آخر تحديث :الأحد-09 مارس 2025-07:58ص

مجلة جرهم

تجارة بالملايين .. الطـب الشعــبي بـين الحقيقـة والخرافة

الأربعاء - 29 يناير 2025 - 10:48 م بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ رفيق الرميش ــ كاتب صحفي

يسود اعتقاد لدى كثير من الناس أن الأعشاب الطبية قادرة على علاج كثير من الأمراض التي تصيب الإنسان، وأنها آمنة جداً ولا أخطار منها على الجسم، فما صحة هذا الاعتقاد ؟، وما مخاطر النباتات والأعشاب الطبية ؟، وهل هي بالفعل آمنة جداً؟
عرف الإنسان التداوي بالأعشاب عبر التاريخ بدءاً من الثقافات الهندية واليونانية والمصرية والصينية وانتهاءً بالعربية والإسلامية، وهذه الحضارات تعتبر الأعشاب الشائعة بمنزلة مشروبات صحية مفيدة للجسم، إلا أنه ومع تقدم العلوم والأبحاث والمختبرات زادت الشكوك حول قدرة هذه الأعشاب على القضاء على كل الأمراض أو الوقاية منها خصوصا في حالات الأمراض المزمنة.
وعلى الرغم من الفوائد العديدة للتداوي بالأعشاب إلا أن هناك الكثير من الخرافات والمبالغات التي انتشرت حالياً في هذا المجال، فكثير من البائعين والمروجين لهذه المنتجات يطلقون ادعاءات مبالغ فيها عن قدراتها العلاجية دون وجود أدلة علمية كافية لتأييد تلك الادعاءات.
أصبح التداوي بالأعشاب الطبية مهنة من لا مهنة له في ظل غياب الأبحاث والدراسات الرسمية حول هذه المهنة، بالإضافة إلى غياب الرقابة الحكومية وهو ما ساعد في فتح المجال أمام المئات من الدخلاء لفتح مراكز للأعشاب الطبية، ومنافسة المستشفيات في استقطاب المواطنين الراغبين في الحصول على وصفة طبية تريحهم من آلامهم.
وتؤكد العديد من الدراسات الطبية أن استعمال الأعشاب الطبية على غير بصيرة ودون متابعة الطبيب يمثل خطراً كبيرًا على صحة الإنسان، وأن استخدام العديد من الأعشاب بدون تقنين قد تُسبب أمراضاً خطيرة ومزمنة مثل السرطان وغيره ، وينصح الأطباءُ المرضى بالابتعاد عن هذه الأعشاب واللجوء إلى الطب ، ويشير الأطباء إلى أن تناول بعض منتجات الأعشاب الطبية للزيادة في الوزن أو النقص منه أو للتداوي من بعض الأمراض يمكن أن يسبب الفشل الكلوي أو السرطان ، كما أن بعض الأعشاب التي تستعمل في علاج الالتهاب الكبدي ، تسبب أمراضاً خطيرة غير محسوبة العواقب.
استخدام خاطئ
يؤكد بعض الأطباء وجود حالات وفاة نتيجة سوء استخدام التداوي بالأعشاب، وغالباً ما تؤدي الأعشاب إلى الإصابة بالتسممات، وتكمن الخطورة في تفاعل مكونات الأعشاب بسبب خلطها خاصة مع الجهل وغياب الدراية بمكونات النبتة وطريقة إعدادها واستهلاكها؛ فالأعشاب الطبية لها فوائد معروفة.. ولكن يؤكد الأطباء أن الطرق التي يتم بها توصيف وتناول الأعشاب خاطئة؛ فلا بد أن تخضع لأسلوب علمي، ودراسات وتحاليل كي تتم فائدتها ؛ مع تحديد الجرعة المناسبة للمريض.
وأكثر الدول استخداماً للأدوية والأعشاب بطريقة عشوائية هي الدول النامية ذات الثقافات المتدنية حيث يتم استخدام الأعشاب دون فحص وربما بمجرد روايات شعبية قد تلحق بهم أضراراً صحية بالغة؛ وهناك أعشاب طبيعية سامة وقاتلة إذا لم تضف بطريقة مدروسة ومجربة.
