آخر تحديث :الخميس-28 نوفمبر 2024-12:24ص

مجلة جرهم


العلاقة التبادلية بين الاقتصــاد والتعليــم

العلاقة التبادلية بين الاقتصــاد والتعليــم

الثلاثاء - 12 نوفمبر 2024 - 04:58 م بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ خاص

من المؤكد أن التعليم مرتبط ارتباطًا رئيسيًا بالاقتصاد والتنمية، حيث أن الاستثمار في التعليم وتنمية الثروة البشرية لأي مجتمع يُعد من أفضل أنواع الاستثمارات وأكثرها مردودًا، وأن توفير تعليم ذي جودة عالية في المدارس وخصوصًا في مرحلة الطفولة المبكرة يؤدي إلى بناء قدرات بشرية لدى الطلاب تنمو معهم خلال مراحل التعليم المختلفة، وينتج عن ذلك جيلاً من الخريجين المهنيين في مجالات مختلفة، يُمكنهم المشاركة بشكل فاعل في تنمية الاقتصاد ودفع عجلة الإنتاج، إذ يمكن أن يكون للاستثمار في رأس المال البشري تأثير ضئيل على النمو، ما لم يتمكن الناس من استخدام التعليم، حيث تبرز عناصر الربط بين التنمية الاقتصادية والتعليم، بوصف التعليم عاملاً مُيسِّراً للتنمية الاقتصادية، وأنه استثمار في رأس المال البشري، والذي يسفر عن نتائج من شأنها أن تترجَم إلى تحسين ونمو اقتصاد الدولة، وإلى إجراءات ملموسة تؤدي إلى التنمية الاقتصادية، والتعليم والاقتصاد مرتبطان بشكل وثيق، كما أن التعليم حاليًا يمثل أحد مجالات الاستثمار الهامة مما له من مردود على المجتمع ككل، ما جعل الأسر والحكومات تهتم به بشكل كبير وتخصص له جزءًا كبيرا من موازناتها، وكلنا نلاحظ تغيير المناهج من الطرق التقليدية إلى التركيز على تدريس مهارات القرن الحادي والعشرين من التفكير النقدي، وحل المشكلات، والعمل الجماعي وغيرها من المهارات، بالإضافة إلى الاهتمام باللغات الأجنبية وتعليم ريادة الأعمال، وكذلك تنوعت المدارس وتغيرت نظرة المجتمع للتنوع بالتعليم وباتت تتغير بشكل متسارع نحو مزيد من الإيجابية حيث تلمس الأسر مردود هذا النوع من التعليم على أبنائهم وبناتهم بعد التخرج من خلال نوعية الوظائف التي يحصلون عليها، ومدى استعدادهم المهني للتطور فيها، وكذلك الرواتب التي يتقاضونها، ما شجّع المستثمرين على بناء المدارس واستقطاب كوادر تدريسية وإدارية متميزة للعمل بها وتوفير أحدث تقنيات التعليم في فصولها.
ويمكن القول أن العلاقة بين الاقتصاد و التعليم هي علاقة وثيقة وتكاملية، فالتعليم الجيد يوفر قوى عاملة ماهرة تنظر للعمل بشكل إيجابي وتعمل في شتى المجالات على تعزيز الاقتصاد وهما مصطلحان مهمان، كل منهما يرتبط بالآخر؛ فالاقتصاد له دوره المحوري في التعليم، وكذلك التعليم له دوره المحوري في الاقتصاد؛ فهما متكاملان، وبهما تتحقق التربية السليمة والتنمية المستدامة، حتى يمكن القول: إن كلاً منهما يمثل دافعاً للآخر، به يزدهر وينطلق ويحقق مستهدفاته؛ فالتعليم الجيد يوفر قوى عاملة متعلمة وماهرة ومنتجة مما يعزز الاقتصاد، وفي الوقت نفسه فالاقتصاد القوي يوفر الموارد المالية اللازمة لتوفير التعليم الجيد، وكلما كانت المخرجات من نظام التعليم متوافقة مع حاجات الاقتصاد، ساهم ذلك في التوظيف والحيلولة دون البطالة، وزيادة الإنتاج.
