آخر تحديث :الخميس-28 نوفمبر 2024-12:24ص

قضايا


فلسطـــين والطفـولة المقتولـة.. تـاريـخ وقضيـة

فلسطـــين والطفـولة المقتولـة.. تـاريـخ وقضيـة

الثلاثاء - 14 مايو 2024 - 12:15 ص بتوقيت عدن

- مجلة جرهم ــ د. ولاء البطاط كاتبـــة فلسطينيــــــة

بينما يكفل القانون الدولي بكامل مواثيقه واتفاقياته وقواعده الدولية كافة الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية للأطفال، يواصل الإحتلال الإسرائيلي استهداف أطفال فلسطين وانتهاك كافة حقوقهم، لتصبح ممارسات الإحتلال المتواصلة بحق الطفل الفلسطيني نهجًا سياسيًا تتبعه حكومات الإحتلال المتعاقبة من أجل الضغط على الشعب الفلسطيني وكسر إرادته وعزيمته من خلال استهداف فلذات أكبادهم أبنائهم وأغلى ما يملكون، فعلى مدار ما يقارب الثمانية عقود عانى الشعب الفلسطيني من ويلات المحتل الذي أفرط بانتهاك كافة حقوق الطفل الفلسطيني من قتل واعتقال وتعذيب وإصابة وتدمير كل مقدرات الطفل الفلسطيني التي لم تقتصر على لعبته كطفل وإنما وصلت لبيته ومدرسته ولقمة عيشه بل وروحه فكان الطفل هدفًا رئيسيًا للاحتلال الإسرائيلي في القضاء على الوجود الفلسطيني.
هند قصة وغصة
صرخت هند طويلًا أكثر مما يمكن أن يحتمل أي طفل بكثير ولكن واجهت الأبشع والأقسى على مسامع كل العالم عندما صرخت مستنجدة بطواقم الهلال الأحمر لإنقإذها من رشاشات بنادق ومدافع مجرمي الحرب جيش الاحتلال، بعد أن اطلقت مدفعيات الإحتلال على سيارة عائلتها وهي متوجهة إلى مكان آمن بعد أن حاولوا الهروب من بيتهم المهدد بالقصف، فلم تكن تعلم عائلة هند أن الموت يحيطهم من كل اتجاه لتقتل جميع من في السيارة وآخرهم شقيقتها ليان التي دوت صرخاتها كل العالم ثم اخترق الرصاص جسدها على مسامع كل العالم ولكنه لم يسمع حيث رحلت ليان وهي تستجدي العالم بإنقاذها دون جدوى، بقيت هند ابنة الستة أعوام وحدها بين جثث عائلتها وأحبائها ومرت الأيام وهند وحدها محاصرة بين دبابات الإحتلال ورصاصهم والكلاب الضالة والبرد القارس والخوف من الظلام الحالك، وانتظرت هند اثنى عشر يومًا خائفة جائعة مخذولة مقهورة مظلومة إلى أن لحقت بكامل عائلتها شهيدة حيث تم العثور عليها بعد أن انسحبت قوات الإرهاب الإسرائيلية من المكان بعد أسبوعين مستشهدة برفقة خمسة من أفراد عائلتها شهداء داخل السيارة لتكون هند واحدة من مئات الآلاف من الصرخات التي لم تسمع وترحل مخذولة كما كافة أبناء شعبها.
في مرمى الإرهاب الصهيوني تاريخيًا
أن عدنا إلى الوراء ست وسبعون عامًا سنجد أن أطفال فلسطين كانوا الهدف منذ بداية احتلال فلسطين عام 1948 فقد قامت دولتهم على جثث ودماء الأطفال حيث هاجمت العصابات الصهيونية القرى والمدن الفلسطينية في ليلة داكنة استيقظ الجميع على أصوات إطلاق النار الكثيف، وأُمطرت سماء القرى بالقنابل المضيئة، فاستيقظ الأجداد من الفلسطينيين مرعوبين على نحيب الأطفال وعويل النساء حاولوا النجاة إلا أن أغلبهم لم ينجح بسبب الهجوم على القرى من كل اتجاه، لتكن هذه آخر الليالي الآمنة في حياة الفلسطينيين، ميلشيات الأرغون وشتيرن والهاجاناة والبالماخ الإرهابية كانت تفجر البيوت وتقتل أي شيء يتحرك، كانوا يتعمدون إعدام الأطفال أمام عائلاتهم والتنكيل بهم، وإلقاء الأطفال في الأفران المشتعلة، وقد حصد الرصاص كل الرجال ثم ألقوا ببعض الجثث في آبار القرى والبعض الآخر أحرقوه، ليظل ارتكاب المجازر وخاصة بحق الأطفال نهج قديم متجدد أكده قادة الإحتلال قديما وحديثا، وفي كتابه المعنون الثورة كتب بيجين يقول: "إن مذبحة دير ياسين أسهمت مع غيرها من المجازر الأخرى في تفريغ البلاد من الفلسطينيين"، إنه هنا يفاخر بتلك الجرائم التي كانت مخبوءة نوعا ما، ولم يتغير شيء سوى أن كل ما يفعله الكيان الصهيوني اليوم يشاهده العالم المتحضر على شاشات التلفاز بالألوان وبصورة أوضح والموقف ذاته لم يتغير وبين دير ياسين والطنطورة وجباليا والشجاعية وخان يونس وبيت لاهيا آلاف المجازر ومئات آلاف الضحايا والمجرم واحد والآلة واحدة وإن تعددت طرق الإجرام وتعدت المألوف إلى أقسى درجات البشاعة.