تجارة قائمة على التضليل
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في عام 2013.. ينفق الأميركيون فقط ما يُقدّر بنحو 5 مليارات دولار سنوياً على المكملات العشبية غير المثبتة علمياً بدرجة كافية، والتي تَعِد بكل شيء بدءاً من محاربة نزلات البرد، مروراً بمعالجة الأمراض المزمنة، ووصولاً إلى الوعد بتقوية الذاكرة وتعزيز القدرات الذهنية.
وفي البلدان العربية تحولت العديد من مراكز الأعشاب إلى عيادات للكشف والتشخيص وممارسة الطب من جانب أشخاص ادّعوا تخصصهم في العلاج بالطب البديل وحصدت هذه الفئة أمام ضالة المرضى المال الوفير من خلال ادعاءات غير صحيحة نشرت أباطيلها بعض الفضائيات وصفحات التواصل الاجتماعي.
وأصبحت تلك المراكز تمارس عمليات النصب والاحتيال على المواطنين، وتحولت إلى مجال للاستثمار والتكسب؛ خصوصاً تلك التي تزعم علاج كل أنواع الأمراض بما فيها السرطان والأمراض المستعصية، ويقع البسطاء فريسة للتأثير الإعلامي.
حلول سحرية
كل ما يرد في الإعلانات الخادعة لمراكز بيع الأعشاب من الألف إلى الياء يتعلق بصحة الإنسان وسلامته وتأكيد شفائه التام من كافة الأمراض المستعصية؛ ويُسوق التداوي بالأعشاب وبلسعات النحل وبول الإبل وغيرها من طرق التداوي الشعبية الموروثة، على أنها حل سحري لكل الأمراض المُستعصية، حتى أن الأمر بلغ بمُروّجي هذا النوع من الزيف حدّ ادعاء معالجة أمراض لا يعرفون عنها غير الاسم.
ومن الأشياء التي يستند إليها مروجو هذا النوع من التداوي أنه لا يستخدم إلا مواد طبيعية ليست لها أعراض جانبية على خلاف الطب الحديث الذي يستخدم مواد كيميائية.. إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك إذ أنه يؤكد أن لكل الأعشاب والمواد الداخلة في الطب الشعبي تركيباً كيميائياً؛ موضحاً أن جمعها بصورة طبيعية لا يعني على الإطلاق أنها ليست كيميائية أو أنها خالية من الأعراض الجانبية.
وتخضع العلاجات الطبية الحديثة لتجارب تتدرج على ثلاث أو أربع مراحل وتستغرق وقتاً طويلاً بهدف تقييم خطرها وآثارها الجانبية؛ ولا تسلّم الترخيص بالتداول إلا عند الاطمئنان لمحدودية أثرها الجانبي على البشر.
أحد الأطباء اليمنيين يدعى: محمود أحمد السهلي أخصائي باطنية في تصريحات صحفية سابقة لمنصة عوافي يكشف المغالطات التي يقوم بها تجار الأعشاب حيث يؤكد بأن الوصفة ذاتها تقدم ـ غالباً ـ لجميع المرضى ممن يزورون هذه العيادات والمراكز ؛ رغم أنهم يعانون من أمراض مختلفة ؛ مؤكداً بأن استخلاص المواد العلاجية من النباتات تحتاج إلى بحوث ودراسات ومختبرات علمية متخصصة، وليست عملية عشوائية.
ويختتم حديثه بالتنبيه إلى أن أصحاب عيادات ومراكز طب الأعشاب ينشرون أوساط الناس أن الأدوية الطبية التي تباع في الصيدليات تحتوي على مواد كيميائية تضر بصحتهم، وتترك مضاعفات خطرة على أجسادهم؛ بينما التداوي بالأعشاب الطبيعية هو الأفضل، ويحثونهم على عدم الذهاب للمستشفيات والمنشآت الطبية حد قوله .
تحذيرات الخبراء
ويحذر الخبراء من الإسراف في تناول تلك الأعشاب دون استشارة الطبيب.. فقد حذر المركز الوطني للصحة التكاملية في أمريكا من الإسراف في تناول بعض الأعشاب التي تباع في الأسواق وتستخدم في المنزل مثل عشبة سانت جورج؛ لما قد تسببه من مخاطر صحية كبيرة.. وتستخدم هذه النبتة منذ القدم لتخفيف أعراض الاكتئاب كما يستخدم الزيت المستخرج منها في المساعدة على التئام الجروح وعلاج الأكزيما.
