آخر تحديث :الأحد-09 مارس 2025-07:58ص

مجلة جرهم


عسكرة الفضاء الخارجي .. بين الخيال العلمي والتهديدات المحتملة

عسكرة الفضاء الخارجي .. بين الخيال العلمي والتهديدات المحتملة

الأحد - 22 ديسمبر 2024 - 02:08 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ عبدالله محمد مناوس ــ باحث أكاديمي

مقــدمــــة
مع الثورة التكنولوجية والتقدم العلمي ازدادت وتيرة المنافسة بين القوى العالمية وسباق التسلح ،حيث لم تقتصر المنافسة والهيمنة على الأرض بل تصاعدت لتصل إلى الفضاء فتصاعدت عملية عسكرة وتسليح الفضاء بشكل متزايد صاحبها شكل جديد من أشكال سباقات التسلح؛ فعندما تقرر دولة كالولايات المتحدة الأمريكية -على سبيل المثال- وضع أسلحة في الفضاء، ستتجه الدول الأخرى إلى تطوير أساليب مضادة لمهاجمة الأقمار الصناعية الأمريكية، وإن طورت تلك الدول الأخرى أنظمة مكافئة، سيبدأ سباق تسلح محتدم خوفًا من تحكم دولة بعينها في الفضاء، ليصبح تطوير الأسلحة الفضائية من قبل دول أخرى أمرًا لا مفر منه؛ وبشكل عام، وبالنظر إلى خصوصية الولايات المتحدة، وفي ظل تزايد اعتمادها على الفضاء مقارنة بالدول الأخرى، تتزايد بالتبعية احتمالات تعرض أنظمة الفضاء لهجمات محتملة حيث يعد الفضاء الخارجي مشاعًا عالميًا تمتلكه البشرية جمعاء للأغراض السلمية.
ومع هذا، يركز المخططون العسكريون على عسكرة الفضاء وتسليحه حتى تجاوز الأمر الصواريخ التي يمكنها اجتياز الفضاء الخارجي، والأقمار الصناعية التي يمكنها توجيه الصواريخ عقب تحديد أهدافها بدقة، وصولًا إلى إمكانية وضع أسلحة بشكل دائم خارج الغلاف الجوي للأرض، وهو ما يعني تعدد استخدامات الفضاء الخارجي بين الأغراض السلمية التي تعود بالنفع على الجميع من ناحية، والاستخدامات العسكرية التي تهدد الحياة البشرية وتحول الفضاء الخارجي إلى مجال للحرب من ناحية ثانية، ليتعايش الاستخدامان معًا في مفارقة تجعل تسليح الفضاء مصدرًا للسلام على الأرض.
بداية عسكرة الفضاء
نجح الاتحاد السوفيتي في إرسال أول قمر صناعي إلى الفضاء عام 1957م، كأول قوة عالمية تصل إلى الفضاء، ولكن سرعان ما أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية هي الأخرى قمراً اصطناعياً خاصاً بها إلى الفضاء أيضاً عام 1961م، وبدأ السباق بين القطبين لامتلاك الفضاء، بحجة أن من يسيطر على الفضاء يسيطر على الأرض، وبدأ التفكير لدى قادة الدولتين بوضع أسلحة في الفضاء لاستخدامها في ضرب أهداف على الأرض، وكانت الولايات المتحدة سبّاقة في هذا المجال، حيث اتجهت عقيدتها العسكرية منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي إلى تطوير أسلحة حرب فضائية تستخدم في الجانب الدفاعي، وتطوير أسلحة نووية تكتيكية وأسلحة تقليدية ذكية، وأصبحت أسلحة حرب الفضاء أهم مجالات تطوير تكنولوجيا التسليح الأمريكي.
