آخر تحديث :الخميس-28 نوفمبر 2024-12:24ص

مجلة جرهم


الانتخابات الأمريكية المقبلة وانعكاساتها المتوقعة على المنطقة*

الانتخابات الأمريكية المقبلة وانعكاساتها المتوقعة على المنطقة*

الإثنين - 04 نوفمبر 2024 - 12:36 م بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ د.سهام فوزي


لمحة تأريخية
يعود تاريخ تأسيس الانتخابات الأمريكية للعام 1789، حيث أجريت أول انتخابات تنافس فيها ثلاثة مرشحين هم جورج واشنطن، الذي ترشح كسياسي مستقل -وقد فاز بها كأول رئيس أمريكي- منافسا لاثنين من الحزب الفيدرالي وهما جون جاي وجون آدامز، والأخير أصبح ثاني رئيس للولايات المتحدة.
تجرى الانتخابات هناك كل 4 سنوات، ويمكن إعادة انتخاب الرئيس لولاية إضافية فقط، وفي المجمل تم إجراء 59 انتخابات منذ عام 1789، وتم انتخاب 40 رئيسا من أصل 46 بهذه الطريقة، فيما جاء رؤساء نتيجة شغور المنصب لأسباب الوفاة والاغتيال، وضمن تطور العملية الانتخابية في أمريكا، استخدمت البلاد نظام الحزبين في معظم تاريخها، حيث هيمن الحزبان الديمقراطي والجمهوري على السياسة الأمريكية منذ انتخابات عامي 1828 و1860 على التوالي، وحتى انتخابات 2020، فاز المرشحون الجمهوريون 24 مرة، مقابل ثلاثة وعشرين انتخابات فاز فيها الديمقراطيون، وتبدأ الانتخابات من خلال إعلان المرشحين عزمهم خوض السباق بعد التأكد من أن فرصتهم على المنافسة قوية، ثم يخوض هؤلاء انتخابات تمهيدية داخل الحزب، للفوز بترشيحه، إذ يختار الحزب مرشحا واحدا يخوض الاقتراع الرئاسي.
في ظل أجواء ساخنة واتهامات متبادلة تتهيأ الولايات المتحدة الأمريكية لإجراء انتخابات الرئاسة والكونغرس في نوفمبر المقبل، وبعد الصراع الذي شهدته الأشهر الماضية بين الرئيسين السابقين للولايات المتحدة، فقد ظهر الرئيس بايدن في مناضرته مع ترامب بأداء غير مقبول وإلى جانب تدهور صحته وعوامل أخرى فقد قرر تنحيه عن سباق الرئاسة في مواجهة المرشح الجمهوري "ترامب"، ناقلا الأمر إلى نائبته "كامالا هاريس" التي تحظى بإجماع ديمقراطي للمنافسة للوصول إلى البيت الأبيض.
ففي حين يعاني ترامب من إدانات قانونية ويواجه محاكمات مختلفة لكنه ما يزال مصرا على الاستمرار في خوض استحقاقه الانتخابي ومتقدما في بعض الولايات الأمريكية، بينما يعتبر أنصاره أن هذه المحاكمات والادانات ليست سوى مؤامرة تقودها الإدارة الأمريكية الحالية ضد وصوله إلى البيت الأبيض، وأنهم لا ولن يقبلوا بها.
الرئيس بايدن هو الآخر كانت قد انحدرت شعبيته حسب استطلاعات الرأي في عدد من الولايات الأمريكية نتيجة أدائه الضعيف خلال الفترة الماضية وتعامله المتشدد مع بعض الملفات وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية وأيضا دعمه اللامحدود لإسرائيل في حربها على غزة، وإلى جانب تدهور حالته الصحية فقد يبدو التنافس الرئاسي بين ترامب وكامالا هاريس حسب التوقعات أقل تصادمية خلال الفترة المقبلة.
أما إذا استمر الصراع بهذه الطريقة قد تقدم الولايات المتحدة الأمريكية هذه المرة نموذجا سيئا حسب مراقبين إذ يرون في أحداث السادس من يناير أنها مجرد بروفة لما قد يحدث إذا ما زج ترامب في السجن أو فرضت عليه الإقامة الجبرية. وللعلم الإدانة والسجن لا يمنعان أي مواطن بلغ السن القانونية من الترشح للرئاسة، حيث خاض الزعيم الاشتراكي يوجين فيكتور دبس الانتخابات الرئاسية من زنزانة سجنه في العام 1920.

