آخر تحديث :الخميس-28 نوفمبر 2024-12:24ص

مجلة جرهم


بوصلـة الســلام والعبـــــــور المــتزن

بوصلـة الســلام والعبـــــــور المــتزن

الثلاثاء - 05 نوفمبر 2024 - 06:00 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ مدير التحرير

على مستوى الفرد والفريق والمجموعات والأوطان والأمم، هناك أهداف ورؤى وخطط، يتم العبور إليها عبر برامج وآليات ومدة زمنية، للانتقال من وضع سابق وموجود إلى وضع جديد ومستقبل منشود.
العبور حسب معجم المعاني هو: الانتقال من مكان إلى آخر عبر طريق، أو ما بين ضفتين، أما السلام فواسع وشامل ويختصره معنى الأمن والسلامة في مختلف الجوانب الحيوية والحياتية، وقد يكون العبور بسلام هو الهدف المنشود بحد ذاته، ذلك إذا ما انعدم الاستقرار وكثرت الأخطاء والأخطار، وباختلاف المطامع والمطامح، تختلف وسائل العبور بين الاتزان والانحراف، ويبرز إلى السطح أحيانًا الشعار الاستعماري القديم "الغاية تبرّر الوسيلة"، وقد ينساق البعض إلى خوض اتجاهات فكرية وسياسية مختلفة للعبور إلى ما يريد، ولكن دون مصادرة الآخرين أو تجاوز قوانين وسيادة بلدانهم؛ وإلا فقد أخطأ وتمرد.
وباستعادة الذاكرة واستقراء التاريخ، نجد أن الحروب لم تكن يومًا طريقًا إلى السلام، إلا في حالات العجز عن تحقيق السلام بالسلام، حينها تتدخل القوة، وفي حالات أخرى، نجد أن الحرب لغاية الحرب ذاتها قد تكررت قديمًا، وما أكثرها اليوم، تشتعل بها المنطقة ويقودها هنا وهناك من لا يكترث لمصلحة الناس، ولا يضع لهم قيمة، ولا يقيم وزنًا للعهود والاتفاقات والقيم الأخلاقية والإنسانية.
مثلا ما تقوم به كلٌ من: إسرائيل في ممارسة العنف وأسرلة الأرض، وإيران في تصدير الثورات الطائفية، وإقلاق أمن الدول على مختلف المستويات والمناسبات، التي لم يسلم منها حتى الحج؛ يبين عدم الاتزان وانحراف الطريق، فإذا كانت إسرائيل -مثلًا- تريد السلام، وبناء دولتها فالمحددات كثيرة، وبناء على تفاهمات أوسلو ومدريد والمبادرة العربية (المتمثلة بحل الدولتين)، كان يمكنها تحقيق ذلك، دون الإجرام المستمر في سبيل زلزلة المنطقة وإقلاق أمنها واستقرارها، وهو الحال نفسه الذي يمكن تطبيقه على إيران باعتبارهما العينين اللتين ترى بهما دول كبرى كيفية تدمير المنطقة وزعزعتها.
إن الدعوة إلى الإسلام لم تكن لتتم لولا أنها جاءت بالحكمة والموعظة الحسنة، والاعتدال وفق مبدأ "أسلم تسلم"، وبذلك كان المحارب المسلم هو الأكثر إنسانية وانتصارًا في التأريخ، حين انضبط في توجيه البوصلة واتزن في العبور، وإن شئت فاقرأ مثلًا عن وسائل دخول إفريقيا في الإسلام، قبل أن تخضع بكامل جغرافيتها للاحتلال الأوروبي، وبعد استقلالها منه، والفرق بين ذلك وأساليب التنصير التي قادتها الحملات الأوربية هناك.
إذا ما عدنا إلى المستوى الفردي، وكيفية العبور المتزن نحو السلام، وتحقيق النجاحات، نجد في الإسلام كثيرًا من الموجهات التي ضبطت الإنسان حتى في طريقة المشي؛ إنه الدين الذي ربه السلام واسمه مشتق من السلام وتحيته السلام؛ مستحيل أن يكون منهجه العنف، أو شعاره الموت الذي يحمله بعض المنتسبين إليه، ممن مرقوا عن الطريق، وعبروا المتاهات إلى تشويهه، فإن ربَّ هذا الدين هو الذي حدد حتى( للنحل) كيفية تأدية وظيفتها وطريقة وطريق العبور، فقال: "فاسلكي سبل ربك ذللًا"، وفي حين اتضح الأمر وانبلج الفجر، لا يزال هناك من يقود القطيع إلى متاهات الزيف والزيغ والإلحاد، بحجة التكوين والنقد والتحديث، في العقيدة والفكر وغير ذلك.