استهداف حياة الأطفال
وثقت المؤسسات الحقوقية للدفاع عن الأطفال في فلسطين استشهاد أكثر من 15 ألف طفل على يد جيش الإحتلال الإسرائيلي منذ عام 2000م؛ أي مع بدء انتفاضة الأقصى؛ وحتى الأول من فبراير 2024؛ منهم 546 طفلًا فلسطينيًا خلال عام 2014م؛ معظمهم ارتقوا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومنهم من ارتقى في الضفة الغربية على أيدي جيش الإحتلال ومستوطنيه حيث قاموا بخطف الطفل محمد أبو خضير وإحراقه وتقطيع أطرافه وهو حي ثم قتله، وسياسة الحرق انتهجها المستوطنون في الضفة الغربية حين قاموا بقتل عائلة دوابشة حرقًا ولم يتبق منهم إلا أحمد ابن الخمس سنوات والناجي الوحيد من هذه المحرقة، أضافة إلى عمليات الحرق والدهس التي يواصل ارتكابها المستوطنون بحماية جيش الاحتلال، ومؤخرًا لاحق جنود الإحتلال المدججون بالسلاح والمعدات الثقيلة طلبة مدرسة تقوع الابتدائية قضاء بيت لحم أثناء خروجهم من مدارسهم والاعتداء عليهم الا أن الطفل ريان ابن السابعة من عمره هرب مذعورًا والجنود يلاحقونه إلى بيته ثم غرفته حتى سقط شهيدًا من شدة الخوف، أما الطفل محمد هيثم التميمي (عامان ونصف) من قرية النبي صالح، شمال غرب رام الله، فقد قضى بعد أن استهدفه قناص من جنود الإحتلال وهو في أحضان والده في باحة منزلهم، وفي غزة آلاف القصص المؤلمة التي تؤكد على وحشية لاحتلال، أما منذ السابع من أكتوبر فقد سُطرت بالدم13 ألف قصة لأطفال ارتقوا بأبشع أشكال القتل، والجدير ذكره بأن استهداف حياة الطفل الفلسطيني غير مرتبط بحدث معين أو اشتباكات مسلحة أو عملية عسكرية بل هذا نهج صهيوني واضح يستهدف الأطفال الآمنين حتى في أحضان ذويهم وداخل مدارسهم وفي كل مكان يمكن أن يتواجد فيه الأطفال حتى أماكن اللعب والترفيه استُهدف الأطفال بداخلها.
الأطفال الجرحى
تشير معطيات مؤسسة الجريح الفلسطيني إلى أن عدد جرحى الانتفاضة الأولى خلال الفترة (1987- 1993) يزيد عن 70 ألف جريح، معظمهم من الأطفال؛ يعاني نحو 40% منهم من إعاقات دائمة، 65% يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في أحد الأطراف، بما في ذلك بتر أو قطع أطراف مهمة؛ فيما بلغ عدد جرحى انتفاضة الأقصى (من 29 أيلول 2000م وحتى نهاية كانون الأول 2007م) حسب "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" 31,873 جريحًا؛ وفي قطاع غزة لا سيما في الأعوام بين 2014 – 2022 بلغ عدد الجرحى الأطفال 23357، إضافة إلى ما يزيد عن 100 الف بين جريح وشهيد أكثر من نصفهم أطفال خلال العدوان الأخير على غزة والضفة والقدس حسب وزارة الصحة الفلسطينية من الأطفال.
