آخر تحديث :الأحد-09 مارس 2025-07:58ص

مجلة جرهم


الحربان العالميتان وتداعياتهما: منجــزات علمـانيــة كــبرى!

الحربان العالميتان وتداعياتهما: منجــزات علمـانيــة كــبرى!

الأربعاء - 18 ديسمبر 2024 - 05:27 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ أ. د. أحمد الدغشي

مــدخـــــــل
تعدّ الذريعة الأكبر للمشروع العلماني في العالم- بما فيه العالم العربي والإسلامي؛ تحقيق السلم الاجتماعي، والتخلّص من صراع أتباع الأديان والطوائف والإثنيات بعناوينها المختلفة، فهل يا تُرى تمكنت العلمانية حقاً من تحقيق ذلك في المجتمعات الأوروبية وغير الإسلامية جميعا؟!، رغم مالها من مبررات منطقية، في رفض الدّين الذي حكمها، فجرّ عليها التخلّف والحروب والصراعات، ومنها حرب الثلاثين سنة بين الكاثوليك والبروتستانت، في أوروبا (1618-1648م)؛ أم أن ذلك لم يحُل دون استمرار الحروب والصراعات، ولو بعناوين مختلفة جديدة.
أي أن إحلال العلمانية في تلك المجتمعات، لم يقِها من استمرار الحروب والصراعات، ولو بعناوين غير دينية، بل إن الحروب التي جَرَت في إطار العلمانية أشد ضراوة في وسائلها ونتائجها، بما لا وجه للمقارنة فيه من أيّة زاوية، مع كل الحروب الدينية وغير الدينية السابقة، خاصة بعد تطور الأسلحة وإمكانات التدمير، على نحو غير مسبوق، ومن ذلك ما شهده العالم (العلماني) الأوروبي بالأساس، ثم الروسي والياباني وسواهما في القرن العشرين الميلادي بالخصوص من حربين عالميتين كُبريين طاحنتين، لا ناقة للعرب والمسلمين فيهما ولا جمل من قريب أو بعيد، حتى ما يُذكر من مشاركة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى إلى جانب حليفتها ألمانيا، ضد بريطانيا وفرنسا وروسيا؛ فإن ذلك جاء أقرب إلى الإرغام لها في فترة ضعفها الشديد، ولاسيما من الناحية العسكرية، وهي الفترة التي أطلق فيها عليها خصومها من الأوروبيين وأدواتهم في تركيا وخارجها حُكم «الرجل المريض»، كناية عن ضعفها وتضعضعها، وفقدانها امتلاك القرار، وكأن إقحامها فيها، بلا رغبة منها ولا قرار حقيقي؛ إنما جاء ليكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث يكون ذلك آية فشلها السياسي والإمبراطوري، لتبرّر رحيلها، أو الانقلاب عليها، وتمكين خصومها (حزب الاتحاد والترقي)، من حلفاء المشروع الاستعماري الغربي ولذلك جاء دور الدولة العثمانية ثانوياً، وليس محورياً، وذلك في إطار العلاقة التي كانت لاتزال تربط بينها وبين ألمانيا، خاصة إذا تذكّرنا أن مرحلة الخلافة العثمانية الفعلية كانت قد انتهت عمليًا منذ سنة 1909م، في إطار المؤامرة التي قادها حزب الاتحاد والترقّي، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، وآلت إلى إسقاط خلافة السلطان عبد الحميد الثاني، وفرض الإقامة الجبرية عليه في تلك السنة، حتى توفي في 1918م، تهيئة لإعلان وفاة الحكم العثماني بصورة رسمية، وقيام الجمهورية التركية «الحديثة»، في سنة 1923م برئاسة أتاتورك .
حربان كارثيتان وخسائر مهولة
يمكن إجمال ضحايا الحربين بما لا يقل عن 80 مليوناً من البشر، حيث ذهب ضحية الأولى في 1914م – 1918م ما يفوق 20 مليوناً، منهم 13 مليوناً من المدنيين، كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للصراع، وتم تشريد ملايين الأشخاص وتهجيرهم من منازلهم في أوروبا وآسيا الصغرى بسبب الصراع، ووصلت الخسائر بالممتلكات والصناعات إلى مستويات كارثية، خاصة في فرنسا وبلجيكا، حيث وصل القتال لذروته، وجزء فقط من ضحايا الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) حوالي 17 مليونا من العسكريين، وأضعاف هذا العدد من المدنيين. وكان من أبرز نتائج تلك الحرب وخسائرها إسقاط قنبلتين ذريتين على اليابان، الأولى كانت على مدينة هيروشيما، وبعد ذلك بدقيقة واحدة قتل 66 ألف شخص وجرح 69 ألفا بسبب التفجير المتكون من 10 آلاف طن، أما الثانية فكانت وسط مدينة ناغازاكي، ألقيت بعد 3 أيام من إلقاء الأولى، لينخفض عدد السكان في لحظة واحدة من 422 ألفا إلى 383 ألفاً، لأن 39 ألفا قتلوا، و25 ألفا جرحوا. وتحدثت تقارير إخبارية صدرت بمناسبة مرور 74 سنة على تلك الذكرى المشؤومة عن أن قنبلة هيروشيما قضت على 90% من سكان المدينة، وأودت بحياة 80 ألفاً من المدنيين على الفور، ليليهم عشرات الآلاف بعد ذلك، بسبب الإشعاع الناتج عن الانفجار النووي، ويصبح – من ثمّ- 1 من كل 4 من أبناء الجيل الأول يعاني من عيوب خَلْقِية.
