أو غير الحكومي، وتحليلها، ثم إجراء تقويم دوري حول دور وفاعلية وكفاءة تلك السياسات ومدى مواءمتها للواقع العملي في الجمهورية اليمنية.
المستقبل:
ترتبط الآفاق الاقتصادية بشكل أساسي بمسألة الاستقرار وطبيعة شكل الدولة القادمة، لأن ذلك يتطلب تقديم حلول عادلة فيما يخص تقاسم السلطة والثروة، وتحقيق سلام عادل، والعمل وفق مبادئ الحوكمة والحكم الرشيد، لأن ذلك هو الحل الوحيد والأنجح في تحقيق تحسن في النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية.
خلاصة:
نحن بحاجة- كدول نامية- إلى ملاحقة التطورات السريعة التي تحدث في مجال التنمية، وفى مجال إدارة موارد وثروات الدولة، حتى نستطيع تعظيم الاستفادة مما هو متاح منها، فحقل إدارة الموارد هو حقل ديناميكي يشهد الكثير من التطورات والتغيرات المتتابعة والمستمرة ويتأثر ويؤثر دومًا فيما يحدث على الساحة السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والتغيرات التي تم رصدها تمثل بعض من أهم ملامح العمل في وقتنا الحالي، ولا نستطيع أن نكوّن رأيًا متفائلًا او متشائمًا بصدد إدارة الموارد وسياساتها وآلياتها.
أيضاً إدارة العملية التنموية في اليمن لابد أن تدرك تمامًا أهمية تبني سياسة إستراتيجية في التعرف على اللاعبين الرئيسيين في المجتمع من السياسيين، والقيادات الإدارية العليا، والقيادات التقليدية، والذين من المرجح أن يكونوا إما عامل دعم، أو إعاقة لعملية رسم وتنفيذ الخطط والسياسات التنموية المتعلقة بإدارة الموارد، فعملية الإصلاح والتغير عادةً ما تفرز ما يسمى بصراع المصالح نتيجة لخوف اللاعبين الرئيسين في المجتمع من الخسارة المادية أو المعنوية، والخشية من فقدان السلطة أو المصالح المكتسبة المرتبطة بالوضع الحالي القائم، وبذلك قد يُبدون مقاومة شديدة للتغيير، أو قد يعملون على توجيه البرامج القادمة من الخارج بما يخدم الوضع القائم.
وسيكون من المفيد في هذا السياق تصميم بعض البرامج لتهيئة هؤلاء الأشخاص لتقبل التغيير، والتأكيد بعدم فقدانهم مصالحهم، وتطوير معارفهم ومداركهم لمرحلة ما بعد التغيير، فأيّ تجاهل لهؤلاء الأشخاص قد لا يخدم العملية التنموية في سياق اليمن، ولابد أن يتم إشراكهم بعد تهيئتهم وفقًا لضوابط محددة في عملية تخطيط ورسم وتنفيذ المشروعات الإنمائية في كل المستويات الحكومية. ولهذا؛ فخطة التنمية كي تنجح تتطلب حشد قوى اجتماعية مختلفة، والتخطيط على المستوى القريب والبعيد، منها ما يعتمد على إصلاح آليات مؤسسات دعم القرار، وتدريب القيادات، وعدم الاستكانة للأسماء الكبيرة، والثقة بنتائجها، وأن يكون الإشراف السياسي كبيرًا، وعدم الرضوخ لحالات فشل مؤقتة، وجدية محاربة المصالح والفساد، وإعادة تشكيل المصالح بأشكال جديدة حضارية، ومن دون ذلك، فمن المستحيل التأكّد من أن اليمن ستكون قادرة على تطوير قدراتها الذاتية لتحقيق النمو الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي في المستقبل، غير ذلك، يمكن القول أن الجهود الدولية المستقبلية لمساعدة اليمن قد لا تكون أكثر فاعلية كسابقتها ■