الانعكاسات المتوقعة في الشرق الأوسط
وإن كان للواقع العملي رأي مختلف لكننا هنا سنجري قراءة نظرية في استراتيجية كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بما من شأنه قراءة انعكاسات الانتخابات الأمريكية القادمة على الشرق الأوسط، ووفقا لأحداث سابقة يتضح من خلال استراتيجية وتوجهات الحزب الديمقراطي، أنه يهدف إلى خفض التصعيد، و بناء الشراكات، وتفادي فرص اندلاع صراعات جديدة في المنطقة، كما يؤكد على وقف النشاط النووي الإيراني وذلك عن طريق استخدام كافة الوسائل الدبلوماسية أولا، أو غيرها إن فشلت الطرق الدبلوماسية في تحقيق هذا الردع، وفيما يخص القضية الفلسطينية واسرائيل فإن استراتيجية بايدن كانت تتبنى التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، وبحل الدولتين، وبتشجيع التطبيع العربي مع إسرائيل، وإجراء بعض الإصلاحات، وإن كان للواقع رأي مختلف حول بعض هذه السياسات في المنطقة يبقى التساؤل هل ستمضي هاريس في هذا المسار أم أنها ستكون لها نظرة مختلفة في حال فوزها.
أما استراتيجية الحزب الجمهوري التي أعلنها في ديسمبر 2017 فهي تؤكد على ضرورة مكافحة الإرهاب وعدم السماح بتواجد التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وترى أن إيران هي سبب عدم الإستقرار في المنطقة من خلال برنامجها النووي، ومحاولاتها مد نفوذها عن طريق الحرب بالوكالة، وتشدد الاستراتيجية على ضرورة حرمان إيران من امتلاك السلاح النووي، وتوازن القوى، وضرورة قيام دول المنطقة بتحديث اقتصاداتها، وتتشابه استراتيجية الحزبين في تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط لحماية المصالح الإمريكية وحلفاء الولايات المتحدة من أي هجوم.

دول الخليج العربي
لدول الخليج العربي أهمية كبرى لدى صانع القرار الأمريكي خاصة في ظل تزايد نفوذ قوى دولية أخرى -كالصين- في هذه المنطقة ونجاحها في تهدئة التوتر الحاصل فيها بتحقيق المصالحة السعودية الإيرانية، ومن المتوقع في حالة استمرار "هاريس" -إذا ما فازت- بالمضي على نفس سياسة بايدن في الحكم، أن تتجه دول الخليج إلى بناء مزيد من التحالفات مع قوى دولية مؤثرة كروسيا والصين، أما في حالة فوز "دونالد ترامب"، فقد تشهد هذه العلاقات تحسنا كبيرا نظرا لأن السياسة الخارجية لترامب تقوم على مبدأ الصفقات التي تحقق أكبر قدر ممكن من المنافع الإقتصادية و السياسية للولايات المتحدة، ومن الجدير بالذكر القول هنا أن الزيارة الأولى للرئيس ترامب بعد انتخابه في الفترة الرئاسية الأولى كانت للمملكة العربية السعودية، وهو الأمر الذي يظهر أهمية المملكة ودول الخليج العربي بالنسبة له، إلا أنه وبعد قيام العديد من دول الخليج العربي بانشاء شراكات دولية مع قوى كبرى في النظام الدولي فإن ذلك سيمنحها القدرة على التعامل بحرية أكبر مع الإدارة الأمريكية القادمة نظرا لإشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في العديد من مناطق العالم وعلى رأسها منطقة الشرق الأوسط.