مصطلح اقتصاديات التعليم
يقُصد بمصطلح اقتصاديات التعليم النظر إلى التعليم من منظور اقتصادي وذلك من خلال دراسة اقتصاديات الموارد البشرية، وتحليل العائد المادي من التعليم في ضوء التكلفة، والإنتاجية التعليمية، وقياس المخرجات في ضوء المدخلات. تهتم اقتصاديات التعليم بتعظيم العائد من التعليم وذلك بالتوظيف الأمثل للموارد في النظام التعليمي للخروج بأكبر فائدة ممكنة على المجتمع. العلاقة بين التعليم والاقتصاد هي علاقة وثيقة وتكاملية. فالتعليم الجيد يوفر قوى عاملة ماهرة تنظر للعمل بشكل إيجابي وتعمل في شتى المجالات على تعزيز الاقتصاد. وفي نفس الوقت، فإن الاقتصاد القوي يوفر موارد إضافية لإتاحة وتطوير التعليم مما يرتقى بمستواه. وبناء على ذلك، من الضروري الاهتمام باقتصاديات التعليم عند وضع سياسات التعليم لأي نظام تعليمي أو تطويرها.
اقتصاد المعرفة والتعليم الجيد
وضعت الأمم المتحدة ضمن خطة التنمية المستدامة للعام 2030م هدف التعليم الجيد؛ لأنها توقن أنه لا تنمية حقيقية يكتب لها الاستدامة بدون تعليم جيد، فالجهل لا يبني إنساناً، والتعليم الجيد هو من يضع الشخص المناسب في المكان المناسب، من حيث تثقيفه وتدريبه وتأهيله بما يتناسب مع قدراته، واستثمار ما يتميز به من مزايا نسبية، وهذا الأمر لا يقتصر على حملة المؤهلات العليا، بل له أهمية كبرى في قطاع التعليم الفني الذي من خلاله يتم التعليم والتدريب وفتح سبل الابتكار والإبداع أيضاً، وقد برز في عالم اليوم اقتصاد المعرفة، الذي يعد التعليم المحور المركزي والمكون الأساسي في بنائه، ومع ذلك فإن التعليم منذ قرون لم يغب عن الاقتصاديين لإبراز أهميته للاقتصاد، فقد كشف الاقتصادي الإسكتلندي آدم سميث عن أهمية التعليم للاقتصاد وجعله من عناصر رأس المال الثابت، كما اعتبر الاقتصادي الإنجليزي الفريد مارشال التعليم نوعاً من الاستثمار القومي وكشف عن أهميته لتحقيق التنمية الاقتصادية، وحث الدولة على المساهمة في تحمل نفقاته، باعتبار مردود ربحه الاجتماعي، كما ذكر أن أعلى أنواع رأس المال قيمة هو رأس المال الذي يستثمر في الإنسان، إذ عن طريق الإنسان تتقدم الأمم، وحتى كارل ماركس كان يؤمن بأهمية التعليم لزيادة الإنتاجية ومن ثم رفع مستوى المعيشة، وقد أبرزت أكثر من دراسة غربية العلاقة بين التعليم والنمو الاقتصادي، وكشفت أن التعليم الجيد هو ما يرفع معدلات النمو، وهو سبب رئيس في تقدم الدول المتقدمة.
مردود التعليم الأعلى في الدول المتقدمة
ففي دراسة لدنيسون عن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية، توصل إلى أن نحو 10% من النمو الاقتصادي في المدة من عام 1909 إلى 1929م يرجع إلى تحسن مستوى التعليم، وأن نحو 21% من النمو الاقتصادي في المدة من عام 1929 إلى 1957م يرجع إلى تحسن مستوى التعليم، أيضاً، كما توصل دنيسون كذلك إلى أنه من 5 إلى 15% من النمو الاقتصادي في أوروبا في المدة من عام 1950 إلى 1962م ترجع إلى تحسن مستوى التعليم.
كما توصلت دراسة لشولتز إلى أن نحو 20% من النمو الاقتصادي في المدة من عام 1929 إلى 1957م في الولايات المتحدة الأمريكية يرجع إلى تحسن مستوى التعليم.