وعندما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ضد ما أسمته بالإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001م اتجهت إلى إخضاع دول العالم الثالث المناهضة لها، فعمدت إدارة الرئيس بوش إلى مراجعة عقيدة السياسة الفضائية الأمريكية، وذلك بالتوجه نحو تزويد الأقمار الاصطناعية الأمريكية بصواريخ نووية، وادعت الولايات المتحدة أن الهدف من وراء هذه الخطوة هو توفير الحماية للأقمار الاصطناعية الأمريكية أمام ظهور تهديدات جديدة، واعتبرت روسيا هذا التصرف الأمريكي بمثابة خرق للاتفاق السابق بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة والقاضي بعدم تزويد الأقمار الاصطناعية بصواريخ نووية، وهكذا أصبح صراع القوى العالمية يشتد يومًا بعد يوم متجاوزًا عسكرة الأرض نحو الاستعراض بعسكرة الفضاء وتسليحه، ففي حين كانت الأقمار الفضائية تُستخدم لأغراض التصوير والاتصالات والطقس والملاحة وغيرها، أصبحت الآن تستخدم لتوجيه الصواريخ البالستية والإستراتيجية والتجارب العسكرية والمراقبة والتجسس ومنظومات صواريخ أرض- فضاء والهجمات السيبرانية، حيث تعد الهجمات السيبرانية والسيطرة والتحكّم بالأجهزة واختراق قواعد البيانات، أول انعكاسات عسكرة الفضاء التي ستذهب بعيداً في الإخلال بالحياة العامة فوق الأرض.
تنافس عسكري في الفضاء
تشير الأرقام إلى امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية ما يزيد عن 50% من الأقمار الصناعية، وهو ما دفع القوى الأخرى إلى منافستها عبر زيادة قوتها الفضائية وكسر الهيمنة الأمريكية على الفضاء، خاصة مع معاناة الولايات المتحدة من نقطة ضعف إستراتيجية تتمثل في عدم امتلاكها منصات لحماية أقمارها في الفضاء من أي اعتداء أو هجوم، وتأكيدها بالرد بقوة ضد أي محاولات لإعاقة أنشطتها الفضائية من قبل دول منافسة، ويأتي هذا مع رفضها بدء مباحثات حول التسلح في الفضاء تحت رعاية الأمم المتحدة.
تشير بعض الدراسات إلى أن تسليح الفضاء هو جزء مهم ومكمل لعملية عسكرة الفضاء وفي هذا الإطار سعت الصين وروسيا إلى تكثيف جهودهما للحد من حرية الولايات المتحدة وحلفائها فيه، حيث ركزتا على أنظمة الفضاء باعتبارها نقطة ضعف أمريكية محتملة، فسعت كلتاهما إلى تطوير الأسلحة الفضائية (مثل: التشويش، والليزر، والأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، وغير ذلك)، حيث كشفت تجربة الصين عام 2007 لتوجيه ضربة صاروخية لإسقاط قمر صناعي خاص بها، عن توجه غير مسبوق نحو العسكرة وتحول الهدف من السيطرة على سطح القمر أو استكشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية إلى ممارسة الهيمنة والسيطرة من جانب الدول الكبرى أو تحويل الفضاء إلى ساحة للصراع والتنافس الدولي بدلا من أن يكون مجالا للتعاون والتكامل للخدمة الإنسانية.
في هذا الصدد يشير العقيد عبدالله الذيابي في دراسة له حول عسكرة الفضاء الخارجي نشرته مجلة كلية الملك خالد عام 2023م، إلى أنه في حين يمكننا‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الطابع‭ ‬المدني‭ ‬والآخر‭ ‬العسكري‭ ‬توجد‭ ‬حالة‭ ‬أخرى‭ ‬للاستخدام‭ ‬المزدوج‭ ‬للأنشطة‭ ‬الفضائية،‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬توظيفها‭ ‬عسكريًا‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي،‭ ‬والتكتيكات‭ ‬الحربية،‭ ‬والتجسس،‭ ‬وتأمين‭ ‬نظام‭ ‬الملاحة‭ ‬الجوية،‭ ‬والإنذار‭ ‬المبكر،‭ ‬والاتصالات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬المدني‭ ‬يتم‭ ‬استخدامه‭ ‬في‭ ‬البث‭ ‬الإذاعي‭ ‬والتليفزيوني،‭ ‬والاستشعار‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬والأرصاد‭ ‬الجوية،‭ ‬ونظام‭ ‬تحديد‭ ‬المواقع‭ ‬العالمي،‭ ‬والاتصالات‭ ‬والإنترنت‭ ‬الفضائي؛ موضحًا في فقرة أخرى من الدراسة أن من أهم مؤشرات عسكرة الفضاء إنشاء الولايات المتحدة الأمريكية رسميًا جيش خاص بالفضاء في أغسطس 2019، وإعلان فرنسا تشكيل قيادة عسكرية للفضاء في يوليو من نفس العام، وقيام عدد آخر من الدول مثل روسيا والصين بإجراء تجارب لاختبار قدراتها الصاروخية في الفضاء الخارجي، وفي نهاية مارس من عام 2019 أطلقت الهند صاروخا مضادا للأقمار الصناعية على خطى تجربة الصين في العام 2007م وهو ما أقلق المجتمع الدولي وبخاصة مع إمكانية انتقال عمل الأقمار الصناعية من العمل الاستخباراتي، وجمع المعلومات إلى العمل المادي الحربي وتشير التقديرات إلى أن تطوير تقنيات تسليح الأقمار الصناعية سيتم بحلول العام 2030م.