ولكن حسبما أكد المركز في موقعه على الإنترنت فهذا العشب يمكن أن يكون له تفاعلات خطيرة مع عدد كبير من الأدوية بسبب تأثيره على الكبد والطريقة التي يستقبله بها.. فمن الممكن أن يقلل هذا العشب من فعالية الدواء، ولكنه قد يجعل أيضاً تأثيره أقوى من اللزوم.
ومن الممكن أن يسبب الإسراف في تناول الأعشاب ضرراً كبيراً للكبد أو الكلى بسبب تفاعلها مع العقاقير الأخرى.
وتؤكد الدكتورة إحسان علي ـ بمركز خدمة الاستقبال والإرشاد في بيفرلي هيلز ـ : أنه يجب على أي شخص استشارة طبيبه أولاً قبل تناول الأعشاب المنزلية فليس بالضرورة أن تكون كلها آمنة ومفيدة ؛ كما حذرت في حوارها مع موقع «ريدرز دايجست» من عدم التأكد من صلاحية تلك الأعشاب ومن تناول مكملات الأغذية العشبية غير الحاصلة على موافقة إدارة الأغذية والعقاقير ؛ حيث أنه ربما يكون لها العديد من المخاطر المحتملة والآثار الجانبية.
الخبراء في المجال الطبي في اليمن وعلى رأسهم نقيب الصيادلة في اليمن ورئيس المجلس الطبي السابق الدكتور فضل حراب في تصريحات لمنصة عوافي يصفون من يمارسون هذا العمل بـ الدجالين، الذين يبيعون الوهم من خلال خلط بعض الأدوية والدهانات الخاصة بالالتهابات والروماتيزم ومسكنة الأوجاع بزيوت وعسل وفازلين، ويوهمون الناس أنها أدوية مستخلصة من أعشاب طبية، وينسبون لأنفسهم براءة اختراعها، ويبيعونها بأسعار باهظة.. بينما لا يمتلكون معامل أو مختبرات ليستخلصوا منها المواد الفعالة؛ لذلك فهم منتحلون للمهنة يقومون بتجاربهم على الناس، وهذه جريمة إضافية لأنهم يستخدمون الإنسان كحقل تجارب”.
يؤكد الخبراء بأن الحصول على تركيبة دواء نافع يتطلب تجارب طويلة ومكلفة؛ ليكتشف العلماء مواد كيميائية، أو عضوية محددة؛ ولا يتم تسجيله إلا بعد خضوعه لعشرات من شروط التسجيل والاختبارات؛ بما فيه فحص محتوى كل عينة، واسم المواد الفعالة، وطرق استخداماتها، والأعراض الجانبية التي قد تسببها.
ويدخل الثوم أيضا في فصيلة الأعشاب التي ربما تؤدي إلى حرقة المعدة والغازات؛ إذا تم تناوله مع الوارفين حسب ما أوضحه الخبراء في موقع «فيري ويل».
وحذر الخبراء أيضاً من تناول عشب «دونغ كواي» الصيني الذي يستخدم لعلاج حالات سن اليأس لدى النساء حيث يعمل على تنظيم الهرمونات؛ كما يستخدم أيضا لعلاج الأرق والربو وارتفاع ضغط الدم؛ ولكن تناوله مع بعض العقاقير ربما يسبب سيولة في الدم ؛ وينصح الخبراء بالامتناع عن تناول عشب الدون كواي أثناء فترة الحمل واستشارة الطبيب المتخصص قبل تناوله.
ومن الأعشاب الضارة أيضاً عشب كافا كافا الذي أثار ضجة عندما قررت السلطات الصحية الأمريكية حظر استعماله.. ويستخدم هذا العشب في علاج الروماتيزم والتهابات الكلى والأرق؛ ويؤدي استخدامه مع بعض عقاقير علاج القلق إلى حدوث حالات إغماء؛ ويضيف الخبراء أنه ربما يتسبب في ظهور حالات تشنج عضلي وحركات لا إرادية عند المصابين بمرض باركنسون.