إن هذه الأرقام الكبيرة تؤكد مواصلة إسرائيل وضع حياة الأطفال الفلسطينيين في دائرة الاستهداف، ما يجعل سجل إسرائيل بانتهاكات حقوق الأطفال الفلسطينيين حافلًا بأبشع صور الإرهاب، وأنها لا تلتزم بقواعد أو معاهدات دولية، وبالرغم من كل ذلك ما زالت تقف إسرائيل بجرائمها تحت مظلة حماية الولايات المتحدة، خارج دائرة العقاب.
أطفال في سجون الاحتلال
اعتقلت سلطات الإحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967م حسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين في 20 تشرين الثاني 2022 نحو 50 ألف من الأطفال الفلسطينيين؛ منهم نحو 20 ألفا تعرضوا للاعتقال منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في 28 أيلول/ سبتمبر2000، ومن بينهم (9) آلاف طفل تعرضوا للاعتقال منذ هبة القدس في الأول من أكتوبر 2015، وهؤلاء يُشكلّون 20% من إجمالي الاعتقالات خلال الفترة المستعرضة، نسبة كبيرة منهم كانوا من القدس المحتلة، فيما اعتقلت سلطات الإحتلال نحو (770) طفلًا منذ مطلع العام 2022، علمًا بأن هناك نحو (240) طفلًا لا يزالوا رهن الاعتقال في سجون الإحتلال حتى تاريخ 12 فبراير 2024.
إن الأطفال المعتقلين يتعرضون لما يتعرض له الكبار من قسوة التعذيب والمحاكمات غير الشرعية، والمعاملة غير الإنسانية، التي تنتهك حقوقهم الأساسية، وتخالف قواعد القانون الدولي و"اتفاقية حقوق الطفل"؛ والتي صدرت عام 1989 وتنص على حماية الطفل وعدم اعتقاله، وحسب المادة 37 " أن لا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية"، بينما يتعرض الطفل الفلسطيني ليس فقط للاعتقال وإنما لمجموعة من الممارسات التعسفية التي تنتهك حقوق الطفل حيث تحرم سلطات الإحتلال الأطفال الأسرى الفلسطينيين من الحق في معرفة سبب الاعتقال، كما وتحرم الطفل المعتقل الحق في الحصول على محامٍ، ومجموعة من الممارسات الوحشية التي تحرم حتى الأسرة من معرفة سبب ومكان اعتقال الطفل، والحرمان من الحق في الاعتراض على التهمة والطعن بها، وحرمان الطفل من الاتصال بالعالم الخارجي، ومعاملة الطفل الفلسطيني المعتقل معاملة غير إنسانية، كما أن الإحتلال لا يراعي سن الأطفال أثناء تقديمهم للمحاكمة؛ ولا تشكل لهم محاكم خاصة؛ بالإضافة إلى أن الإحتلال يحدد سن الطفل بما دون ال16 عامًا؛ وذلك وفق الجهاز القضائي الإسرائيلي الذي يستند في استصدار الأحكام ضد الأسرى الأطفال إلى الأمر العسكري رقم "132"، والذي حدد فيه سن الطفولة، حتى سن السادسة عشرة؛ كما أقرت الكنيست يوم 25/11/2015 مشروع قانون يسمح بمحاكمة وسجن من هو أقل من 14 عامًا من الأطفال الفلسطينيين الذين يخضعون لقانون الأحداث الإسرائيلي المدني كأطفال القدس، وينص القانون على أن المحكمة تستطيع أن تحاكم أطفالا ممن بلغوا سن 12 عامًا؛ لكن عقوبة السجن الفعلى تبدأ بعد بلوغهم سن 14 عامًا؛ بحيث يصبح جيل المسؤولية الجنائية هو 12 عامًا. ويمكن اعتقال طفل والتحقيق معه، وبعد إدانته يرسل إلى إصلاحية مغلقة، ويبقى فيها إلى أن يبلغ 14 عامًا، ما يشكل مخالفة صريحة لنص المادة رقم "1" من "اتفاقية الطفل" التي عرفت الطفل بأنه (كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة)،
كما أن حكومة الإحتلال الإسرائيلية تتعامل مع الطفل الفلسطيني المعتقل كمخرب وتمارس ضده كافة أشكال التعذيب والمعاملة القاسية نفسيًا وجسديًا حيث تقوم إدراة السجون الإسرائيلية بشبح الأطفال وضربهم وحرمانهم من النوم والطعام والتهديد والتحرش الجنسي من أجل انتزاع الاعترافات منهم.