وفي المقابل، فقد أظهرت العديد من الدراسات عن العلاقة بين التعليم والنمو الاقتصادي في البلدان النامية أن دور التعليم في النمو الاقتصادي كان ثانوياً، مع ملاحظة أن دراسات أخرى كشفت أن الإنفاق الكثيف على التعليم قد يكون سلبياً ويسهم في الإبقاء على التخلف في الدول النامية، نتيجة لتوجيه الإنفاق في غير موضعه من خلال التوسع في التعليم الثانوي العام والتعليم العالي، مما يتكدس معه الخارجون لأسواق العمل لعدم حاجة الأسواق إلى تخصصاتهم.
وتعتمد الدول المتقدمة على تنمية مواردها البشرية الوطنية وتنوعها في مختلف التخصصات مما يوفر كادرًا من المتخصصين في كافة المجالات ومنها الاجتماعية كالتعليم وخدمات الأسرة، وهذا ما يساهم في تعزيز الرفاهية الاجتماعية.
فالتعليم له أهمية في زيادة معدلات النمو وتحقيق التنمية الاقتصادية ويكمن ذلك في إعداد الكوادر البشرية المتخصصة والحديثة ورفد مؤسسات الدولة والقطاع الخاص بها لتسريع وتيرة التنمية، كما تساهم عملية إعادة التأهيل ورفع الكفاءة والتطوير المهني في الاستفادة من الموارد البشرية التي يتم الاستغناء عنها بسبب التطور التكنولوجي من خلال أتمتة بعض الوظائف أو إعادة هيكلة المؤسسات والشركات، وذلك بهدف تعظيم الاستفادة من الموارد أو تقليص النفقات. كل ذلك يؤدي بشكل مباشر لتطوير الاقتصاد الذي يعتمد على المعرفة والمهارات والتكنولوجيا، وهو بكل معنى الكلمة أحد العناصر الأساسية للتنمية. ويثري التعليم فهم الناس لأنفسهم وللعالم كون التعليم يحسن نوعية حياتهم ويؤدي إلى فوائد اجتماعية واسعة للأفراد والمجتمع. ويزيد التعليم من إنتاجية الأفراد وإبداعهم ويعزز ريادة الأعمال والتقدم التكنولوجي. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يلعب دورًا مهمًا للغاية في تأمين التقدم الاقتصادي والاجتماعي .
جودة التعليم والتصنيف الدولي
هناك ارتباط قوي جداً بين جودة التعليم والتنمية الاقتصادية، إذ يعتمد كل منهما على الآخر بدرجة كبيرة، لذا تهتم الدول بمعايير جودة التعليم الذي يساعد في احتلال مناصب في التصنيف الدولي لجودة التعليم، استناداً إلى مؤشر دافوس 2023، إذ إن التصنيف العالمي لجودة التعليم يعتمد على بعض المعايير المهمة التي من دونها يستحيل تحديد الموقع، وهي كالتالي: درجة التطور والتقدم في العمل، واستخدام التقنيات الحديثة في العملية التعليمية، وحجم سوق العمل وتطوره، وجودة تعلم الطالب في المراحل الرئيسية، والصحة العامة للطلاب وملاءمة بيئتهم، والتطوير المستمر ودعم الأعمال المبتكرة، وجودة التدريب الميداني للطلاب داخل الدولة، وفاعلية التعليم الجامعي، ونشر الأفكار الابتكارية والمؤسسات المسؤولة عنها، وأسواق سلع ذات جودة، والبيئة الاقتصادية للدولة ككل، وكفاءة سوق العمل.
اقتصاديات التعليم
وإذا كان هذا هو تأثر الاقتصاد بالتعليم، فإنه في المقابل يتأثر التعليم بالاقتصاد، وقد برز مصطلح اقتصاديات أو اقتصاد التعليم (Economics of education) كفرع من فروع علم الاقتصاد، موضوعه التركيز على العملية التعليمية بما تتضمنه من تعليم وتدريب في جميع المراحل، ومنها تعليم وتدريب الكبار، وكذلك تدريب العاملين في أثناء الخدمة، وتعليم وتدريب وتأهيل العاطلين الباحثين عن عمل لتمكينهم اقتصادياً، إضافة إلى دراسة عوائد وتكاليف التعليم سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الاقتصاد القومي.