آثار تدميرية
قام مؤرخون بالكتابة عن الآثار التدميرية الهائلة للحربين وبالأخص الحرب العالمية الثانية، ومن ذلك الانتهاكات الجنسية الفظيعة التي ارتكبتها جيوش الحلفاء الغربيين والجيش الأحمر أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما كانت هذه القوات تقاتل وهي في طريقها إلى الرايخ الثالث، وخلال فترة احتلال ألمانيا. وتؤكّد كثير من المصادر التاريخية أن مُعظم الاعتداءات في الأراضي المحتلة نفّذت من قبل السوفييت، وتراوحت تقديرات أعداد النساء الألمانيات اللآئي تعرضن للاغتصاب على أيدي الجنود السوفييت إلى نحو 2 مليون، وفقاً للمؤرخ وليام هتشكوك. وتؤكّد المصادر أنه في كثيرٍ من الحالات كانت النساء ضحايا للاغتصاب المتكرر، منهن من تعرضن للاغتصاب من 60 إلى 70 مرة. ويعتقد أن 100 ألف امرأة تعرضن للاغتصاب في برلين وحدها، وذلك استناداً لارتفاع معدلات الإجهاض في الأشهر التالية، وتقارير المستشفيات في تلك المرحلة.
جرائم مسكوت عنها
كشفت نتائج الحرب في تلك المعركة (العالمية الثانية) في هذا المجال (الاعتداءات الجنسية) عن حقيقة المسلك الذي سلكه الجنود الأمريكيون مع النساء الألمانيات بعد تحريرهن من النازية عقب الحرب. وفي هذا أصدرت الباحثة الألمانية مريام جيبهاردت كتابها (الجرائم المسكوت عنها: اغتصاب الألمانيات في الحرب العالمية الثانية)
(Crimes Unspoken: The Rape of German Women At The End of The Second World War)
الصادر في2 مارس/آذار 2015م، فكشفت فيه أن الجنود الأمريكيين اغتصبوا وحدهم نحواً من 190 الفاً من النساء الألمانيات بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. ووفقاً لمجلة «دير شبيغل» الألمانية البارزة واسعة الانتشار ، الصادرة في 4مارس/آذار2015م، وهي التي عرضت الكتاب أن المؤرخة الألمانية ميريام جيبهاردت سلطت الضوء في كتابها على هذه التصرفات، وسردت قصة حدثت في مارس 1945 قائلة أن جنودًا أمريكيين وصلوا إلى دوسك واقتحموا منزلاً وحاولوا إجبار امرأتين على الصعود إلى الطابق الأعلى لكن كاثرين دبيلو وابنتها شارلوت تمكنتا من الفرار غير أن الجنود لم يستسلموا بهذه السهولة فقد بدأوا تفتيش كافة المنازل في المنطقة وأخيرًا وجدوهما في دورة مياه منزل مجاور قبل منتصف الليل بقليل وقام بعد ذلك ستة جنود باغتصابهما دون رحمة.
وذكرت المجلة أن مئات الآلاف وربما الملايين من نساء ألمانيا خضعن لنفس المصير في ذلك الوقت ورغم أن مثل حوادث الاغتصاب الإجرامية هذه كان يلقى اللوم فيها على القوات السوفيتية في شرق ألمانيا؛ إلا أن هذه الحالة مختلفة، فالمغتصبون هنا جنود من الولايات المتحدة الأمريكية ووقعت الجريمة في سبرندلينجن وهي قرية بالقرب من نهر الراين في الغرب.
وأوضحت المجلة أن الكتاب يلقى بنظرة أقرب ما تكون إلى اغتصاب الألمانيات من قبل كل المنتصرين بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية،
تستند مؤلفة الكتاب في وثائقها على تقارير احتفظ بها قساوسة في ولاية بافاريا في صيف 1945 وكتُب للقس مايكل ميركسمولر وهو قس في قرية رامساو بالقرب من برتشتسجادين في يوليو 1945 على سبيل المثال. وفي هذه الشهادة أن «ثمان فتيات اغتصبن أمام آبائهن.
أشد الأحداث حزنا
وكتب الأب أندريس فينجاند في يوليو 1945 أيضًا «أشد الأحداث حزنًا أثناء تقدم القوات الأمريكية كان ثلاث عمليات اغتصاب بحق امرأة متزوجة وأخرى غير متزوجة وفتاة بكر عمرها 16 عامًا ونصف العام.. ارتكب الجريمة جنود أمريكيون سكارى.
ووفقاً للمجلة كذلك فإن هذا السلوك المشين قاد «مؤلفة الكتاب إلى مقارنة سلوك الجيش الأمريكي بالتجاوزات العنيفة التي ارتكبها الجيش الأحمر في ألمانيا الشرقية والتي شملت أعمالاً عدوانية وعمليات اغتصاب وحوادث نهب جراء الغزو السوفيتي، وقالت المؤرخة إن الانتهاكات لم تكن مختلفة في غرب ألمانيا عن شرقها» ■