انتقال الصراع إلى الفضاء
تظهر موافقة الكونجرس في أواخر عام 2019 على إنشاء القوة الفضائية (باعتبارها الفرع السادس للقوات المسلحة الأمريكية) مدى تأثير مبدأ التحكم؛ فقد سبق أن قال «جوزيف آشي» (الجنرال السابق في سلاح الجو الأمريكي) «إنه أمر حساس من الناحية السياسية، لكنه سيحدث، بعض الناس لا يريدون سماع هذا، ومن المؤكد أنه ليس رائجًا... لكن بالتأكيد سنقاتل في الفضاء. سنقاتل من الفضاء، وسنقاتل في الفضاء».
وفي السياق ذاته، قال «مايكل شميت» (أستاذ القانون الدولي العام وخبير حرب الفضاء في جامعة «إكستر» في المملكة المتحدة) إنه من المحتمل أن ينتقل الصراع إلى الفضاء،؛ وهو ما يفرض ضرورة البحث عن حلول وبدائل لمنع عسكرة الفضاء، والتوصل الى معاهدات لمنع مضادات الأقمار الصناعية، والأسلحة المنشورة في الفضاء، وضمها إلى اتفاقيات الحد من التسلح، وتفعيل اتفاقية عام 1967، ودور منظمة الأمم المتحدة والمجتمع المدني العالمي والرأي العام والإعلام لفرض قيود على مثل ذلك التطور المدمر لأمن واستقرار المجتمع الدولي.
تنص المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو على أن «اعتبار الهجوم على أحد أعضائه أنه هجوم على بقية الأعضاء جميعاً، وأن الحلفاء ملزمون بالرد عليه، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية». وتؤكد الوثيقة الأخيرة أن الحلف يعتزم دمج الفضاء الكوني، إلى جانب المجال السيبراني، في نظام الأمن والدفاع الجماعي للحلف، فيما يعيد التحرك الأخير إلى السطح قضية السباق الدولي على عسكرة الفضاء، حيث تسارع القوى العالمية إلى تطوير ترسانتها الدفاعية الفضائية، وإنشاء قوات خاصة لهذا الغرض.
أنظمة صاروخية لتدمير الأقمار الاصطناعية
في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت روسيا نجاحها في اختبار نظام صاروخي أرض-جو مخصص لتدمير الأقمار الصناعية، وقالت إنها «نجحت في تدمير «تسيلينا-دي» ونفت أن يعرض تناثر حطامه أي ضرر لأقمار صناعية أخرى أو المحطة الدولية الفضائية»، هذه التجربة انتقدتها واشنطن، معتبرة إياها خطراً على سلامة رواد الفضاء بالمحطة الدولية، فيما تمتلك واشنطن هي الأخرى أسلحة من هذا النوع، إذ نفذت أولى تجاربها الناجحة لتدمير أقمار صناعية سنة 2008، مستعملة في ذلك صاروخ «RIM-161»؛ وإلى جانب روسيا وأمريكا، هناك دولتان تمتلكان هذا السلاح، وهما الهند والصين، فقد جربت الصين أول عملية تدمير قمر صناعي لها سنة 2007 بصاروخ «FY-1C»، وفي سنة 2018 نفذت عملية تدمير لقمر صناعي بصاروخ جو-جو أطلق من خارج الغلاف الجوي؛ وفي آخر المستجدات حول الموضوع نقل موقع العربية نت عن وكالة رويترز في 22 مايو من العام 2024 أن قيادة قوات الفضاء الأميركية اتهمت روسيا بإطلاق قمر صناعي يعتقد مسؤولون بالمخابرات الأميركية أنه سلاح قادر على رصد ومهاجمة أقمار صناعية أخرى.