حكاية طفولة مسلوبة
حكاية المعاناة لا تتوقف جراء سياسات سلطات الإحتلال الإسرائيلي التي استهدفت ولا زالت تستهدف الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وتفاصيله اليومية، من خلال الممارسات التعسفية من قتل، وجرح، واعتقال، وتشريد وإبعاد، وإقامة جبرية، ومصادرة أراض واستيطان، وجدار العزل العنصري، وحواجز، وبوابات، واقتحامات، وحظر تجول، وحصار كل هذا والقائمة تطول مما يعيشه الفلسطيني بشكل يومي وخاصة الأطفال ورغم الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية التي تنص على حقوق الأطفال؛ وفي مقدمتها "اتفاقية حقوق الطفل"، التي تنادي بحق الطفل بالحياة والحماية والحرية والعيش بمستوى ملائم، والرعاية الصحية، والتعليم، والترفيه، واللعب، والكثير من الحقوق التي نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل ضمن 54 مادة متكاملة كفلت للطفل في كل مكان في العالم أن يتمتع بها مع إلزام كافة الدول الأطراف الموقعة على الاتفاقية بكفالتها وتجريم انتهاكها، ويواصل الإحتلال انتهاك حقوق الطفل الفلسطيني كافة بدءً من حقه في الحياة ووصولًا إلى حقه في اللعب، حيث يمعن الإحتلال في قتل كل ملامح الطفولة الفلسطينية وانتزاع كافة حقوقها، رغم ذلك فالقانون الدولي لم يردع الإحتلال عن مواصلة جرائمه بحق الطفل الفلسطيني.
لماذا الأطفال؟!
الإحتلال الإسرائيلي الذي يعتبر طرفًا في معظم هذه الاتفاقيات وليس اتفاقية حقوق الطفل فحسب انتهك القانون الدولي برمته حين انتهك كافة حقوق الطفل الفلسطيني وقد شكلت عمليات استهداف الأطفال الفلسطينيين وقتلهم سياسة ثابتة اتبعتها القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، ما يفسر ارتفاع عدد الشهداء الأطفال، حيث وثقت المؤسسات الحقوقية للدفاع عن الأطفال في فلسطين استشهاد عشرات آلاف الأطفال واعتقال الآلاف، ما يطرح تساؤلًا مهمًا أمام الجميع لماذا يستهدف الإحتلال الإسرائيلي حياة وحرية ومستقبل أطفال فلسطين، لماذا يواصل الإحتلال جرائمه ضد الطفولة الفلسطينية والنتيجة صمت دولي مرعب، إن كافة المعطيات وخاصة بما يتعلق بحياة وأمن وحقوق الطفل الفلسطيني يؤكد أن الإحتلال الإسرائيلي يتعامل ككيان فوق القانون، ولكن هذا ليس السبب الأبرز بل هذا نتيجة لموقف المجتمع الدولي المساند دوما للاحتلال وإنما السبب وراء ذلك هو مخاوف الإحتلال من جيل ولد ليستعيد حقه وحق اجداده جيل لا يهاب الموت، وهو يدرك مإذا يعني بأن ينشأ الطفل على الانتماء لأرضه ووطنه فلا يمكن تحت أي ظرف أن يتخلى عنها.
ختـــامًا
الإحتلال الإسرائيلي منذ تأسيس كيانه الغاصب وهو يحارب تاريخ ومستقبل فلسطين، حيث يحاول تزوير الحقائق والاستيلاء على ثقافة الأرض وهويتها والقضاء على وعي الطفولة الفلسطينية التي ستكبر يومًا وترفع علم فلسطين على مآذن وكنائس وأسوار القدس كما قال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وعلى عكس ما راهن عليه أول رئيس للوزراء الإسرائيلي بن غوريون حين قال الكبار يموتون والصغار ينسون، فقد خابت ظنون ومعتقدات المؤسسة الإسرائيلية التي خططت لإنهاء الوجود الفلسطيني ولا تزال، إضافة إلى الخلفية الدينية للإسرائيليين تسمح بقتل الأطفال حيث أصدر العديد من الحاخامات اليهود على مر التاريخ فتاوى تبيح قتل الفلسطينيين دون تمييز لسن أو جنس أو لغير ذلك، وما ورد من إباحة القتل في كتاب توراة الملك أو شريعة الملك الذي ألفه الحاخامان يتسحاق شابيرا ويوسف إليتسيور، وهذا الالتزام التاريخي له العديد من الدلائل ابتداء من مجزرة الطنطورة وحتى يومنا هذا فجنود الإحتلال ليس لديهم رادعًا أخلاقيًا ولا قانونيًا فلذلك يواصلون تسجيل تاريخهم الأسود بدم الأطفال إلا أن جيلا بعد جيل من الفلسطينيين يؤكد تجذره في الأرض وتمسكه بحقوقه ومقاومته بكل الوسائل لنيل حريته واسترجاع أرضه وحقوقه وحلمه بالعودة وبغدٍ دون احتلال ■