آخر تحديث :الإثنين-20 مايو 2024-01:27ص

ثلاثينية الإبادة... و"الحل الرواندي"

الإثنين - 01 أبريل 2024 - الساعة 06:25 ص

أسعد عبود
بقلم: أسعد عبود
- ارشيف الكاتب



بعد مرور ثلاثين عاماً على عمليات الإبادة العرقية في رواندا، هل التأمت جروح هذا البلد الذي يحكمه بول كاغامي منذ 24 عاماً ويستعد للترشح لولاية جديدة في تموز (يوليو) المقبل من دون أن يتيح وجود معارضة جدّية في البلاد؟


الجواب عن هذا السؤال يستدعي النظر إلى واقع رواندا، البلد الأكثر استقراراً أمنياً وسياسياً في إفريقيا، بينما استطاع كاغامي أن يحكم سعيداً مع قمع أصوات المعارضين وتقديم نفسه على أن لا غنى عنه للمضي في هذا الاستقرار.


عام 1994 أُسقطت الطائرة التي كانت تقلّ الرئيس جوفينال هابياريمانا الذي ينتمي إلى الهوتو الذين يشكّلون الغالبية في البلاد، لينفجر أكثر الصراعات العرقية دموية في القرن العشرين، بعدما حمّل هؤلاء المسؤولية لأقلية التوتسي التي تمثل 15 في المئة. واستمرت المجازر لمدة 100 يوم، وذهب ضحيتها ما بين 500 ألف ومليون شخص معظمهم من التوتسي. حدث ذلك تحت أنظار الدول الأوروبية التي كانت قد تدخّلت في الحرب الأهلية السابقة على الإبادة.


المجازر دفعت بالجبهة الوطنية الرواندية التي يقودها التوتسي بزعامة كاغامي إلى دخول العاصمة كيغالي والاستيلاء على السلطة في 1994. وحكم كاغامي حتى عام 2000 نائباً للرئيس قبل أن يتولّى الحكم بنفسه.


لا أحد يتوقع بعد 30 عاماً على المجازر وبعد 24 عاماً من حكم كاغامي، أن يُظهر الرجل مرونة إزاء قيام تعددية سياسية في البلاد أو إبداء الاستعداد للتنحّي جانباً رغم اعتماده على بعض الإصلاحات ومساعي المصالحة، متوسلاً القمع والبراغماتية في آنٍ واحد وفق ما كتبت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية.


ويسود تأكيد على الهوية الوطنية الرواندية على حساب الهويات العرقية. ويتجنّب النظام التطرّق إلى دور الجبهة الوطنية الرواندية في المجازر. ولذلك، يرى مراقبون أنّ الحديث عن المصالحة هو "اصطناعي" أكثر مما هو "فعلي". وتقول منظمة "هيومان رايتس ووتش" في تقاريرها إنّ المعارضين للنظام خارج البلاد إما تعرّضوا لانتهاكات أو حتى للقتل.





وفي مقابل هذه السلبيات، يمتدح الغرب الفاعلية التي تستخدم فيها رواندا المساعدات الخارجية التي تشكّل نحو 75 في المئة من الإنفاق الحكومي. ونما الناتج المحلي بأكثر من 8 في المئة بين عامي 1995 و2022. وزاد متوسط العمر من 49 عاماً إلى 66 عاماً بين عامي 2001 و2021، وانخفضت وفيات الأطفال بنسبة 77 في المئة.


ولا تقتصر طموحات كاغامي داخل حدود بلاده. إذ إنّه تعاون عام 1997، مع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني للإطاحة بحكم موبوتو سيسي سيكو الذي حكم الكونغو لثلاثة عقود، وذلك بعدما لعب الأخير دوراً في إيواء الجيش الرواندي وقادة الميليشيات الذين شاركوا في عملية الإبادة. وعندما تبين أنّ خليفته لوران كابيلا ليس مطواعاً بما يكفي، تدخّلت روانداً مجدداً، لتثير تمرداً في شرق الكونغو ذهب ضحيته حتى الآن بين مليون ومليون ونصف المليون شخص.


هذا النزاع يهدّد بنشوب حرب بين رواندا والكونغو، بسبب الدعم الذي يقدّمه كاغامي لحركة "23 آذار" (مارس) المتمرّدة في شرق الكونغو، والتي تهدّد بالزحف على العاصمة الإقليمية غوما. والحجة التي يتخذها كاغامي للتدخّل هي العمل على حماية أقلية التوتسي في شرق الكونغو.


والمفارقة هنا، أنّ الاتحاد الأوروبي يموّل نشر قوات رواندية لمكافحة التنظيمات الجهادية في موزمبيق، حيث تنفّذ شركة "توتال" الفرنسية مشروعاً ضخماً للغاز. وفي 2021، طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة لكيغالي، الصفح لأنّ فرنسا لم تبذل ما يكفي من الجهود لمنع الإبادة.


وبريطانيا تجد في كاغامي سياسياً مستعداً للتعاون معها إلى حدّ استقبال طالبي اللجوء الذين لا تريد لندن منحهم الحق بالإقامة على الأراضي البريطانية، في ما بات يُعرف بـ"الحل الرواندي" وذلك في مقابل مساعدة بـ470 مليون دولار.


ولا تزال الولايات المتحدة المانح الأكبر لرواندا وتتجنّب انتقاد كاغامي بسبب حاجتها إلى الجيش الرواندي للتدخّل في مناطق إفريقية غير مستقرة.


وفي الوقت نفسه يقيم كاغامي علاقات جيدة مع الصين التي بنت معظم الطرقات في رواندا، وهو يشيد بالدور الروسي في إفريقيا بينما سيستضيف سفارة أوكرانية قريباً.


بهذه العلاقات وهذه الأدوار، يسعى كاغامي إلى الحفاظ على حكمه، وعلى إظهار أنّ رواندا ليست كوريا الشمالية؛ وإنما هي سنغافورة إفريقيا.