الملف الإيراني
يتفق الحزبان الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية أنه لا يجب السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، وأنه يجب منعها من ذلك، بينما تختلف آليات القيادات المتعاقبة على حكم امريكا في التعامل مع هذا الملف ما بين العقوبات والحصار الاقتصادي وتنشيط المفاوضات وغير ذلك، إلا أن إيران لم تمتنع من المضي قدما في برنامجها النووي مما دفع إسرائيل إلى وضع الكثير من الضغوط على الإدارة الأمريكية للجوء للحرب الشاملة في سبيل منعها، وفي حال كان ذلك مستبعدا يرى محللون أن أيٍّ من الحزبين في حال فوزه بالانتخابات سيلجأ الى عزل إيران والعمل على تجميد علاقاتها بالسعودية وإن اختلفت الآليات التي سيتبعها، فسوف يستمر الديمقراطيون في حال فوزهم باستخدام الدبلومسية لتحقيق هذا الهدف، أما "ترامب" فله تأكيدات سابقة بأنه يرفض أي اتفاقات بخصوص البرنامج النووي الإيراني وأنه سيقوم بتشديد العقوبات الإقتصادية على إيران، والقيام بعمليات عسكرية محدودة إن لزم الأمر، نظرا لأن تطوير القدرات النووية الإيرانية قد يهدد استقرار المنطقة.

القضية الفلسطينية
حرصت الإدارات الأمريكية سواء أكانت ديمقراطية أم جمهورية على تقديم الدعم المطلق لإسرائيل عسكريا وسياسيا، والعمل على تدعيم وجود إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، فإسرائيل هي الحليف التقليدي للولايات المتحدة، وأمنها هو جزء من أمن الولايات المتحدة وهو الأمر الذي يتفق فيه كلٌ من قيادات الحزبين الجمهوري والديمقراطي ولكنهما يختلفان عن بعضهما البعض في التعامل مع عدد من النقاط الهامة، فعلى سبيل المثال تهتم القيادة الديمقراطية الحالية ممثلة في بايدن وهاريس بسير عملية السلام دون اشتراط الوصول إلى نتائج حقيقية أي الاهتمام بشكل عملية السلام وضرورة استمراريتها حتى وإن لم تصل إلى نتائج محددة، بينما يهتم ترامب بنتائج عملية السلام وكيفية أن تصب نتائجها في مصلحة إسرائيل وهو الأمر الذي يجعله أقل قدرة على التفاهم مع السلطة الفلسطينية، وعلى الرغم من ثبات رؤية الحزبين لعملية السلام في الشرق الأوسط، إلا أن الحرب الإسرائيلية على غزة والتي اندلعت في السابع من أكتوبر خلقت العديد من التحديات والتي لابد أن تؤثر على نتيجة الإنتخابات القادمة وعلى سياسة الرئيس الأمريكي القادم فيما يتعلق بعملية السلام، ولعل أهم هذه التحديات هو التحول في توجهات الناخبين الأمريكيين نتيجة لهذه الحرب حيث كشفت العديد من استطلاعات الرأي عن تزايد دعم الأمريكيين من للرئيس ترامب في مواجهة "بايدن"، وذلك نظرا لمواقف الأخير من الحرب على غزة وعدم قدرته على الضغظ على إسرائيل واجبارها على وقف اطلاق النار، ولم يكن الناخب ذو الأصول الشرق أوسطية هو التحدي الوحيد ولكن الاحتجاجات الطلابية المتزايدة الداعمة لفلسطين والتي امتدت لبعض الجامعات الأمريكية الشهيرة وطالبت الإدارة الأمريكية بوقف التعامل مع الشركات الداعمة لإسرائيل والضغط الفوري عليها لوقف اطلاق النار، وهو الأمر الذي ينذر بتحول العديد من الشباب للتصويت لصالح ترامب، وفي حالة فوزه بالرئاسة فإن الأمر سينعكس سلبا على القضية الفلسطينية حسبما يرى محللون، حيث أنه أكثر الرؤساء الأمريكيين انحيازا لإسرائيل وهو الأمر الذي لم يخفيه أبدا، وبالتالي فإنه من المستبعد أن يحدث أي تقدم في القضية الفلسطينية في ظل ادارة ترامب، حيث أن الولايات المتحدة لن تمارس أي ضغوط على إسرائيل من أجل القبول بحل الدولتين، وإيقاف وتيرة الاستيطان، وهو ما كان يراه بايدن وربما تمشي عليه هاريس حال فوزها، وبالتالي فإن فوز ترامب هو الأفضل لليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يحكم اسرائيل حيث أنه في ظل ادارة ترامب سيستطيع الاستمرار في تحقيق سيطرته الكاملة على الأراضي الفلسطينية، ولن يكون مجبرا على استئناف المفاوضات مرة أخرى مع الفلسطينيين.