وقال المتحدث الرسمي باسم قيادة الفضاء الأميركية لرويترز»: «لقد راقبنا نشاطات عديدة، وتقديراتنا تشير إلى أنه سلاح فضائي مضاد لديه على الأرجح قدرة على مهاجمة أقمار صناعية أخرى في مدار أرضي منخفض»؛ وجاء في بيان لقيادة الفضاء الأميركية أن كوزموس 2576 يشبه المركبات الفضائية المضادة التي نُشرت سابقاً في عامي 2019 و2022، في إشارة إلى تكتيكات اتبعتها روسيا في الماضي لنشر أقمار صناعية بالقرب من أقمار تجسس أميركية حساسة. ومنذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في 2022، أحاطت موسكو الكثير من أنشطتها الفضائية بالسرية وهددت بمهاجمة الأقمار الصناعية الأميركية التي تساعد الجيش الأوكراني في الدفاع، مثل أقمار ستار لينك التابعة لشركة سبيس إكس وهي شبكة واسعة من آلاف الأقمار الصناعية للإنترنت تحلق في مدار أرضي منخفض.
الهيمنة العسكرية على الفضاء
ولا شك أن اندلاع حرب فضائية سيقوض الثقة والتعاون الضروريين لتعزيز الاستخدامات السلمية للفضاء، وعلى الرغم من هذه الحقيقة، فإن مشروعات عسكرة الفضاء الخارجي وتسليحه ما فتئت تتزايد بهدف الهيمنة العسكرية على الفضاء الخارجي والتي تنبع من عدم الثقة في قدرة أنظمة الدفاع الصاروخي الحالية على إعاقة صاروخ عابر للقارات ومسلح برأس حربي نووي من ناحية، وأهمية تطوير الأقمار الصناعية في الفضاء كي تتصدي للأسلحة المضادة للأقمار الصناعية من ناحية ثانية، وتعزيز قدرات الدول حال شنت أو خاضت حربًا برية أو بحرية أو جوية بالنظر إلى قدرة الأقمار الصناعية على تصوير الأرض وتحديد المواقع بدقة متناهية ودعم أنظمة الملاحة والاتصالات والطقس من ناحية.
تهديدات مستقبلية
وبشكل عام، وانطلاقًا من المقولات النظرية للواقعية الجديدة، يمكن القول إن تسليح الفضاء بات تهديدًا أمنيًا لا سيما أن الإجراءات الأحادية التي تتخذها البلدان لتسليحه تزيد من عدم اليقين داخل النظام الدولي، وتفاقم التهديدات البيئية الناجمة عن التجارب على الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية التي أدت إلى تكوين كميات كبيرة من الحطام الفضائي. إذ تزيد قطع الحطام الموجودة بالفعل في الفضاء عن 500 ألف قطعة، لتشكل مخاطر كبيرة على مستقبل الفضاء والبنية التحتية الحالية الموجودة فيه، وكذلك الأقمار الصناعية المستقبلية والمركبات الفضائية والبعثات الاستكشافية. وعمومًا، يكون الحطام الفضائي طبيعيًا (مثل الكويكب) أو اصطناعيًا (مثل ذلك الناجم عن تدمير الأقمار الصناعية القديمة).
وعلى الرغم من تراجع احتمالات التصادم، فإن هناك ما يقرب من 300 ألف قطعة من الحطام ذات حجم كافٍ لتدمير الأقمار الصناعية عند الاصطدام بها.