إن العملية التعليمية تتكون من معلمين وطلاب ومناهج ومبانٍ وأدوات تعليمية، وكل هذا له تكاليفه التي يوفرها الاقتصاد الجيد لتكون بصورة جيدة، فمستوى الإنفاق على التعليم له علاقة طردية بمستوى التعليم ذاته، ومن الملاحظ أن مستوى التعليم في الدول المتقدمة أعلى من مثيله في الدول النامية، ويرجع ذلك بصفة رئيسة إلى المخصصات التي توفرها تلك الدول المتقدمة للإنفاق على التعليم، في حين موازنة التعليم في الدول النامية ومنها الدول العربية متواضعة.
على الدول العربية إيلاء أولوية للتعليم في موازناتها والتركيز على المهارات التكنولوجية حيث يشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد، الصادر عن مؤسسة النقد العربي، إلى أن متوسط نسبة الإنفاق على التعليم إلى الدخل القومي الإجمالي في الدول العربية في عام 2020م حوالي 3.5%، وهو ما يقل عن مثيليه في الدول النامية (4.4%)، ودول العالم ككل (4.6%)، وفيما يتعلق بنسبة الإنفاق على التعليم من الإنفاق العام الإجمالي، بلغ المتوسط العربي في عام 2020م حوالي 11.3%، وهو ما يقل عن مثيليه في كل من الدول النامية (15.6%)، ودول العالم مجتمعة (14.3%).
وهذا يحتم على الدول العربية إيلاء أولوية للتعليم والبحث العلمي في موازناتها، والاهتمام بالعملية التعليمية؛ مدرساً وطلاباً ومنهجاً ومبانٍ وأدوات تعليمية، وربط التعليم بسوق العمل، وإيواء أولوية للإنفاق على البحث العلمي والابتكار، وإقرار رواتب للمدرسين وأساتذة الجامعات بصورة تغنيهم وتصون كرامتهم وحياتهم، والتركيز على تعليم ريادة الأعمال والمهارات التكنولوجية والمهنية، التي تفرض نفسها في واقعنا المعاصر، وصقل ذلك بالتدريب، مع التركيز على منظومة القيم الإسلامية، فلا تنمية مستدامة حقيقية إلا بتربية إيمانية (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ).
الخلاصة
لقد أثبتت الأبحاث المتعددة أن الإنفاق على التعليم يمثل استثمار للموارد البشرية إلى جانب كونه يمثل خدمة استهلاكية، كما أ ن جميع نظريات الفكر الاقتصادي أجمعت على أن التعليم يمثل عاملاً مهما للتنمية الاقتصادية لذلك اعترفت معظم دول العالم بأهمية التعليم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية و عملت على زيادة النفقات المخصصة في مجال التعليم في السنوات الأخيرة، حيث أصبح رأس المال البشري عاملا لا يقل أهمية عن رأس المال المادي في عمليات التنمية. من خلال هذا المقال تطرقنا إلى عرض نظري لأبحاث قامت بدراسة العلاقة التبادلية بين الاقتصاد والتعليم وقد استنتجنا بعض النقاط التالية:
أن التعليم يرفع إنتاجية العامل مهما كان نوع العملية الإنتاجية خاصة إذا كانت نوعية التعليم تتماشى مع التخصص المطلوب.
بينت دراسات عديدة أن معدل دخل الفرد المتعلم أعلى من معدل دخل الفرد غير المتعلم.
أن معدل النمو الاقتصادي في الدول ذات الأفراد الأكثر تعليما أكبر من معدل النمو الاقتصادي للدول الأقل تعليما.
يعتبر التعليم من خلال أنشطة البحث والتطوير المغذي الرئيسي للإختراعات التكنولوجية التي لها الأثر الكبير على كل الجوانب الاقتصادية بما فيها النمو الاقتصادي.
وفي الختام؛ نشير إلى أن "شولتز" اعتبر أن الاستثمار في التعليم هو الذي يفسر ما تتميز به ظاهرة النمو الاقتصادي للبلدان المتقدمة، وأن مفتاح الاستثمار البشري يكمن في التعليم ■