اليمن وأمن البحر الأحمر
ظل الرئيس بايدن يعارض الحرب في اليمن ويرى ضرورة إنهائها نظرا للتكلفة الإنسانية الكبيرة من وجهة نظره، وفي حين كان يرى أن الحوثيين هم المسئولون عن استمرار هذه الحرب باعتبارهم قاموا بالإنقلاب على الحكومة الشرعية إلا أنه ظل يعارض الحسم العسكري معهم، وفي حين تغيب عنا حقيقة هل ذلك هو توجهه الشخصي أم التوجه العام للحزب الديموقراطي فيما يخص هذه القضية فإننا لا نستطيع البناء على ذلك في توقعاتنا لتعامل "هاريس" مع هذا الملف في حال فوزها بالانتخابات، أما ترامب فلم يظهر إلى الآن أي اهتمام بقضية اليمن وإن كان من المتوقع أن يسعى إن وصل إلى السلطة لإنهاء الحرب هناك من منطلق محاصرة إيران وتحجيم نفوذها في المنطقة، ولضمان حرية وأمن وسلامة الملاحة في البحر الأحمر، حيث ترتبط هذه المسألة بقضية اليمن عموما، وهو الأمر الذي يهم الإدارة الأمريكية ويتفق مع الإستراتيجية المعلنة لكل من الرئيسين فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، وبالتالي يتفق هنا الرئيسان فيما يتعلق بتأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر.

التعاون مع مصر
تعد مصر من الدول الهامة في الشرق الأوسط والتي لا يمكن تجاهلها في التعامل مع مشكلات الإقليم ويتوقع ان تكون العلاقات المصرية الأمريكية أفضل في عهد الرئيس ترامب، خاصة وإن مصر لعبت دورا هاما في مكافحة ارهاب الدولة الإسلامية وتحجيمه و هو الأمر الذي يشكل أهمية قصوى بالنسبة للادارة الأمريكية، وبالتالي فإن فوز الرئيس ترامب سيؤدي الى مزيد من علاقات الشراكة القوية خاصة في ظل قيام مصر باتباع سياسة خارجية منفتحه على جميع القوى الدولية وهو الأمر الذي يجعلها في موقف قوي عندما تتعامل مع هذه القوى.

خلاصة
في ظل تعقيدات الملفات المختلفة على مستوى العالم والمنطقة، وأيضا مع سخونة الوضع الانتخابي القائم في الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن، فإن المتابع للأحداث -وإن كان ذا خبرة- تصعب عليه التنبؤات والتوقعات من سيستمر ومن سيخسر، وهل ستأتي الأحداث بوجوه غير التي تم مناقشة فوزها وخسارتها، إلا أننا يمكننا إسقاط هذه التوقعات على فوز أحد الحزبين المتنافسين هناك في حال اختفاء أو اختلاف الوجوه التي تم مناقشة فوزها أو خسارتها، إلى ذلك يبدو محتوى هذه المادة مبنيا على المعطيات النظرية والأحداث السابقة التي من خلالها رسمنا بعض الانعكاسات لما قد تؤول إليه الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية وتأثيراتها على عدد من الملفات في المنطقة بين تفاؤل وتشاؤم، وسيكون للأيام قولها بين تأييد أو تفنيد لما ورد، ومما تجدر الإشارة إليه أن حدث كانتخابات الرئاسة والكونغرس في دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر من الأهمية بمكان أن ندلو بدلونا فيه، كونها لا تزال تهيمن على حسم عدد من الملفات في المنطقة والعالم.