إذ تشمل التهديدات الناجمة عن اصطدام الحطام الفضائي: فشل نظام تحديد المواقع العالمي المعتمد على الأقمار الصناعية، وتعطيل خدمات الطوارئ، وشلل الأنظمة المصرفية العالمية، وشبكات الطاقة الكهربائية على سبيل المثال، لذا وجه المجتمع الدولي اهتمامه إلى برامج تخفيف الحطام وتنظيفه رغم صعوبة تتبعه وتفاقم أعداده مستقبلًا مع زيادة الأنشطة البشرية؛ وبإعادة صياغة ما سبق، يمكن القول إن الفضاء سيلعب دورًا حاسمًا في العمليات العسكرية المستقبلية على نحو يؤثر في توازنات القوى الدولية، إذ تبشر عسكرة الفضاء ببداية عصر جديد من المنافسة الشرسة بين القوى الكبرى لا سيما أن العديد من الحكومات على الرغم من اتفاقها من حيث المبدأ على الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، فإن المعاهدات والاتفاقيات المختلفة المعمول بها لتعزيز هذا لم تمنع حقيقة أن الفضاء الخارجي بات مجالًا تنافسيًا.
انعدام الثقة بين القوى المتنافسة
إن مخاوف الدول وقلقها تجاه نوايا بعضها البعض قد دفعها للتفاعل في بيئة ضبابية تفتقر إلى اليقين تجاه سلوك الخصم، وهو ما يتضح بشكل كبير في تفاعلات روسيا والولايات المتحدة والصين؛ ما أدى إلى رفض العديد من الصكوك القانونية المقترحة لحظر عسكرة الفضاء بسبب التخوف من النتائج والعواقب غير المؤكدة مثل مشروع معاهدة «منع نشر الأسلحة في الفضاء الخارجي والتهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد الأجسام الموجودة في الفضاء الخارجي» (معاهدة منع نـشر الأسلحة في الفضاء الخارجي) المعروفة اختصارًا باسم (PPWT) التي قدمتها الصين وروسيا في عام 2008 والتي رفضتها الولايات المتحدة خشية السماح ببناء كلتيهما للقدرات الهجومية التي قد تهدد أمنها القومي عبر زيادة ضعفها في الفضاء الخارجي بسبب الاعتماد المتزايد على التطبيقات الفضائية للاستخدامات الأرضية وبخاصة للأغراض العسكرية.
كما يتجلى الخوف وعدم اليقين أيضًا في رد فعل الولايات المتحدة تجاه تطوير الصين للأقمار الصناعية؛ حيث أظهرت لجنة الخدمات المسلحة بمجلس النواب (House Armed Services Committee) خوفها من نوايا الصين ودوافعها، وجادلت بأن حظر عسكرة الفضاء أمر غير وارد، بل وطالبت بزيادة الميزانية المخصصة لبرامج الفضاء الأكثر تقدمًا التي يمكنها تدمير الأقمار الصناعية للخصوم؛ إذ ينبع الاعتقاد السائد بحتمية تسليح الفضاء جزئيًا من الاقتناع بأن حروب المستقبل ستنصرف إلى حروب الفضاء التي لن تختلف بالضرورة عن البر والبحر والجو بعد أن شهدوا جميعًا حروبًا عسكرية من ناحية، وضرورة السعي وراء القدرات الفضائية كي تملك الدول خيار نشر أسلحة في الفضاء لردع التهديدات والدفاع ضد الهجمات المحتملة على مصالحها القومية بما يتناسب مع درجة اعتمادها على الأصول الفضائية من ناحية ثانية، وحتمية الانخراط في تسليح الفضاء خشية أن يُفهم ضبط النفس على أنه ضعف محتمل من ناحية ثالثة.
الموقف العربي من عسكرة الفضاء الخارجي
أكدت المملكة العربية السعودية على أهمية أن يظل استخدام الفضاء الخارجي محصوراً في الأغراض السلمية وحدها، حيث قامت الاتفاقات القانونية الدولية ذات الصلة والتي تسعى لتحقيق هدف منع تسليح الفضاء الخارجي، بدور إيجابي من أجل تعزيز الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي وتنظيم الأنشطة فيه؛ جاء ذلك في كلمة المملكة العربية السعودية في جلسة النقاش الموضوعي حول الفضاء الخارجي، خلال أعمال اللجنة الأولى لنزع السلاح والأمن الدولي، في الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة للعام 2019م والتي ألقاها السكرتير ثاني فهد أبو حيمد.