أعشاب مفيدة
رصدت مجلة جرهم تصريحات صحفية سابقة لخبراء وباحثين في المجال الطبي لمواقع ومنصات صحفية ويقول هؤلاء «أنه عندما ننظر لطرق شهيرة للعلاجات البديلة كالأعشاب مثلاً فهناك بالفعل أعشاب معينة مثل الكركم والزنجبيل ثبت علمياً أنها تقلل من نشاط الالتهابات الروماتيزمية، ولكن هذا يتم بجرعات معينة فعادة لا يكفي ما يتم وضعه منها بشكل معتاد في الطعام أن يكون له تأثيراً علاجياً ملحوظاً.
يشير الباحثون إلى أن العسل يحتوي أيضا على مضادات للأكسدة ومضادات للالتهاب قد تفيد في أمراض الروماتيزم، وهناك بعض الدراسات أيضا لزيت الزيتون أشارت لوجود بعض الفعالية في استخدامه لاحتوائه على المركبات الفينولية المانعة لمسببات الالتهاب بالجسم؛ والتي تعمل بطريقة مشابهة للمادة الدوائية المضادة للالتهاب الشهيرة بـ «ايبوبروفين».
ويلفت الأطباء إلى أنه لا يقتصر العلاج البديل عن الدواء والعلاج الطبيعي فقط على الأعشاب وإنما هناك العديد من الطرق الأخرى كالتسخين العلاجي في الرمال والحجامة واليوجا والعلاج المائي والإبر الصينية وغيرها، ونجد أن كل طريقة علاجية منها مختصة أكثر بمجموعة معينة من أمراض الروماتيزم.
عدم تطبيق القانون
تجرم كافة القوانين اليمنية كل من يبيع أو يتاجر بأدوية غير مرخصة، أو يمارس مهنة الطب من دون مؤهلات علمية.. ويعرف قانون الصحة العامة رقم “4” لعام 2009م في المادة “2” الدواء بأنه كل مادة مسجلة في أي من دساتير الأدوية، وتستعمل في التشخيص أو الوقاية أو العلاج لأي من الأمراض التي تصيب الإنسان أو الحيوان، وذكرت على أنها مادة فاعلة في دواء مسجل لدى الهيئة العليا للأدوية بالوزارة، فيما تنص المادة “59”، على أنه يحظر على غير الصيادلة المرخص لهم بمزاولة المهنة.. تحضير أي عقاقير أو مستحضرات صيدلانية.
وفي السياق ذاته يؤكد القانون رقم “26” لسنة 2002 بشأن مزاولة المهن الطبية والصيدلانية في مادته “34” أن كل من ادعى أو أعلن أو مارس مهنة الطب، أو مهنة الصيدلة من غير ذوي المهنة يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات، أو بغرامة لا تقل عن سبعمائة ألف ريال ما يقارب 1150$ أمريكياً.
ولا تحول مساءلة ومعاقبة المخالف وفقاً لأحكام هذا القانون دون مساءلته جنائياً إذا ترتب على مخالفته حدوث فعل يعد جريمة وفقاً لقانون الجرائم والعقوبات أو التشريعات الأخرى النافذة، ومراعاة تعويض كل من لحقه ضرر طبقاً للقانون، بحسب المادة “36” من ذات القانون.
وفي ظل عدم تفعيل القوانين ووضع حد لنشاط ما يسمى مراكز وعيادات العلاج بالأعشاب يستمر أعداد الضحايا من المرضى في الارتفاع ■
المراجع
1- إيمان فكري الخلطات الشعبية تجتاح الأسواق.. علاج الأعشاب يقودك للإدمان 2022 جريدة الأهرام.
2- محمد آيت حسابين التجارة المربحة للأعشاب الطبية تزيد معاناة المرضى.... 2019 موقع هسبريس.
3- العلوم الزائفة: الطب البديل يدعي شفاء الأمراض المستعصية 2016 صحيفة العرب.
4- سحرة الطب البديل يدخلون البيوت بلا استئذان... مركز الاتحاد للأخبار.
5- زكريا حسان، التداوي بالأعشاب.. موت في شباك الجهل والاحتيال. منصة عوافي 2023.
6- حقائق وخرافات شائعة حول التداوي بالأعشاب الطبية
الدكتور صبحي العيد، 15 فبراير، 2022 العلوم.
7- أروى نجيب/2023 تجارة بمليارات الدولارات.. لماذا يُعدّ العلاج بالأعشاب مجرد خرافة؟ قناة الجزيرة.
8_الأعشاب المنزلية.. هل هي مفيدة أم مضرة؟ 17 /2/2028 م dw.com