وإذا كنت تقود ذاتك فقط، فقد حرم الله عليك أن تودي بها إلى التهلكة، فكيف إن كنت تقود فريقًا أو مجموعة أو شعبًا، فبدون التزام أمانة القيادة، والاستخلاف، ومسؤولية البناء والتنمية، حتمًا ستقودهم إلى الهلاك، بعيدًا عن دروب النور والاتزان.
وبما أنني قد ذكرت النور هنا، تأمل معي ضرورة الاتزان حتى في الوصول إلى النور الكهربائي، حيث توجد في توصيله ما يسمى بأسلاك العبور وتتمثل وظيفتها في تحقيق توازن الجهد الكهربائي في الكابل، ومنعه من أن يكون مرتفعًا جدًا أو منخفضًا جدًا، ذلك أنه في الأنظمة الكهربائية، يمكن أن يؤدي التوزيع غير المتساوي للتيار إلى أحمال غير متساوية في الدائرة، مما يؤثر على سلامة النظام واستقراره.
يمكننا إسقاط هذه المسألة على عدد من الملفات السياسية أو التكنولوجية أو العسكرية وغيرها، فمثلًا بتحقيق التوازن والاستغلال الأمثل للتكنولوجيا استطاع العالم التقدم والعبور إلى الفضاء، سواء في مقتضيات السلام واستخداماته أو السباقات العسكرية، ويعتبر الفضاء والطاقة النووية والذكاء الاصطناعي، أحدث شواهد التقدم التكنولوجي الغربي حاليًا، بينما لا يزال يواجه عالمنا العربي تحديات كبيرة للحاق بهم على مختلف المستويات، إلا من بعض بوادر الوصول في بعض الدول كالسعودية، والإمارات، ومصر، وغيرها من الدول، التي حققت السبق في العبور إلى مستقبل أفضل يواكب مختلف التطورات، في شتى المجالات الحيوية والحياتية.
تسعى المملكة العربية السعودية، مثلًا إلى العبور المتزن بالبلاد إلى آفاق رحبة من السلام والنهوض التنموي الشامل، في إطار تحقيق رؤية 2030 ، وهو الأمر الذي تحاوله دولٌ عربية أخرى ذات رؤى وخطط تنموية ومستقبلية شاملة، تلك الدول تنبهت مبكرًا إلى المسارات الملتوية التي حاول الأعداء عبرها قيادتها إلى جحيم الصراعات والأزمات والخراب، وبتنبهها ذلك حافظت على استقرارها واستمرارها في العبور الى رؤاها وخططها المستقبلية، بينما دول أخرى: كاليمن، والسودان، وليبيا، والعراق، وسوريا، ولبنان، لا تزال تعاني من نزيف الدم، نتيجة التدخلات التي قادتها إلى الدمار، حيث الْتَوَتْ الطرق وتشعبت إلى مختلف نواحي الحياة، ففي اليمن مثلًا لم يعد الصراع سياسيًا كما تشهده بلدان أخرى، بل تعدى ذلك إلى مختلف الجوانب: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والفكرية، وغيرها، الأمر الذي أصبح معه -حتى العبور إلى الهدنة والتوقف مؤقتًا عن الحرب- يأخذ فلسفات وأجندات، وتتداخل معه مصالح دول أخرى في المنطقة.
وسيجد القارئ مواضيع شاملة، في إطار تبويبات هذا العدد توضح ما تمت الإشارة إليه هنا بنوع من الاستفاضة والتوضيح والقراءة المنطقية للأحداث، حيث يناقش العدد الثاني من "مجلة جرهم"، العديد من القضايا بين دينية، واجتماعية، واقتصادية، وثقافية، وسياسية، وإدارية، وصحية، وغيرها، يتضح من خلال ما طرحه المختصون فيها كيفية العبور المتزن إلى تحقيق السلام بمختلف جوانبه ومعانيه، كما يمكن للقراء والمشاركين طرح آرائهم حول ما تضمّنه العدد من محتويات، في حين يبقى المجال مفتوحًا لمن أراد المشاركة في الأعداد القادمة بإذن الله ■