وأعرب أبو حيمد في بداية الكلمة التي بثتها وكالة الأنباء السعودية «واس» عن تأييد المملكة لما تضمنه بيانا المجموعة العربية وحركة عدم الانحياز، مشيرًا إلى أن الفضاء الخارجي يعد ملكية مشتركة للإنسانية جمعاء وللأجيال القادمة، الأمر الذي يجعل من أي إجراء لتوظيفه في أغراض التسلح تهديدًا بالغًا للسلم والأمن الدوليين».
طريق محفوف بالمخاطر
تقول الاستنتاجات بأن الطريق نحو عسكرة الفضاء برغم أنه طريق محفوف بالمخاطر، إلا أن الإدارة الأمريكية الحالية على ما يبدو أصبحت غير متورعة عن خوض المخاطرة، وتتصرف بثقة كبيرة، واعتزاز مفرط بالنفس إزاء قدرتها على التعامل مع ملف عسكرة الفضاء بنجاح وفاعلية.؛ ومن المعروف أن الصين وروسيا تطالبان منذ عام 2002 بحظر تطوير الأسلحة الفضائية، ولكن الولايات المتحدة رفضت التفاوض، وذكر تقرير في صحيفة (الغارديان) الإنجليزية أن تدمير القمر الاصطناعي الصيني هو رسالة واضحة محتواها أن الصين لا تريد هيمنة الولايات المتحدة على ما يطلقون عليه «ساحة الفضاء» .
الخاتمة:
أضحى الفضاء الخارجي مسرحًا لمنافسة القوى الفضائية الكبرى، وأضحت عسكرته أمرًا واقعًا يؤجج احتمالات الصراع في المستقبل على حساب البشرية جمعاء، لا سيما في ظل تنامي المشاعر العدائية، وتبني السيناريو الأسوأ، لا التعايش السلمي بين الدول في اتجاه مضاد لما تنص عليه معاهدة الفضاء الخارجي.
فعلى المجتمع الدولي أن يدرك أن الاستغلال الأمثل للفضاء الخارجي لا يأتي إلا من خلال العمل متعدد الأطراف والخاضع للمبادئ وميثاق الأمم المتحدة الساعي إلى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين ولذا لابد من الاتفاق حول إنشاء صك دولي شامل وملزم قانونًا لمنع وضع أي نوع من أنواع الأسلحة في الفضاء الخارجي وأن تسعى الدول العربية لحجز مساحتها في الفضاء الخارجي حتى لا تتحول إلى دول تخضع تحت الهيمنة الغربية عندما يصبح الفضاء مسرحا للعمليات العسكرية في المستقبل وأن يكون لها نظام حماية يحفظ أمنها ويمنع من التنصت عليها خاصة في ظل التطورات المتسارعة وكل المؤشرات تؤكد أن الفضاء سيشهد تحركات وهجمات في حال استمرت الهيمنة بين الدول الكبرى في مجال عسكرة الفضاء ■
المصـــــــادر
1- (رغدة محمد البهي عسكرة الفضاء الخارجي، رؤية تحليلية، مجلة كلية السياسة والاقتصاد العدد 16القاهرة 2022م).
2- عقيد ركن عبد الله بن سفر الذيابي عسكرة الفضاء الخارجي وتهديداته العسكرية والأمنية - مجلة كلية الملك خالد2023م
3- محمد أبو سعده. عسكرة الفضاء – سباق تسلح أم جولة صراع.. المعهد المصري للدراسات 2020م
4- يوسف دواد، هل يمكن التوصل لآليات دولية للتسلح الفضائي، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة 2020م.
5- جريدة الرياض - نيويورك – واس 2019.
6- غادة أحمد عبد الكريم، التسلح في الفضاء الخارجي وأثره على الاستقرار الإستراتيجي، جامعة بغداد كلية السياسة 2024م.
7- ميشال أبو نجم، التنافس الأمريكي - الصيني للهيمنة على العالم، صحيفة الشرق الأوسط 2020م.